الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة النثر .. التحامل عليها ، لماذا ؟

حسين السلطاني

2010 / 9 / 5
الادب والفن




- من أنتَ..؟
- أنا مناؤي..
( زاهر الجيزاني –في لقاء صحفي معه )

ما من شكل شعري شهد سجالا ونقاشات ومقاربات مغرضة كقصيدة النثر العراقية،فهي الشكل الذي قلَّ مناصروه في وقت أستمر منذ ستينات القرن الماضي حتى راهننا ، وقد أُتهِمتْ هذه القصيدة بشتى التهم ليس أقلها تبعيتها الغربية وسعيها للنيل من خصوصية الثقافة العربية ، وعلى الرغم من كل الملابسات الثقافية والإجتماعية والسياسية التي أحاطت بها تمكنت هذه القصيدة من فرض نموذجها ، لابوصفها شكلا مجاورا لبقية الاشكال الشعرية فحسب، بل بوصفها المتن الذي هدد قلاع المقدس الشعري ونقل الحساسية الشعرية من اليقينيات الراكدة الى قلق الشك ومقاربة هموم الإنسان الانطلوجية والتعبير عن مأزقه الوجودي ، فضلا عن طبيعة معمارها الفني الذي قبض على جمرة الشعر وتوهجه لصالح نسف الابنية التقليدية ، وتلك بإعتقادي أهم نقلة دفعت بالواقع الثقافي العربي ليلتحق بركب الحداثة والتجديد .

ومناسبة هذا الكلام ما بثته قناة الحرة عراق يوم الحادي والثلاثين من آب المنصرم وفي برنامج ( بالعراقي ) الذي أعده الزميل عمر السواد وقدمه الزميل الشاعر عارف الساعدي الذي حاور ضيفين هما الناقد باقر جاسم محمد والدكتور يوسف أسكندر في حلقة كان موضوعها ( قصيدة النثر ) " كذا" وهو عنوان صامت لاخبر له ، في هذه الحلقة جرت محاكمة قصيدة النثر العراقية وسط نوايا بدت واضحة ومن البداية لإدانة قصيدة النثر، ولعل أبرز دلالة لنية أعفاء قصيدة النثر من مهامها بدت بالسؤال الذي طرحه المقدم على الدكتور يوسف اسكندر ومفاده :- الى أين تتجه قصيدة النثر ؟
فما كان من الدكتور أسكندر إلا توقيع شهادة وفاة هذه القصيدة بالقول :- ( إنها ماضية نحو موتها ) عندها حاول الناقد باقر جاسم مسك العصا من الوسط مكررا إنها قصيدة بلا نموذج وهي هدامة ومغايرة ، ليؤكد بلغة غير منفعلة موت هذه القصيدة تلميحا لاتصريحا كما فعل رسيله الدكتور .

فأذا كان من الصائب أن قصيدة النثر العراقية مغايرة فهذه علامة من علامات حيويتها وصحتها كونها غايرت وشاكست السائد والمستتب والأيقوني والصنمي في الشعرية السائدة، لذلك وجدت الهامش ملاذا لها وظلت بحكم المطرودة حتى هذه اللحظة . أما القول بإنها قصيدة لاتمتلك نموذجا فتلك مغالطة لاأدري كيف فاتت أستاذنا الناقد باقر جاسم وهو المعروف بحصافته ! فأذا كان النموذج وفق السياق الذي قصده هو النموذج الشعري السابق لقصيدة النثر والذي على هذه القصيدة المثول له والاحتذاء به والعمل على تطويره من داخل فضاء التقديس فهذا ما لم تفعله قصيدة النثر ، بل أتخذت هذه القصيدة من كل المنتج الشعري العربي بنماذجه الكلاسيكية القديمة وبنماذجه المعاصرة المتمثلة بشعر التفعيلة نموذجا لفحصه وبيان عدم صلاحيته وبروز الحاجة الملحة للبحث عن الشعر في شكل ورؤى أكثر قدرة على القبض على الشعري والجمالي والكف عن عبادة فن التقطيع والقافية . من هذا النموذج ومن تعطيل مقولاته ولدت قصيدة النثر ، وكان المجال أمامها واسعا لتمثل الشعري من خارج سياقات الشعر الرسمية والمدرسانية ولم يكن النثر الصوفي الذي أشار إليه الناقد باقر جاسم غير مهاد واحد من مهادات عديدة ، فمن الاساطير والحكايات والفلكور واليومي والمهمش والمبتذل والساقط عرضا كل هذه كانت مرجعيات قصيدة النثر ، فضلا عن حساسية مبدعيها الذين عانوا الطرد والنفي والشعور بالاغتراب الوجودي لصالح التعبير عن الانسان بوصفه ذاتاً قلقة ، في وقت كهذا كان فيه سلفيو الشعر تبهرهم عواصف التصفيق أكثر مما تبهرهم جملة شعرية من قبيل ( لاتوجد سوى معجزة واحدة.. الانسان يتكلم ).

أننا نعلم أن القصيدة العمودية ( الجديدة ) جاءت رد فعل لمنع قصيدة النثر من التوغل بعيدا في خطرها المحتوم والمتمثل بإقناع القارىء بأن الشعر لم يعد سجينا في قلعة الفراهيدي أنه يتجول حرا في متون الحياة ،

أما القول بأن قصيدة النثر هدامة .. فبأي معنى ؟ فأذا كان المقصود هدامة كونها هددت السائد وأسقطت أسواره وحررت المعاني وأطلقت الجمال .. فنعم هي هدامة وفق هذا المعنى . أما القول بإنها هدامة لانها تريد إسقاط الهالة عن فنون الشعر التقليدية وبالتالي الإعتداء على تاريخ الثقافة العربية، فهذا كلام مردود تحركه عقدة الخوف من الجديد ، والدليل ان قصيدة النثر حررت العديد من المتون التراثية في الشعر والنثر ونقلتها من التفسير السطحي الى التأويل المنتج للمعنى ومعنى المعنى ، فالشعر العربي لم يقرأ أساطير المنطقة ولا كتب الديانات المقدسة ولا المسكوت عنه في تاريخ الثقافة العربية بالعمق والجدة اللتين قرأتهما وتمثلتهما قصيدة النثر . وهذا مدعاة للقول أن قصيدة النثر العراقية هي الاكثر ثقافة من كل الاشكال الشعرية عبر إستغوارها للمستتر وتثويره وإعادة قراءة المقروء بنزعة جديدة . لذلك من حق الشعراء العموديين أن يلتبسوا فيها ويشكوا في أمرها ويتخذوها هزوا ،بل ويجادلوها بمقولة ( تحديث العمود ) لايجاد معادل نقدي ل( الثورة على العمود ) وهو واحد من متبنيات قصيدة النثر وبإمتياز .

لقد سبق لقناة الحرية الفضائية أن أستضافت الناقد باقر جاسم محمد في برنامج (جدل في كتاب ) في حلقة عن قصيدة النثر وبالتحديد عن كتاب سوزان برنار ( قصيدة النثر من بودلير حتى أيامنا ) والذي كنتُ معدا له ، وقد تحدث الرجل بمنتهى الموضوعية عن قصيدة النثر بل وأعلن تفوقها وقدرتها على تمثل العديد من المرجعيات ولم يجرِ الكلام عن كونها قصيدة تهويمات كما جرى في برنامج ( بالعراقي ) . والذي كنت أتمنى من الزميل المعد أن يستضيف أحد مريدي هذه القصيدة ومن الذين لهم القدرة على الدفاع عنها لا ان يجري تشييعها بعد الفاصل الثالث!

لقد أحسست أن المسار النقدي في هذه الحلقة كان يلامس وبلغة وصفية عوالم قصيدة النثر دون التمكن من الولوج الى أعماقها وإدانتها من داخل شروط أنواجدها ، وكانت مسحة المجاملة بادية، فالأسئلة تنبأ المجيب بالذي يريده السؤال.. فأذا كان الموضوع عراقيا فلغة ( بالعراقي ) هدرت تاريخ مضني من الصيرورة والتشيؤ لهذه القصيدة التي فرضت نفسها فرضا رغم قساوة وجلادة رافضيها وبما أمتلكوا من دربة لسانية قادرة على إستدراج أدوات الاقصاء المقتبسة من ماضي شعري سحيق صقلته الألسن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب