الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- صحافة قطاع خاص - في نظام أحادي ..

بدر الدين شنن

2010 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


لقد مضى نحو عشر سنوات على صدور وتطبيق قانون المطبوعات رقم ( 50 / 2001 ) ، الذي يحدد العلاقة بين الدولة وآليات نقل المعرفة على اختلاف أنواعها وماهيتها ، من الكاتب ، والمفكر ، والسياسي ، والفنان ، والناشط الحقوقي الإنساني ، إلى عين وسمع وعقل المواطن ، والذي كرس هيمنة الدولة ، بشكل أشد تعسفاً من القانون ( 35 / 1949 ) الصادر في عهد الديكتاتور حسني الزعيم ، على وسائل التعبير عن الرأي وعن الجديد في المعرفة عامة ، وذلك في مجال الصحافة ، من جرائد ومجلات ودوريات بكافة أنواعها ، السياسية ، والفنية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والرياضية ، وفي مجال شتى أنواع المجلات والكتب الأدبية والعلمية والسياسية ، وفي مجال وسائل الإعلام والإعلان ، والصوت ، والصورة ، وكافة محفزات التفكير والإبداع . وذلك بدءاً من المطبعة أو أية وسيلة طابعة أو ناسخة أو مصورة عاكسة وناقلة للفكرة والرأي والمعرفة ، مروراً بدار النشر والتوزيع ، ووصولاً إلى المكتبة أو المحلات والأكشاك ، التي تسلم منتوج تلك الآليات إلى أيدي المواطنين .

وخلال هذه المدة انتشر في البلد مصطلح " صحافة قطاع خاص " ، لمنح تجسيد القانون وصفاً واسماً ، لتغطية أكثر من مئة وخمسين ترخيص أعطيت لأشخاص من اهل النظام أو من المحسوبين عليه ، لإصدار صحف ودوريات متعددة المضامين .

وبعد إيقاف عدد من التراخيص ، بلغ أكثر من ثلثها عن الصدور ، انحصر ماتبقى منها ب ( 55 ) ترخيص لصحف ومطبوعات ثقافية وفنية واجتماعية واقتصادية وعلمية وأدب أطفال و ( 21 ) ترخيص لمطبوعات إعلانية ، و( 6 ) تراخيص فقط لصحف سياسية .

وتعزو وزارة الإعلام لجوءها إلى إلغاء هذا الكم من تراخيص الصحف والدوريات بعد مدة وجيزة على منحها ، إلى أن الصحف والدوريات التي تم توقيفها ، لم تلتزم بمواعيد الإصدار المحددة بالترخيص ، بينما يشكو أصحابها من النفقات الباهظة للإصدار وشح الموارد . وخلف ذريعة الوزارة وشكوى أصحاب هذه المطبوعات ، تكمن حقيقة لا’يصرح بها إلاّ في المجالس الخاصة . وهي أن " صحافة القطاع الخاص " تفتقد إمكانية الانتشار في المجتمع . أما الصحف والمطبوعات المدعومة جيداً من أفراد وجهات سلطوية مباشرة أو بشكل غير مباشر ، فهي تتابع الإصدار بتباطؤ وتعثر ، وما عدا استثناءات محدودة جداً مرتبطة بحجم ومصلحة كبار الداعمين ، فإنها مرشحة للإيقاف الذرائعي أو الطوعي لاحقاً . إن بدعة " صحافة قطاع خاص " ، التي اخترعها النظام ، والتي لم تكن إلاّ من أجل اختراق القطاع الشعبي الصامت العازف عن التعاطي مع صحافة الحزب الحاكم وصحافة الجهات الجبهوية التابعة له ، ولإظهار " حسن نوايا النظام " بالإصلاح ، قد وصلت إلى طريق مسدود ، وذهبت ريحها مع ذهاب ريح الإصلاح . وصدق أولئك الذين انتقدوا بشجاعة القانون وأظهروا ، بمقالات ودراسات مقارنة ، تعارضه مع الحريات العامة ، ووضعه كل من يخترق ، في مجال الكتابة والطباعة والنشر ، الخطوط الحمراء التي يحددها النظام ، وضعه تحت سيف عقوبات جزائية ومالية ، من سجن وغرامات مالية ، وحرمان من العمل ، لاحصر لها ، ولاطاقة لأحد على تحملها .

وليس رغبة في تكرار ما قيل سابقاً في القانون ، وإن كان ذلك محموداً ومطلوباً ، طالما كان العمل بالقانون جارياً ، وإنما من أجل أن نؤكد على أن هذا القانون ، لم يوضع لتنظيم عمل وانتشار الصحافة الخاصة المستقلة عن النظام ، فمثل هذه الصحافة ينبغي أن يسبقها صدور قانون ديمقراطي للأحزاب ، بل من أجل منع ظهورها الفعلي .. ومنع انتشارها ، أي لمصادرة الرأي المستقل والإبداع الحر ووأده . فنصوص هذا القانون وتطبيقاته تلغي أي توصيف للتراخيص الممنوحة لأهل النظام والمقربين منهم ، لإصدار صحف ومطبوعات ودوريات ، بأنها " صحافة قطاع خاص " . إذ أن تسمية حركة وإنتاج هذه التراخيص في مجال الرأي والمعرفة " صحافة قطاع خاص " يقصد منها الخداع ، بأن البلد يتمتع بسماح كريم لتداول الآراء المتعددة ، وسماح بالتعبير عن الاختلاف ، وحوار ديمقراطي حول هذا الاختلاف .

وليست الاعتقالات والأحكام القاسية ، التي طاولت المئات من حملة الرأي الآخر ونشطاء حقوق الإنسان ، خلال سريان القانون ، هي وحدها الدلالة على ذلك ، بل إن نصوص القانون المتعلقة بشرط الترخيص للمطابع ودور النشر والإصدار والتحرير ، وشروط ممارسة مهنة الصحافة ، وتوصيف الصحافي ، والننظام الداخلي لاتحاد الصحفيين يؤكد على ذلك .
ولعل تعريف اتحاد الصحفيين يشكل مفتاح فهم بدعة " صحافة قطاع خاص " . فاتحاد الصحفيين حسب نظامه الداخلي هو " تنظيم نقابي مهني يؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية ، ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته " . ولضمان التزام الاتحاد بأهداف الحزب وتوجيهاته " يجوز بقرار من مجلس الوزراء حل المؤتمر العام أو مجلس الاتحاد أو مكتبه في حالة انحراف أي منها عن مهامها وأهدافها . ويكون القرار غير قابل لأي طريق من طرق الطعن "" . وهذا التعريف وسلطة مجلس الوزراء الضامنة لولاء الاتحاد للنظام ، ينضم لشرط منح الترخيص في مجال " صحافة قطاع خاص " التي تخضع بدورها لحق رئيس الوزراء برفض الترخيص لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة يعود تقديرها إليه ، والتي تقضي أن يكون طالب الترخيص حاملاً بطاقة صحفية صادرة عن وزارة الإعلام ومصدقة من اتحاد الصحفيين . وأن يكون المحرر أو الكاتب في هذا المجال حاملاً بطاقة صحفية يصدرها وزير الإعلام ، تجدد في كل سنة بناء على وثيقة صادرة عن صاحب المطبوعة ، وللوزير حق سحب البطاقة إذا امتنع الصحافي عن ذكر مصدر معلوماته على مستوى وزير أو مسؤول .

وبذلك يكون قد اكتمل طوق هيمنة السلطة وملحقاتها المؤسساتية على كل جهات الإصدار والتحرير والطباعة والنشر . وحسب ما جرى تطبيقه فعلياً من مقتضيات القانون ، فإن هذه الهيمنة ، تبدأ من منح الترخيص للمطبوعة لأهل النظام أو المقربين منه ، فضلاً عن ذلك لايملك من صار صاحب الترخيص حق التعبير عن وجهة نظره حسب قناعاته ، بل إن ،" جهات خفية " هي التي توجه وتأمر بما يجب أن تسير عليه الصحيفة أو المطبوعة . وقد عبر أحد العاملين في مجال " صحافة قطاع خاص " عن ذلك بقوله " لاأحد في الإعلام السوري يعرف من هو الشخص الذي يديره ، ومن يحق له التدخل به ، ومن يعطي التحليلات السياسية ، ومن يطرد كبار المديرين بفاكس " و أن " تعامل السلطة مع الصحافة يتم تحت سقف " السماح " وهذا يرتفع وينخفض حسب الظروف " .

وفوق ذلك ، واحتياطاً من المفاجآت والاستثناءات ، فقد تضمن القانون عقوبات جزائية ومالية تعسفية مرتبطة بتفسير وتقدير أهل النظام والقضاء الموالي له . إذ يمكن تطبيقها على كل من يتمسك بحقه في التعبير عن قناعات مغايرة ، ولو نسبياً ن لما هو مسموح به ، أو ينبغي أن تطرح لمصلحة المواطن ، سواء كان ذلك ضد الفساد والمفسدين ، أو ضد إجراءات النظام الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة ، المخالفة أصلاً لنصوص في الدستور ، أو فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية .
كل الاعتقالات ، وكل الأحكام بالسجن التي شملت حملة الرأي ، جاءت من نصوص هذا القانون المتعلقة بما يسميه هذا القانون ، الأمن الوطني ، ووحدة المجتمع ، ونقل أخبار غيرصحيحة ، تعكير الصلات الدولية ، أو تنال من هيبة الدولة أو تمس كرامتها ، أو تمس الوحدة الوطنية ، أو تلحق أضراراً بالاقتصاد الوطني وسلامة النقد .

وبعد مقاربة سريعة لأهداف القانون ( 50 / 2001 ) عند إصداره ، وتجلياته عبر سنوات من الممارسة ، لم يعد هناك مجال للنقاش ، أن ما ظهر من صحافة ومطبوعات جديدة ، هي آلية من آليات النظام ، توخى من اخترعها فيما توخى ، أن تنجح حيث فشلت الصحافة الحزبية الرسمية والجبهوية في تحقيقه ، ما يفرض سحب مصطلح " صحافة قطاع خاص " من التداول . وبالمجمل فإن القانون ( 50 / 2001 ) هو تجسيد للنظام الأحادي في قطاع الإعلام ، وترجمة لماهية ولاية حزب البعث الحاكم على الدولة والمجتمع . وهذا ما يتعارض مع إعلام تعددي " خاص " بل وينفيه . وفي مثل إعلام محكوم بشروط هذا القانون ، لايمكن للصحف والمطبوعات " الخاصة " أن تتعامل باستقلالية ، ولو نسبياً ، مع الهموم الوطنية والديمقراطية والشعبية ، التي وجدت وتنمو مع وجود واستمرار النظام . ومثل هكذا صحافة ممنوع عليها ولاتجرؤ ، أن تراقب ، وتتحدث ، وتفضح ، ما يجري من انتهاك لحقوق المواطن وحرياته ومن تلاعب بقوته ومقومات معيشته . ومصير " الدومري " بعد سنة على إصدارها معروف . كما أن تلفزيون " الشام " قد أوقف عن العمل بعد ثلاثة أيام على بدء عمله ، لأن " الدومري " تناولت بعض الهموم الديمقراطية والشعبية وبعض ملامح الفساد ، ولأن " الشام " قد تناول أخبار اعتقالات في صفوف المعارضة ، ما يشكل بحق خلفية العزوف الشعبي عن التعاطي معها .

بعد سنوات قليلة على إصدار القانون ، ومع تطبيقا ت اقتصاد السوق الليبرالي ، تحول القانون من " قمقم " لاحتواء الرأي والصحافة ، لضمان الاستقرار السياسي للنظام ، تحول إلى معوق للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي عزم النظام على القيام بها ، وإلى مؤشر على عدم جدية إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي . فاقتصاد السوق الليبرالي لايتطلب فقط إجراءات مطابقة للمصالح البرجوازية الاقتصادية ، بل يتطلب وسائل إعلامية .. صحافية .. تعبر عن واقع ومتطلبات وتطلعات مفاعيل تلك المصالح ، حيث أصبح القانون لايمثل تعارضاً مع حرية الرأي بعامة وحسب ، بل تعارضاً مع حرية اقتصاد السوق الليبرالي ، ويشكل عائقاً لمواصلة البحث عن رساميل واستثمارات محلية وخارجية .

ومن ذلك برزت معادلة يصعب على النظام حلها . فهو بحاجة إلى صحافة ومطبوعات تعمل بشروط وأحكام القانون ( 50 / 2001 ) الذي يغطي جزءاً هاماً من منظومة حكمه الأحادي . وهو بحاجة في الوقت عينه لمتابعة إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي ، الذي يتطلب التعددية الاقتصادية والإعلامية . وصعوبة الحل ، تكمن في أن النظام من خلال تمسكه بالأحادية في الحكم يريد أن ينجز إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي بعيداً عن تلك التعددية التي يرى فيها تهديداً لاستمراره وأحاديته . ما ينعكس على واقع الإعلام ، ولاسيما " صحافة القطاع الخاص " فشلاً وعزلة عن الشعب ، كما ينعكس بعداً عن قيم الصحافة كسلطة رابعة ، كما في المجتمعات المتمدنة المتطورة .

وإذا كان استمرار الصحافة ينبع من العلاقة الإيجابية بين الكاتب والقاريء ، أي بين الصحيفة ، كمرآة للمصالح الوطنية والديمقراطية والشعبية ، وبين القاريء الذي يبحث عن منبر لصوته وأشجانه والتعبيرعن تطلعاته ، فإن مصير ما سمي ب " صحافة قطاع خاص " ، التي جاء بها القانون ( 50 / 2001 ) مفصلة حسب مصالح النظام الأحادي ، هو انعدام الوزن الصحافي القيمي .. وانعدام الانتشارالشعبي .. وانعدام سبل الاستمرار مالياً وأخلاقياً وسياسياً ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر