الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاوضات واشنطن وبوسطة ناجي العلي

فواز طرابلسي

2010 / 9 / 1
بوابة التمدن


يجمع العدد الأكبر من المحللين والمعلقين إضافة إلى السياسيين والدبلوماسيين على أن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي تفتتح غداً في واشنطن، حظوظها من النجاح تداني الصفر.
نادراً ما التقى مفاوضان يفصل بينهما هذا المقدار من الاختلال في عناصر القوة والإمكانات والدعم وهوامش المناورة.
من جهة، سلطة فلسطينية ضعيفة الصفة التمثيلية يفاوض باسمها رئيسها المنتهية ولايته والخاسر في الانتخابات النيابية الأخيرة التي فازت بها حركة «حماس» غير الممثلة في المفاوضات، ولا قطاع غزة الذي تحكمه بالمليون ونصف المليون من سكانه. غادر محمود عباس إلى واشنطن تعارضه ثلاثة تنظيمات حليفة للسلطة (الجبهتان الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب) تضاف إليها تنظيمات «جبهة الرفض» في دمشق. ويأتي عباس إلى المفاوضات امتثالاً لما يشبه الأمر من الرئيس أوباما والتهديد بقطع المساعدات المالية للسلطة (مليار ومائتي مليون دولار لتشغيل إدارة من 160 ألفاً من الموظفين) وتشجيع حاكمي مصر والأردن. وقد فرض على عباس اختزال مسألة التفاوض بموضوع الاستيطان الذي رفض التفاوض أول الأمر إلا إذا توقف الاستيطان في الضفة والقدس. لم يتوقف الاستيطان في القدس واستمر الاستيطان في الضفة الغربية، في ظل قرار التجميد الجزئي والمؤقت، ومع ذلك، قبل عباس بالمفاوضات غير المباشرة. ثم تعهّد رئيس السلطة الفلسطينية بأنه لن ينتقل إلى المفاوضات المباشرة إلا إذا حصل تقدم في المفاوضات غير المباشرة. لم يحصل أي تقدم، حسب اعترافه، ومع ذلك وافق على افتتاح المفاوضات المباشرة.
في المقابل، يصل بنيامين نتنياهو واشنطن مزوداً بثقة الرئيس الأميركي بأنه سوف «يجازف من أجل السلام» بعدما غضّ الرئيس الأميركي النظر عن تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي طلبه بالتجميد الكامل للاستيطان، ومعززاً بشبه إجماع من الطبقة السياسية الإسرائيلية. فحزب العمل، برئاسة إيهود باراك، لا يريد أكثر بكثير من تثبيت مبدأ التفاوض والتأكّد من فشل المفاوضات في آن معاً، وأقصى اليمين يقدّم ما يكفي من التطرف لدعم تصلّب نتنياهو اللامتناهي.
ومع أن هيلاري كلينتون أعلنت أن المفاوضات تنعقد من دون شروط مسبقة، وامتنعت اللجنة الرباعية عن تحديد موقف من تمديد تجميد البناء في المستوطنات، لم يصدر عن الطرف الإسرائيلي أي تعهّد بتمديد فترة التجميد الجزئي للاستيطان في الضفة الغربية الذي يطالب به الوفد الفلسطيني.
إلى هذا يجاهر نتنياهو بشروطه: الاعتراف بإسرائيل بما هي دولة يهودية، بما يقضي على حق العودة ويفتح الباب واسعاً أمام أنواع التهجير لعرب الـ48؛ إنهاء النزاع وليس مجرد وقف الحرب؛ والترتيبات الأمنية. هذا يعني رفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران واعتماد المرجعية الدولية والاعتراف بالقدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية، ناهيك عن كونها عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة. هكذا سوف يجري التفاوض على 42 في المئة من أرض الضفة الغربية عليها نصف مليون مستوطن إسرائيلي، منهوبة المياه، يقضم منها الجدار العازل الأرض والزرع، ويجري تدريب شرطتها على حماية أمن إسرائيل. وتشمل الترتيبات الأمنية الإضافية تأمين الوجود العسكري الإسرائيلي في أغوار الأردن بحجة جديدة يطرحها نتنياهو أنه لا يجوز وضع الأغوار «تحت سيطرة الفلسطينيين»، بعد الانسحاب الأميركي من العراق.
تكتيك نتنياهو واضح: التفاوض من أجل التفاوض. وخلال ذلك فرض المزيد والمزيد من عناصر الأمر الواقع «على الأرض». يمكن القول إن الرئيس عباس يفاوض هو أيضاً من أجل أن يفاوض منعاً لإغضاب الإدارة الأميركية. غير أنه وضع نفسه في الزاوية، إذ هدّد بمغادرة المفاوضات إذا لم يمدّد قرار تجميد الاستيطان بعد انتهاء المهلة في 26 أيلول الجاري. وقد تبيّن ليس فقط أن البناء استمر في ظل التجميد خلال الأشهر العشرة الأخيرة وإنما أن عدد المستوطنين زاد عشرة آلاف مستوطن على ما صرّح الوزير بيني بيغن.
ماذا لو فشلت المفاوضات لعدم إمكانية الاتفاق حتى على موضوع الاستيطان والحدود والأمن؟
حقيقة الأمر أن المفاوضات قائمة كي تستمر إن لم نقل كي لا تفشل. لأن الرئيس الأميركي بحاجة إليها في الانتخابات المقبلة التي سوف تقرّر مصير ولايته الثانية مصداقاً على تنفيذه تعهداته في السياسة الخارجية: الانسحاب من العراق والسلام العربي الإسرائيلي. فمَن هو الطرف الذي سوف يقدّم التنازلات في هذه الحالة؟
كم يذكّر الوضع العربي بالبوسطة ذات الطبقتين في كاريكاتور شهير للمرحوم ناجي العلي الذي نحتفل هذه الأيام بذكراه!
في الطبقة السفلى يجلس ركاب في اتجاه سير البوسطة. هؤلاء هم «جبهة القبول». وفي الطبقة الثانية ركاب «جبهة الرفض» يجلسون بعكس اتجاه سير البوسطة! منذ غياب ناجي، تغيّر اسم الأفرقاء الفلسطينيين والعرب. صار الأولون يسمّون «المعتدلين» والثانون «الممانعين». ونزل من البوسطة ركاب وصعد ركاب. لكن «بوسطة الحل السلمي» لم تزل من طبقتين مع أنها طُليت بألوان جديدة وعمدت «بوسطة مبادرة السلام العربية». وربما تغيّر السائق أو تعدّد السوّاق. والمشكلة أن الركاب، على تعاكس جلساتهم في البوسطة، يشتركون في ما بينهم بوهم حاجة إسرائيل إلى السلام. يضاعف منه وهم أكبر هو أن أميركا بحاجة للسلام من أجل «تأمين خطوط الإمداد بالنفط» في الخليج. علماً أن أميركا تحمّلت ثماني سنوات من الحرب بين بلدين نفطيين ـ إيران والعراق ـ أعقبتها حرب الخليج الأولى ثم حرب الخليج الثانية ـ احتلال العراق ـ وخطوط إمداد النفط سالكة وآمنة.
تناسى «المعتدلون» أن الذي يعطي السلام هو مَن يملك القدرة على الحرب. وهو درس تعلّمه «المعتدلون» أقلاً. ولكن تناسى «الممانعون» أن الحلول الثنائية قد شرّعت الانفكاك المتبادل بين الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والصراع العربي ـ الإسرائيلي، ما يضعف الطرفين معاً. وتحوّلت اتفاقيتا كامب ديفيد ووادي عربة إلى عناصر ضغط على المفاوض الفلسطيني لتقديم المزيد والمزيد من التنازلات. وتحوّل الانفراد الفلسطيني في اتفاقية أوسلو ليس فقط إلى شرعنة الانفراد المصري والأردني وإنما سوغ لعرب النفط تقديم التنازلات في مجالات التطبيع مع إسرائيل وأولوية التطبيع العربي هي الوسيلة التي بها نسفت الإدارة الأميركية معادلة الانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 1967 مقابل التطبيع الشامل. وتتم تلك التنازلات كلها بحجة «ما دام القاضي (الفلسطيني) راضي». فيما العقيد القذافي مشغول بالدعوة إلى أسلمة أوروبا بتوزيع القرآن على الصبايا الإيطاليات!
يذكّرنا كاريكاتور ناجي العلي بأن البوسطة معطلة والطريق غير موجودة وبأن المطلوب «تغيير قواعد الاشتباك».
[email protected]


السفير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال