الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابة للنسيان

علي شايع

2010 / 9 / 3
الادب والفن


ما أبلغ ألم الشاعر الفذّ بورخيس القائل “ الصحفي يكتب للنسيان”.. وأقول: لا ضير، بالطبع، ما دام النسيان يطوي كل شيء في النهاية.
إذن.. لنعش لحظة الكتابة، نعش يومها، ولتذهب غداً إلى النسيان. وكم كان منصفاً، الآسف، على ملايين الصفحات المطوية يومياً.صفحات تتقاذفها الريح، وتعابثها أوحال الطرقات، تتشظى في الشوارع وتختلط بالخطوات والأقدار والمصائر.. يعزّي خلالها الكاتب الصحفي حاله بحال تكرار مصائر من سبقوه، والآتين من بعد.. بمثل هذا التأمل سيعيش الكاتب هاجسه الشخصي، هاجس قول شيء لا يرسخ، ويترك في المطّلعين صلّة عاجلة.

نعم، ثمة كتابة تذهب سريعاً إلى النسيان!، تمضي طيّ لحظتها العابرة، ولعلّ من لا يرى فيها أسفه الإنساني؛ على مضي الزمن؛ ليصبح كلمات ..كلمات كانت قديماً تطبع في الورق وتبقى قيد التداول في رحابة بيت تدور فيه الصحيفة، كل يقتطف منها ما يحتاجه، لكنها تذهب للنسيان لأنها كتابة صحفية، تترك مع كلّ فجر، حيزاً لكتابة أخرى، ستشاركها محنة النسيان ذاتها.كتابة تغلّف بأوراقها اليومية بضائع الباعة.

بالمقابل، تبقى هيبة النسيان، وهواجس الكتابةِ والغاية منها، مسألة نسبية. فأي كاتب سيكون ملزماً بالضرورة للإجابة عن استفهام شبيه بسؤال الشاعر الألماني ريلكه في كتابه رسائل.. إلى شاعر ناشئ، حيث يقول:” أجب نفسك بنفسك، هل سأموت لو منعت من الكتابة؟.. تساءل، في ليلك، في أكثر الساعات صمتاً هل أنا مرغم حقا على الكتابة؟.. إذا كان الجواب إيجاباً.. أجل، ينبغي عليّ، فابن حياتك وفق هذه الضرورة.”

ضرورة الكتابة تلك تجعل الكاتب يبني حياته ومصيره على أساسها، فهو لا يؤسس للحياة إلا بمنطلق ما يلزمه لنفسه، ويعيش عليه، وفق ما تفرضه ضرورة الكتابة، وأدواتها، لحظة يواجهها كمضادٍ موضوعي، سؤال ملحّ : لمن أكتب، ومن يسمع لي؟. وما مدى استعداد الآخر لفتح الحوار الداخلي الذي تتركه الكتابة حتى تتفرع الأسئلة، ويتسع الحوار إلى آفاق معرفية يطمح لها الكاتب الجاد؟.

ولعلّ أكثر الأمور جدية أن تقول رأياً. لذا سيسعى الكاتب الفاعل إلى أن يكون جاداً ومجدّاً، لا يتسرّع، لا يتكلّف، مستعد للتضحية. ليعيش العلاقة التي يتحدّث عنها الشاعر أنسي الحاج، وهو يقول: “بين البساطة والرشاقة ما بين الهواء والطير”..هكذا يصف بدقة، سرّ تلك العلاقة، التي ستصنّف وفقها أقلام الصحفيين، وجدوى ما يسطرون، مروراً بحجم معاناة كاتب، عليه، مرغماً، إيصال فكرته بعدد محدود من الأسطر.

ضرورة الكتابة هو أن تفعل و تعيش المقبول والمحدود منطلقاً منه. والكتابة لأجل هذا عليها أن تكون بحجم الميزان قبل الوثوب عليه، لأنه ستكون قفزة في جهة النسيان الأعمق.
[email protected]










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب