الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل اضحى الفساد جزءاً من الشخصية العراقية ؟

محمد الياسري

2010 / 8 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


محمد الياسري


الفساد في معاجم اللغة هو من (فسد)... ضد صَلُحَ، (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق، مما يجعل تلك التعابير المتعددة عن مفهوم الفساد، توجه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد، فهو ضد الجد القائم على فعل الائتمان على ما هو تحت اليد (القدرة والتصرف).
ويعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة". وقد يعنى الفساد : التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحى السلبية قي الحياة.
وقد يشير مصطلح الفساد بشكل عام إلى حالات انتهاك مبدأ النزاهة، ويعرف الفساد السياسي بأنه استخدام لسلطات مشروعة من قبل مسؤولين حكوميين أو تنفيذيين لغرض تحقيق مكاسب خاصة غير مشروعة. كذلك سوء استخدام سلطات الحكومة لتحقيق أغراض أخرى.
ووما لاشك فيه أن جميع أشكال الحكومات هي عرضة للفساد السياسي. وتختلف أشكال الفساد، لكنها تشمل الرشوة، الابتزاز، المحسوبية، المحاباة والاختلاس. في حين أن الفساد يمكن أن يسهل الأعمال الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والمتاجرة بها، لكنه لا يقتصر على هذه النشاطات.
وتظهر صور الفساد من خلال عدة سلوكيات يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وبالرغم من التشابه أحيانا والتداخل فيما بينها إلا انه يمكن إجمالها كما يلي:
- الرشوة: أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل او الامتناع عن تنفيذه مخالفةً للاصول.
- المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة…الخ، دون أن يكونوا مستحقين لها.
-المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.
-الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لاسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفؤ أو مستحق
- نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.
-الابتزاز :أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.
كما تتعدد صور الفساد ولا يمكن حصر هذه المظاهر بشكل كامل ودقيق فهو يختلف باختلاف الجهة التي تمارسه أو المصلحة التي يسعى لتحقيقها، فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة رسمية أو أهلية، وقد يهدف لتحقيق منفعة مادية أو مكسب سياسي أو مكسب اجتماعي. وقد يكون الفساد فردي يمارسه الفرد بمبادرة شخصية ودون تنسيق مع أفراد أو جهات اخرى، وقد تمارسه مجموعة بشكل منظم ومنسق، ويشكل ذلك اخطر أنواع الفساد فهو يتغلغل في كافة بنيان المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وينقسم الفساد وفقا لمرتبة من يمارسه إلى فساد أفقي (فساد صغير( يشمل قطاع الموظفين العموميين الصغار بحيث يتطلب إنجاز أية معاملة مهما كانت صغيرة تقديم رشوة للموظف المسؤول، وفساد عمودي (فساد كبير( يقوم به كبار المسؤولين ويتعلق بقضايا اكبر من مجرد معاملات إدارية يومية، كما يهدف إلى تحقيق مكاسب اكبر من مجرد رشوة صغيرة.
وعلى وجه العموم يمكن تحديد مجموعة من صور الفساد وأشكاله
على النحو التالي:
1.استخدام المنصب العام من قبل بعض الشخصيات المتنفذة (وزراء، وكلاء، مستشارون …الخ) للحصول على امتياز خاصة كالاحتكارات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية، والوكالات التجارية للمواد الأساسية، اوالحصول من آخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات دون وجه حق.
2.غياب النزاهة والشفافية في طرح العطاءات الحكومية، كإحالة عطاءات بطرق غير شرعية على شركات ذات علاقة بالمسؤولين، أو أفراد عائلاتهم، أو إحالة العطاءات الحكومية على شركات معينة دون اتباع الإجراءات القانونية المطلوبة كالإعلان عنها أو فتح المجال للتنافس الحقيقي عليها أو ضمان تكافؤ الفرص للجميع.
3.المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية، كقيام بعض المسؤولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة على أسس القرابة أو الولاء السياسي أو بهدف تعزيز نفوذهم الشخصي، وذلك على حساب الكفاءة والمساواة في الفرص، أو قيام بعض المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية او المبالغ المالية من المال العام على فئات معينة أو مناطق جغرافية محددة على أسس عشائرية أو مناطقية أو بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
4.تبذير المال العام من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص أو شركات بدون وجه حق بهدف استرضاء بعض الشخصيات في المجتمع أو تحقيق مصالح متبادلة أو مقابل رشوة، مما يؤدي إلى حرمان الخزينة العامة من أهم مواردها.
5.استغلال المنصب العام لتحقيق مصالح سياسية مثل تزوير الانتخابات أو شراء أصوات الناخبين، أو التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية، أو التأثير على قرارات المحاكم، أو شراء ولاء الأفراد والجماعات.
ومن هنا هل يمكن لنا أن نصف الفساد الذي يعيشه العراق بمختلف صوره بأنه أضحى صفة ملازمة للشخصية العراقية؟ أم اعتباره نتاج الظروف الراهنة التي يعيشها البلد وما افرزته سنوات طويلة من الحروب وسفك الدماء؟
لماذا انتقلت عدوى مرض الفساد لينتشر كالنار في الهشيم وسط الطبقات المتوسطة والضعيفة بعدما كان يسود طبقة النخبة وتتفنن باساليب الرشى والسرقة والتزوير والاختلاس والسحت الحرام؟
أن نظرة بسيطة للواقع الذي وصله العراقيون من تردٍ يجعل المتتبع لهذا الواقع يرسم صورةً سواداوية لما آل اليه المجتمع العراقي المعروف بصفاته وخصاله الحميدة كونه هذا المجتمع يخضع لمعايير اخلاقية يحكمها الدين والنظام العشائري، حيث يصف الدكتور علي الوردي الشخصية العراقية بإلازدواجية فهي تحمل قيم متناقضة، قيم البداوة وقيم الحضارة بسبب جغرافيا العراق حيث ان وجود نهري دجلة والفرات سمح بنشوء حضارة بلاد الرافدين كما ان احاطتها بمساحات صحراوية عربية شاسعة ادت الى هجرة اعداد كبيرة من البدو الى العراق وهذا ماأثر في تكوين الشخصية العراقية المزدوجة البدوية الحضرية.
ومن هنا يبرز التساؤل المغلف بالتعجب والغرابة... لم نشهد هذا الكم الهائل من مظاهر الفساد بشتى صوره في عراقنا الجديد؟
هل العلة تكمن بالنخبة التي تقود البلد وعززت من خلال تصرفاتها انتشار مظاهر الفساد وجعل من عامة الشعب تسير في درب التمتع بملذات ناتجة من تطبيق هذه المظاهر؟
أم ان ما مر به ابناء العراق من ظروف مرة وصعبة وحروب ونكبات وفقر وعوز أوجد البيئة المناسبة لاحتضان صور الفساد المختلفة حيث الفاقة تؤدي بصاحبها الى اتباع كل السبل والطرق للاغتناء والعيش برخاء وبحبوحة؟
أم أن غياب سلطة القانون وضياع القيم الدينية والعشائرية مهد الطريق للكثيرين بأن يسيروا في طرق الاثراء اللامشروع ؟
ربما تكون هذه العوامل وغيرها هي من جعلت من ميسوري الحال يكذبون ويحتالون ليسرقوا لقمة الفقير المسكين وهذه الاسباب وغيرها جعلت من اصحاب المواقع الرفيعة يتفننون بسرقة اموال الشعب ويهربوها بوسائل مختلفة الى خارج العراق وضاعت الكثير من المبادئ والقيم الاخلاقية امام سطوة المال !!
يمكن ان نقول ان ثقافة الفساد المالي والسياسي والاداري اضحت تشكل جزءاً من الشخصية للعديد من العراقيين وهؤلاء لاينفكون من ممارسة اي وسيلة مشروعة أو غير مشروعة لتحقيق مآربهم الفاسدة، ولذا فأن القضاء على هذه الآفة التي بدأت تنهش أركان مجتمعنا يحتاج منا جميعاً أن نقف وقفة جادة وتوظيف المخزون القيمي والفكري والديني والاخلاقي من اجل ردع المروجين للفساد في بلادنا.
محمد الياسري
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفساد ليس بضاعه عراقيه فقط
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 8 / 31 - 15:33 )
المقاله اعلاه رصينه ومفيده ويجب علينا نحن العراقيين حيث يمر بلدنا في مرحلة انحطاط قل نظيرها ان نكثر من الكتابه ليست فقط النظريه ضد الفساد بل ومن الصروري فضح الاشخاص والمؤسسات التي تمارس الفساد ليس فقط الحكوميه
وانما حتى الاهليه وخصوصا الدينيه او ذات التسميات الاخلاقيه والتربويه بعد تاءمين احترام القانون الذي يضمن احترام كرامة الابرياء
وكان بودي ان اساهم بجدية اكبر في معالجة هذه الافه القاتله-الفساد-
ولعدم قدرتي الجسديه اود التنبيه الى ملاحظتين صغيرتين اعتقد انهما مفيدتين
ان العلامه د على الوردي ذوافضال علميه ومعرفيه كبيره علينا نحن العراقيين وبالاخص لانه رائد في الحياة الاكاديميه ويالخصوص في مجال علم الاجتماع
ولكني استميحه العذر وهو دائما بيننا ان مايسمى بازدواجية الشخصيه ليست اكتشافا عراقيا وليس الشخصيه العراقيه وحدها مصابه او تصاب بالازدواجيه
انها حاله موجوده حيثما وجد الانقسام الى ريف ومدينه بل ايضا حيثما كان الانقسام الطبقي في المجتمع وهذه الازدواجيه تبرز اكثر في المراحل الانتقاليه
الامر الثاني الصغير هو عدم شمول تعداد اشكال الفساد لاهمال الموطفين لانهاء
معاملات الناس مث

اخر الافلام

.. هكذا تغيرت حياتي بعد محاولة الانتحار في أحد سجون الأردن


.. حوار مع سيف العضو المنتدب لواحدة من أكبر شركات صناعات الأغذي




.. أوكرانيا تحصل على سلاح تكتيكي لمواجهة روسيا.. تعرف عليه


.. القوات الإسرائيلية تقتل شبانا فلسطينيين وتنكل بجثث 3 منهم في




.. غانتس: لم نتلق ردا من حماس حتى الآن