الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي نفتقد؟

عبدالكريم كاصد

2010 / 9 / 1
الادب والفن




*هذا النص هو إجابة عن سؤال الملف الذي أعدّه الشاعر إبراهيم اليوسف لجريدة الخليج: لماذا لا ينخرط المثقفون العرب في القضايا والأحداث العالمية، مثلاً من كتب عن ساراماغو الذي زار فلسطين أثناء حصارها والتقى عرفات وهل تصادت تسونامي في كتاباتنا؟.


أشكّ أن المثقفين العرب معزولون عن العالم تماماً، ويبدو لي أن السؤال الأهم هو: هل إن المثقفين العرب منخرطون في قضايا مجتمعهم وأحداثه كما ينبغي؟ وإذا ما بقينا في حدود السؤال المطروح، بصيغته العامة، فإنّ اللوم لا يلقى على المثقفين العرب، بل على الإعلام الفلسطيني، إعلام عرفات، لعدم قدرته على استيعاب الحدث وتغطيته، وهو المعنيّ به أولا والمعايش له ثانيا، لاسيما أن ساراماغو ومن شهدوا الحصار معروفون في العالم العربي من خلال ترجمة أغلب أعمالهم إلى لغتنا (ومن قام بالترجمة هم مثقفون عرب أيضا). ولعلّ اللوم يبدو أشدّ إذا ما علمنا أن هذا الإعلام، بإلاضافة إلى صفته المهنية المعروفة باعتباره مؤسسة ضخمة تضم موظفين واختصاصيين وبرامج كأيّ إعلام رسميّ موجّه، يضم أيضا مثقفين فلسطينيين معروفين بإبداعهم وقدراتهم التي هي ليست موضع شك على الإطلاق، فأين الخلل؟ أما تسونامي فلا أدري ما المقصود بالسؤال هل التغطية الإعلامية أم المقصود هو توفر النصوص الإبداعية على مستوى هذا الحدث المأساة. وأنا بدوري أسال أيضاً: هل تمة نصوص إبداعية عن هذه الماساة الرهيبة في آداب العالم لم نطلع عليها؟
مع ذلك فالسؤال رغم ما يثيرهُ من أسئلة جانبية عديدة، يظلّ قائماً لأنه يطرح مسألة ذات بعد إنساني تتجاوز السؤال ذاته إلى ما هو أعمق من مواقف إنسانية في الإعلام والأدب معاً.
ما يستوقفني في الإعلام العربيّ هو افتقاده النزعة الفردية الإبداعية وغلبة الصفة الدعائية على مجمل نشاطاته، وهذه غالباً ما تكون ذات طابع سياسيّ ضيق مشحون بأوهامه وصراعاته، مما يحجب عنه الواقع الحقيقيّ .. أيّ واقع كان . إنه إعلام عام لا يشغله الحدث بقدر ما يشغله موقفه من الحدث وانعكاسات هذا الحدث على مساره وتوجهاته، أي بعبارة أخرى إعلام مؤسساتي مشوّه. وما يثير الحيرة في هذا الإعلام إنه يكاد يكون موحّداً في مصالحه، رغم اختلاف أنظمته المتصارعة حدّ الاحتراب أحياناً، وفي وحدته هذه ثمة تيقظ وقدرة على الصمت بالإجماع في مواقف لا تتطلب الإجماع على الإطلاق، كالصمت مثلاً على منح دكتاتور جائزة إلى مفكر محسوب على الفكر الليبرالي وقبول هذا بالجائزة، لأن الدكتاتور والمفكر في موقعين رسميين يمكن الاستفادة منهما مستقبلاً. كيف تأتى للإعلام أن يتفق في ما لا يمكن الاتفاق عليه عبر الصمت وليس التصويت، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق حتى في أشدّ الجبهات السياسية رسوخاً؟ كيف تأتى لسوريالي أن يكون مسؤولاً في موقع تقليديّ، وتقليديّ أن يكون مسؤولاً في موقع سوريالي؟ كيف تأتى لهذه الأنظمة المتخلفة أن تكون أكثر المتحمسين للحداثة وكتابها؟ ما الذي يجمع هذه المفارقات؟ ما الموقف الذي يمكن أن يتّخذه الأدب ممثلا بمبدعيه وسط هذا اللهاث اليوميّ للإعلام الرسمي ؟ الصمت؟ الابتعاد؟ الانخراط على حدّ تعبيرك؟ المراوحة؟ ما الذي يفعله الأدب وسط إعلام مشغول بأعلامه، وجوائزه، ومسؤوليه القادرين على سرد منجزاتهم بقدرة مذهلة لعلها هي إنجازهم الوحيد. إن بمستطاع وزير ثقافة في بلدٍ كالعراق أن يتحدّث ساعة أو أكثر، بأكوام من الأخطاء النحوية، عن انجازات لا وجود لها وفي جمهور أدرى منه بالوضع الثقافيّ . في ظرف كهذا كيف ينخرط الأدب إن لم يكن إعلاماً هوأيضاً، لاسيما أن منتجيه، في أغلبهم، هم من داخل هذا الوسط الإعلامي أو من القريبين منه الخاضعين لضروراته اليومية الملحة.
نادرون أولئك الذي يستطيعون أن يحققوا استقلالهم بعيداً عن الإعلام الراهن وقد لا يكون هذا الاستقلال غير مصحوب بأزمات نفسية ومادية لها أعمق الأثر في نفوس أصحابها.
إنّ المطالبة بالنزعة الإنسانية والانخراط هي مطالبة مستحيلة فهذان، النزعة والانخراط، لا يتحققان، على مستوى المؤسسة أو الفرد، من خلال المناشدة وإنما من خلال عوامل عديدة سياسية واجتماعية وثقافية وموروث ايضاً، وقد أذهب بعيدا لاقول إن النزعة الإنسانية تكاد تكون مفقودة حتى في أكثر فنوننا الأدبية استقلالا: الشعر. فمنذ المتنبي أبرز القدامى (أنا الذي نظر الأعمى ..) إلى إدونيس ابرز المحدثين (وأنصّب نفسي ملكاً للرياح ...ما حيا كلّ حكمة.. وأنا الذي نبذته كلّ قبيلة ) ونحن نردح بالأنا شمالاً ويميناً ... البلاغة البلاغة آه سيدتي البلاغة حتى لدى شعرائنا كتاب قصيدة النثر المتفاصحين بعيداً عن ذواتهم والواقع ..أين نجد النزعة الإنسانية؟ وصار شرف الشعر ألا يكون منخرطاً؟ وما انخرط منه لم يكن غير إعلام بائس. أين نجد الشعر إذن؟ ومشاهد الحياة وما يتخلل كلّ ذلك من نزعة إنسانية تقرب الإنسان إلى الإنسان، والشعر من اللاشعر، والإعلام مما هو أدب حق؟
ثقافة في مأزق، ووضع سياسي في مأزق أشدّ والمثقف الحقيقيّ لا يجد نفسه في الاثنين إلا في علاقة عابرة هامشية هي النشر، إذا توفر النشر، ولعلّ الجوائر هي آخر مظهر من مظاهرهذه الفضيحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعالوا الى العراق لتصلحوا حاله
علي الانباري ( 2010 / 9 / 2 - 05:30 )
اذا لم تكن راضيا عن وضع الثقافة في العراق
وتتهم وزير الثقافة باغلاطه النحوية
فمالك لا تاتي يا سيد عبد الكريم
وتشارك في صنع حياة ثقافية جديدة في العراق
هل تخاف الموت اذا جئت الى العراق وعشت فيه
ام ان العراق اصبح مجالا لاحاديثكم
وتزايدون على ابنائه المكتوين بنار الحروب
والمجاعات
اخي وحبيبي عبد الكريم كاصد
كنتم تقولون انكم تركتم العراق بسبب الطاغية صدام ونظامه
وقد ذهب الطاغية وجاء نظام ديمقراطي اخر موديل
وعلى الطراز الامريكي فهل حجة للبقاء متفرجين
ارجو ان لا اكون قد مسست مشاعر من يقفون متفرجين على تل عال
الى بلد تعيس ابن تعيس اسمه العراق


2 - الحقيقة مطرقة ثقيلة وسندان الخشب لايحتمل طرقاتها..
هشام الحمداني ( 2012 / 9 / 21 - 20:10 )
الحقيقة مطرقة ثقيلة وسندان الخشب لايحتمل طرقاتها ...تحية وأحترام لكل حرف من حروف

مقالتك الصادقة والمسؤولة في نفس الوقت والداعية الى سلطت أدب لا لأدب السلطة
حقيقتا نحن محتاجون لهكذا نقد وتقويم في هذة الايام العصيبة ونطلب منك المزيد من نور آرائك

القيمة لتنور مساحة من مساحات افكارنا مع المحبة الدائمة وامنيات بالنجاح والابداع المستمر

اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي