الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الطفولة المقهورة

عبدالقادر حميدة

2004 / 9 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


محمد شكري في الخبز الحافي :
سيرة الطفولة المقهورة

قتل أباه ، و فضح خبايا الزوايا في مدينة مشاعة ، تحكمها قوات متعددة الجنسيات ، موانئ تعج بحركة الجنود الذين يرطنون بمختلف اللغات ، سفن حربية و أخرى مدنية ، باع على أطراف هذه المرافئ السلع المهربة ، من ساعات و سجائر و ألبسة نسوية ، و قاد بعضهم إلى الأحياء السفلية ، مقابل بعض النقود ، ثم هو يوضح بعد ذلك بأنه لم يقدهم إلى المغربيات قط .. لغة حكي بسيطة ، تقبض على الأشياء الظاهرة بطريقة آسرة ، ربما لم يستسغها سهيل إدريس صاحب الآداب في البداية و أرسل لكاتبنا طالبا منه تغيير أسلوب و لغته حتى تتسنى له طباعته ، لكنه حين رأى أن ذلك الكتاب قد ترجم لأكثر من عشرين لغة ، بداية من اللغة الفرنسية على يد الطاهر بن جلون ..استساغ ذلك و قرأ الكتاب بعيون أخرى .. كتابنا هذا كسر كل الطابوهات حينها ، و كان وثيقة تأريخية هامة ، إضافة إلى كونه عملا أدبيا مميزا ، و فاقت شهرته كل التوقعات ، ربما كان لابن الصباغ المغربي الفضل في ميلاد هذا الكتاب ، حين اقتنع كاتبنا على يديه بأن كتابة الروايات و القصص أمر ممكن ، و ربما كان لجان جنتيه و بول باولز دورهما في صناعة مشهد هذا الكتاب و أجوائه ، لكن كل ذلك لا يلغي دور الكاتب الذي عاش كل المراحل التي حكاها ، بل لا يلغي دور السيرة الذاتية في تأريخ الأحداث ، و كتابة التاريخ غير الرسمي ، تاريخ المقهورين و المهمشين ، و الذين صنعوا بكواهلهم جل الأحداث و لم يتذكرهم أحد ، جرأة الكاتب لم يستسغها البعض لكنها صارت مذهبا في الكتابة ، و التأريخ و مرجعا سرديا و أدبيا ، و غير غريب أن شهرة هذا الكتاب قضت على كل كتبه الأخرى ، رغم جزمه بأن بقية أعماله أكثر نضجا و حبكة ، ربما هذا يشبه ما حدث مع ماركيز في ( مائة عام من العزلة ) ..ثم هو يرى على الرغم من ذلك أنه لم يستطع أن يكون روائي المدينة التي اشتهر بها و اشتهرت به ، مثل الكتاب العالميين الذين كانوا لمدنهم ، سواء كانت واقعية أو متخيلة ، لأن ذلك حسبه يحتاج إلى أكثر من عمل و إلى نظرة عميقة ، و أن ما كتب عن مدينته –
حسب الحوار الذي أجراه معه كل من يحي بن الوليد و الزبير بن بوشتي - لا يعدو أن يكون مجرد إرهاصات حاولت لم شتات الذاكرة في محاولات شتى ، سواء ما كتبه هو أو كتبه عنها كتاب زاروها ، أو أقاموا فيها من الأجانب ، مثل وليام بواروز في روايته ( الغداء العاري ) ، و باولز في روايته ( دعه يسقط ) ، و من المغاربة محمد برادة في روايته الضوء الهارب ، أو غيرها ..كما يضيف في أكثر من مناسبة بأنه لا يجب أن يتعامل معه كظاهرة تعلم القراءة و الكتابة متأخرا ، و استطاع أن يبهر العالم برواية مميزة ، فهي ليست ( الروض العاطر ) و لا ( إرجاع الشيخ إلى صباه ) ، و هي ليست ( شرق عدن ) و لا ( في مديح زوجة الأب ) .. بل هي ( الخبز الحافي ) .. الرواية التي منعت زمنا طويلا في المغرب و في مصر أيضا .. و زادها المنع شهرة و زاد القراء رغبة .. الرواية التي يقرأها البعض مستترا و البعض علانية .. الرواية التي نالت من الشهرة ما لم تنله رواية عربية .. و الكاتب ليس أحدا سوى الراحل عنا في بحر العام الماضي محمد شكري .. أما المدينة فليست الغرب الواسع ، الفضفاض ، الأنثى كما في ( عصفور من الشرق ) .. و ليست ماكوندو المتخيلة في مائة عام من العزلة .. بل هي طنجة المغربية ..
و يمكن أن نضيف الآن بعد أن كشفنا هوية الكاتب الذي نتذكره اليوم و الكتاب و المدينة ، بأنه يروي سيرة طفولة مغتالة ، بفعل ظروف مرت بها المنطقة في العهد الاستعماري ، تروي سيرة الجوع ، و الخوف ، و الفوضى و اللاقانون ، سيرة حرمان ، و محاولة مهووس بالموت للفرار منه .. كما حدث مع الكتاب الكبار جميعا ..

عبدالقادر حميدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟