الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد من السينما التسجيلية والقصيرة المصرية:حركة في ذات المكان

محمود عبد الرحيم

2010 / 9 / 1
الادب والفن


*محمود عبد الرحيم:
يعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بمثابة محطة مهمة في مسار السينما التسجيلية والروائية القصيرة في مصر، خاصة الخمس سنوات الأخيرة، وما شهدته من مبادرات، ساهمت في فتح الباب واسعا أمام كثير من الشباب، للدخول إلى عالم الفن السابع بيسر، دون الحاجة إلى الدراسة الأكاديمية، التى لا تتوافر، إلا لأعداد محدودة، وذلك في إطار موجة السينما المستقلة، والدور، الذي لعبته في تشجيع الشباب، على خوض غمار صنع فيلم بتكلفة محدودة، والتعلم من خلال التجربة والخطأ، في ظل تحمس مؤسسات خاصة عديدة لهذه الموجة، والإسهام في دعمها بقوة، سواء ماديا أو فنيا، ك"سيمات"، و"مدرسة سينما الجزويت"، و"أكاديمية الميهي"،على نحو خاص، وذلك جنبا إلى جنب، مع مشاريع تخرج شباب معهد السينما، و التجارب، التي يمولها المركز القومي للسينما، وبعض المراكز الثقافة الأجنبية، وعلى خلفية التطور التقني الرقمي في التصوير والمونتاج، بإمكانياته الهائلة، الأكثر يسرا، والأقل كلفة.
ولعل قيمة هذه الموجة تتجلى، في كونها كسرت الجمود، بدرجة ما، في الوسط السينمائي، وضخت دماء جديدة في عروقه، وزادت من حجم إنتاج الفيلم التسجيلي والروائي القصير بصورة ملموسة، والأهم من ذلك، أنها زادت بقوة من تواجد العنصر النسائي إخراجيا، على نحو غير مسبوق.
ربما يكون مخرجو الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية الآن أكثر حظا، من الأجيال السابقة، وإن كانت لاتزال بعض الإشكاليات الموروثة قائمة، دون حل، أو تصورات واضحة لحلول.
فالجيل الحالي محظوظ نسبيا، لوجود زخم كبير في العروض، لم تكن متوافرة للجيل السابق، بفضل النشاط الكبير للمراكز الثقافية الأجنبية سينمائيا، التى يبدو أنها حرضت مؤسسات مصرية رسمية، وغير رسمية على تدشين مهرجانات، وعروض للأفلام القصيرة والتسجيلية، بحيث صار بالإمكان عرض فيلم أي وافد جديد إلى السينما، ما يزيد من 5 مرات على مدار العام.
فلم تعد الفرصة متاحة فقط في نوافذ محدودة، ، كمهرجان الأسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة ، أو في المهرجان القومي للسينما الذي صار يعطي أهمية لها، أو على هامش مهرجان الاسكندرية، أو القاهرة السينمائي، وأنما صارت ثمة نوافذ أخرى، كساقية الصاوي، التي دخلت حلبة تنظم مهرجان سنوي للأفلام القصيرة، إلى جانب العروض المتتالية، على مدار العام بمركز الإبداع الفني التابع لصندوق التنمية الثقافية، وعروض كل من جمعية النقاد، والتسجيليين، ومركز الثقافة السينمائية، فضلا عن مهرجان معهد جوته للسينما المستقلة، وعروضه العديدة المنفصلة، بالتجاور مع أفلام عربية أو ألمانية، ومهرجان "كارافان السينما العربية والأوروبية"، ومهرجان" سينما المرأة العربية واللاتنية"، إلى جانب فعاليات حديثة مثل مهرجان" التكعيبة للسينما القصيرة"، ومهرجان أفلام اللاجئين ، ومهرجان "سينما حقوق الإنسان"، ومهرجان "الصورة" الذي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي ، إلى جوار عروض فردية من وقت لآخر على مدار العام.
وإن كانت حدثت إنفراجة في العروض، إلا أن الفيلم القصير والتسجيلي، لا يزال يعاني من مشكلتين رئيسيتين، أولهما صعوبة التمويل، الذي إن لم يتوافر من وزارة الثقافة، أو من جهة تمويل أجنبية، لعدد محدود من المخرجين، يجد المرء نفسه في مأزق، إما أن يمول من ماله الخاص فيلما، لن يعود عليه بربح، يغطي على الأقل تكلفة إنتاجه، أو ينتظر لسنوات بلا عمل.
والمشكلة الأصعب، والمرتبطة بشكل ما بأزمة التمويل، تتمثل في غياب الشعبية، الناتجة بشكل رئيس من إحجام شركات التوزيع، عن كسر نمط المشاهدة، وإستسهال العروض الطويلة النمطية، ذات الجماهيرية القائمة على الرهان على نجوم الشباك حاصدى، وجالبي الملايين.
ما جعل السينما التسجيلية والقصيرة تعاني حصارا تاريخيا، وتدور في دائرة المشاهدة الضيقة من جمهور خاص، غالبا من المهتم بالسينما، أو الذي علي إتصال مباشر بها، كصناعها، أو بعض النقاد والصحفيين.
الأمر الذي يصيب كثير من المخرجين بالإحباط، ويجعلهم يعزفون عن هذه القوالب، والإتجاه سريعا بعد عمل، أو اثنين على أقصى تقدير، إلى السينما التجارية ، بإعتبار أن السينما القصيرة، ليست إلا بوابة للولوج إلى عالم الأفلام الروائية الطويلة، وأنها ليست سوى تجريب و تدريب على إستيعاب التقنيات الإخراجية، وإكتساب قدر من الخبرة، تؤهله أو تمنحه رخصة لقيادة عمل أكبر، بميزانيات أضخم، وبقواعد أكثرحرفية، بمعايير السوق، فيما المخرجون التسجيليون يركزون إما على العمل ببعض القنوات الفضائية، أو إنجاز أعمال يسهل تسويقها في هذه النوافذ المربحة.
وربما عدم إخلاص كثير من المخرجين لهذه القوالب السينمائية، وراء فقدان الثقة بينهم وبين الجمهور، الذي ينظر إليهم على أنهم شباب مبتدئون، يقومون بأعمال هزيلة، أو غريبة، وغير مفهومة، ما إن يكتسبوا الحرفة، والخبرة، حتي يغادرون هذا المكان لمكان أخر، أكثر رحابة وربحية وشهرة.
وربما - أحيانا - لغياب رؤية لدى كثيرين من المخرجين الشباب، أو موهبة حقيقية، وقلة الجيد من المعروض على كثرته، فضلا عن ضعف الدعاية لمثل هذه النوعية من العروض، وعزوف الإعلام والنقاد بشكل خاص، عن متابعة، وتقيم هذه التجارب، وتسليط الأضواء على الجيد منها، بالإضافة إلى غياب التنظيم الجيد في المهرجانات، وغلبة المجاملات في الإختيارات والجوائر، وسيادة ثقافة الكم على الكيف.
فكل هذه العوامل- بلا شك - كفيلة بإضعاف وضعية السينما التسجيلية والقصيرة، مقارنة بالسينما الطويلة، وبقصر هذا القالب السينمائي، خاصة القصير، على المبتدئين، الذين لا يستطيعون، دون وجود دعم من مؤسسة ثقافية محلية أو أجنبية، أن ينتجوا أعمالا، فيتوقفون بعد عمل أو أثنين، ويذهبون إما للسينما الطويلة، إذا كانوا محظوظين، ولهم علاقات مع شركات إنتاج، أو العمل بمجال الإعلانات التجارية، وأغاني الفيديو كليب، أو الإعتزال مبكرا.
ربما الحل في رأيي، لهذه المعضلة يأتي من الشباب أنفسهم، في ظل ضعف الدور الحكومي في دعم حقيقي وبارز لهذه القوالب السينمائية، وتخوف الموزعين، وأصحاب دور العرض السينمائية الكبرى، من خوض مغامرة
عمل عروض تجارية للسينما التسجيلية والقصيرة، وذلك عبر مبادرة ذاتية تنهض على تكوين كيان يتجمعون تحت لوائه، يساهم في الإشراف على إنتاج مشاريع أفلام ذات قيمة، وذات جودة عالية فكريا وفنيا، مع تأجير أوقات بقاعات العرض المختلفة، أو إنشاء قاعة خاصة بهم، وبدء حملة ترويج واسعة لهذا المشروع، خاصة في أوساط الشباب، الذي سيعتاد تدريجيا على مثل هذه العروض، وسيقبل عليها، إقتناعا أو إلحاحا، مثلما يقبل على عروض الأفلام الروائية الطويلة.
وربما هذا الكيان، الذي لا يهم ، أن يُسمى إتحادا، أو رابطة، يمكنه مع الوقت، أن يتفاوض مع موزعين كبار، ودور عرض تجارية، ويقنعهم بالفكرة، وإمكانية نجاحها، وربحيتها غير المستحيلة.
ولو بتنظيم عروض قصيرة، تسبق العرض الطويل مرحليا، إلى أن يعتاد الجمهور عليها وحدها، ويكون مهيئا للذهاب إليها خصيصا.
وحينها سيمثل ذلك نقلة نوعية في مصير السينما التسجيلية والروائية القصيرة، وسيتيح فرص لألاف المخرجين الشباب لممارسة فنه، والوصول إلى جمهور عريض، وربما يسهم العرض التليفزيوني الواسع لمثل هذه القوالب، وشراء مثل هذه الأفلام، فضلا عن تخصيص برامج تهتم بإبرازها، بالإضافة إلى الحركة النقدية النشطة، ودور كل منهم في خلق ذائقة جديدة لدى الجمهور العام، تساهم في إتساع دائرة المشاهدة، وإعطاء الزخم اللازم، لجماهيرية مفقودة ومرغوبة.

*كاتب وناقد مصري
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-