الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور داود كباي .. شخصية عالقة في الذاكرة العراقية

مازن لطيف علي

2010 / 9 / 5
سيرة ذاتية


مثلما نجد بوابات أضرحة أولياء الله مخضبة بالحناء نذرا أو أملا بشفاعة أو عرفانا في رد طلب وأداء نذر ، فان باب عيادة الدكتور (كبايه) كانت تتسم بالأمر عينه بالنسبة للعامة ،ولاسيما في مدينة العمارة. وحينما رحل الى بغداد، كانت جموع "أهل العمارة" على موعد مع حافلة خشبية منذ العام 1965 يعلن قائدها(كبايه..كبايه)،مساء كل يوم خميس في وسط العمارة، ويشرع بتسجيل الناس ليغادروا بهم الجمعة مبكرا. وتذهب الجموع الى بغداد لمعايدة بركة الدكتور كبايه والعودة أدراجها مساء مكللة بالشفاء المؤزر بعد علاج نذهب الى أنه يبدأ من إيمان العامة بقدرات الطبيب الروحية واعتقادهم بملكاته ويقينهم المسبق بالشفاء. ولم يستحصل منهم مبالغ ولاسيما فقراؤهم، بل بالعكس كان يقدم لهم الدواء مجانا في أكثر الأحيان.
كل العراقيين في العقود التي سبقت انقلاب البعث يتذكرون بشغف تلك الشخصية الألمعية التي كادت أن تكون أسطورية في القدرة على إشفاء الناس من أمراض عضال، حتى نسجت حولها قصص الإعجاز وأنواع الخرافات، وكاد الرجل غير راغب أن يتبوأ مقام الأولين والصالحين، في مجتمع يئن الفاقة بكل شيء. فلاتزال الاجيال تتناقل اخباره وافضاله على ابناء أهل العمارة، حيث كان داود يملك بيتاً من طابقين في منطقة التوراة في المدينة، حيث يشغل الطابق الاول هو وشقيقته، اما الطابق الثاني كان يشغله كعيادة لمعالجة المرضى، حيث يأتون من قرى العمارة من الحلفاية ومسعيدة والميمونة والطوّيل والمجر وحتى هور الحويزة .وكان يقدم لهم بالمجان المبيت في بيته تلطفا وكرما عراقيا. ومازال كبار السن في العمارة يتذكرون كيف التقى الدكتور داود في احدى مقاهي العمارة برجل ومعه طفلته التي كانت فاقدة للبصر وكان كباي حديث العمل في مجال اختصاصه، ولم تمض سوى سنتين على إجازته كطبيب، وكانت الطفلة عمياء منذ الولادة ولاينفع معها علاج . حيث قال له كباي انه يمكن علاجها ويعيد النظر اليها ، واجريت لها عملية مجاناً ،وتكللت بالنجاح وعاد للطفلة نظرها ومنذ ذلك الحين أشاع شهرة ونسجت قصص عن كرامات الدكتور داود كباي في المدينة.
اشتهر الدكتور داود كباي(1915-2003) في بغداد والعمارة باسم (داود كبايه) . واسم كباي "GABBAY" جاء من مهنة الجابي بالعبرية، وهي مهنة من يقوم بجباية التبرعات للكنيس أو المعبد اليهودي، ويقوم بادارة حساباته. واسم عائلته كباي تداوله اليهود السفرديم الشرقيوين وليس الإشكناز الغربيين ،وثمة عائلةكباي ببلدان الشرق الاوسط مثل ايران والهند وقد يكون اصل عائلة كباي من اصل عراقي حدث وأن نزحوا شرقاً منذ العهود القديمة.
تخرج الدكتور داود من الكلية الطبية العراقية في دورتها الخامسة العام 1938. ولم ينجح علميا كطبيب بقدر نجاحه الاجتماعي، وحببه في قلوب الناس. حيث انتقل الى بغداد عام 1964 ،وافتتح عيادته في منطقة البتاويين.ولا نستغرب شغفه بالعمارة وأهلها، فالوجود اليهودي قديم فيها، والنبي العزير(عزرا) احدى دالات القدسية لهذا المكان.
ونعلم من ان جمعية الاتحاد اليهودي(الإليانس) فتحت أول مدرسة للبنات في العمارة عام 1910، ولم نسمع أن بادر لذلك الفعل الحضاري الخير سلطان الترك أو باشا مندوب عنه أو رجل ميسور أو إقطاعي مترع بما كسبه من الفلاحين، أو معمم دين من مسيري الأوقاف أو جامعي الزكاة والخمس.. وبعد انتقاله الى بغداد، استقر في دار جديدة واصبح مقراً لعيادته وواصل اهل العمارة الحضور الى عيادته الجديدة. وقد تعرض كباي عام 1961 الى مداهمة بيته في بغداد من طرف رجال الامن بذريعة انه جاسوس لاسرائيل وتمت مصادرة امواله (واحد وعشرون ألف دينار عراقي) الموجودة في الدار .وتم توقيفه عدة ايام حتى اخرج بعدها بكفالة، ما دفعه أن يذهب الى وزارة الدفاع حيث مقر الزعيم عبد الكريم قاسم . وكان كباي زميله في الدراسة وبعد استقبال حار ومقابلة حميمة للزعيم وحوار خواطر وذكريات عن ايام المدرسة، تساءل الزعيم عن حاجته فاستل وصل المصادرة ليريه إياه. وسرعان ما بادر الزعيم الى كتابة ملاحظة على الورقة،وأوعز الى مرافقه وصفي طاهر وسلمه قصاصة من الورق كتب عليها " يعاد المبلغ الى الدكتور داود فانا اعرفه ولايمكن ان يتجسس على الدولة".
بعد انقلاب البعث على السلطة عام 1968 بدأت المضايقات الشرسة للدكتور كباي حيث اوقف عن الخدمة في وزارة الصحة بحجة انه كان يصف مادة الكورتيزون الى مرضاه واعتقل في قصر النهاية عام 1969 من تلك السنة السوداء بالنسبة ليهود العراق وأحرارهم على العموم، حيث تعرضوا لابشع حملة وزجوا في السجون واعدم عدد منهم ومن ضمنهم شباب لم يبلغوا السن القانوني. لقد عانى كباي واجبر على تحمل عطش شديد اضطر ان يشرب من جرائها بوله!.كل تلك المآسي دفعته أن يهرب من العراق سيراً على الاقدام من قصر النهاية ثم سافر إلى إيران ثم وصل الى لندن وقام بممارسة مهنته بصورة شخصية لليهود المقيمين في لندن لانه لم يعد يهتم بتحصيل التأهيل الانكليزي لممارسة الطب في لندن، وكان يعمل كطبيب احتياط في بعض العيادات البريطانية من أجل ديمومة العيش.
كان الكثير من العراقيين والعرب يأخذونه بصورة شخصية للتشاور مع الاطباء في شارع هارلي، ويذكر المرحوم يعقوب يوسف كوريه انه التقى به عام 1974 في لندن وذكر له انه كان من احد مرضاه الذين يعالجهم في بغداد وتشكر منه وذكر له بمرارة انه اودع اموالاً امانه عند بعض معارفه الذين أنكروها عليه تباعا.
كان كباي ينفث الحسرة في لندن عن الطريقة غير اللائقة التي لاقاها في وطنه العراق، وعادة ما أعاد على مسامع ملتقيه الذكرى الطيبة وخواطر عن طيب الناس، التي انقطعت عام 1969 بعد وطأة غمة البعث، وانتهت بعدما اجبر قسراً للتوقف عن مهنة الطب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 9 / 5 - 13:27 )
تحيه لكم عزيزي مازن وتحيه للدكتور كبايه وله ما أراد حيث تّذكره النجباء
اتمنى أن يتذكر الجميع مثل تلك الشخصيات التي يعرفون ليوفوها بعض من حق ودين
أتمنى أن يكتب أخرين عن مثل هذه النماذج الكريمه
ودمتم


2 - سلاما
صلاح الجميلي ( 2010 / 9 / 6 - 01:46 )
كانت جدتي تقول كلما الم بها المرض(ودوني لداود كبايه)،سلاما استاذ مازن وسلاما الى كل رجال شارع المتنبي وسلاما الى داود كبايه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا مع انبياء الرحمه بوذا والمسيح


3 - النخبة
محمد خضير عباس ( 2010 / 9 / 6 - 19:57 )
الاخ العزيز مازن احي جهودك في الكتابه على الناس الاصلاء الذي انجبهم العراق وليعلم الجهلة ان الدكتور داود كباي والدكتور سامي موريه والاديب سمير النقاش والاديب مير بصري والملحن صالح الكويتي وشقيقه وحسقيل قوجمان ليس هم من قتلو الفلسطينين وهجرهم بحيث بس يذكر اسم اي يهودي عراقي يعتقدون انه قاتل ومجرم واسرائيلي مغتصب مستعمر وغيرها من المسميات التي درج على ذكرها الاعلام العربي البأس واشكرك على اختياراتك لمثل هذه المواضيع


4 - شكرا للذاكرة الجمعية
عقيل الناصري ( 2010 / 9 / 6 - 22:01 )
العزيز مازن لطيف
بحثك عن مثل هذه الشخصيات له دلالة رمزية تكشف عن مكنونات نظرتك الفلسفية الى الذين ساهموا في بناء الانسان والوطن . فعلا علينا ان نعيد كتابة هذا التاريخ ولنمجد الانسان فيه.
لك مني الكلمة الطيبة ايها الصديق الوفي


5 - عقيل الناصري
طلال السوري ( 2010 / 9 / 7 - 04:19 )
اي انسان ساهموا في بناءه، هل تعتقد ان الانسان العرقي قد تم بناءه؟ واي بناء في الوطن ساهموا فيه؟ هل ترى اي بناء؟ ام هي مبالغات لغوية لاوجود لها على ارض الواقع،
العراق والانسان العراقي يقع في قائمة الدول الفاسدة حسب تصنيف الامم المتحدة.
تذكر دائما نحن وطن محتل و شعب تعيس

اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا