الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعادة العمل

علي شايع

2010 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن لسعادة أن تفوق سعادة إنجاز العمل وإتمامه. لأنها سعادة ضميرية كبرى يعيش الإنسان من خلالها لحظات إثبات ذاته. وسعادة العامل منتشياً، تشبّه إلى حد كبير سعادة المبدع وهو يرى ثمرة جهده ومنجزه. فالذي يحدث في كلتا اللحظتين، يشعّ كهاجس عميق من روح الإنسان ليكون علامة مضيئة على وجوده الحي؛ وجود العمل، بقائه حتى بعد فناء الجسد، بقاء يفوح عطاءً سيقول من يمرون عليه (هذا الأثر).

مثل هذه السعادة غائبة عن العامل أو الموظف الذي يفترض إن صراع وجوده في الحياة الوظيفية مرهون بمرور الزمن ومماشاته كيفما اتفق، بين اليوم الأول من الشهر وبين يوم إستحصال الراتب، وبين ساعة العمل الأولى المهدورة غالباً تحت طائلة الأعذار ونهاية الدوام. فمثل هذا الشخص يختان نفسه، وأحيانا دون ما يستحق من مقابل، فوقته المسروف هدراً وبطراً، ربما ينفقه في أشياء لا جدوى فيها، معطلاً في الوقت عينه عملاً ضرورياً هو جزء من سياق الدولة وهيكلها، ولنتخيّل هذا الهيكل والمبنى كعمارة هائلة يشكلّ كلّ منا حجراً فيها، فكيف ستتضعضع لو أنسحب بعضنا بأحجاره عنها، وربما ينتفي وجود تلك البناية بالكامل لو توافق أوان انسحاب الجميع في ذات الوقت.

سعادة العمل تعني متعة العطاء..متعة أن لا تشعر بعبودية الانصياع والالتزام بثقل الواجب، بقدر تحرّرك الإنساني بما تهبه من نفسك، وهو بالنتيجة مقابل أجر معلوم. هذا ما قالته فلسفة الحياة الحديثة الأجمل، وليس بعض الفلاسفة الذين كانوا يضعون فواصلاً بين الإنسان العامل وبين محيطهم الفلسفي وإدراكهم الخاص، فها هو الفيلسوف سينيكا قديماً يجد أن العمل اليدوي محتقر ولا يرقى بصانعه إلى الفكر، وهي فلسفة بقيت قيد صراع أزلي حتى عالجتها الديانة المسيحية التي وصفت الخالق بالصانع اليدوي الأول، لترقي بوعي وذائقة العامل؛ أي نشدان الكمال. ومهما كان توجه هذه الفلسفة الديني فأنها سعادة سندركها في معظم الديانات الإنسانية التي يكون فيها الإنسان البسيط محور الوجود وركيزته.

سعادة العمل يمكن إدراكها وتنميتها في نفوسنا جميعا من خلال الإطلاع على تجارب الآخرين ورؤية تفاعلهم مع الحياة، وهنا لا بد لي أن أذكر ما طالعته من ألق جم يستحق القراءة والتأمل في كتاب مذكرات المهاتما غاندي الموسوم(قصة تجاربي مع الحقيقة) ، وكيف عمل غاندي في جنوب إفريقيا مدافعاً عن حقوق عمال الزراعة (الهنود والبوير) العاملين في مزارع قصب السكر، وكيف كان ينمي فيهم حب هذا العمل رغم ما فيه من عبودية واستنزاف للكرامة.
ذلك الرجل الذي ربما نملك في تاريخ منطقتنا عظماء مثله، ولكننا نحتاج بالفعل إلى من ينطلق بسعادة العمل الجماعي، بمثل روحيته وإصراره. رجل أراد صادقاً توحيد الجميع في بلاد حكمها لاحقاً فقيراً معدماً، وكان يصرّ على أن يبقى الجميع في حرية طقوسهم، كان يقول إن سعادة الدين الذاتي هو القناعة بعمل الخير، لهذا التف حوله في مجتمعه (الغاندوي) مجموعة عاشوا ودرسوا وعملوا معاً وفق مبادئ التسامح. فيهم المسلم والمسيحي والهندوسي، وسنرى من خلال تلك المجموعة، الغاية الإنسانية في تشجيع بعضهم البعض على التمسّك كل بديانته، دونما حث على تغيير أي ديانة، أو احتقار طرف لطرف. إنها سعادة العمل..سعادة جامعة.. سعادة الألفة، وسعادة العمل السياسي، وسعادة اجتماعية، و دينية، ما أحوجنا إليها..أقول هذه الكلمات وأنا أقبل ذكرى غاندي(في مذكراته) مدركاً سعادة عمله المستحقّ للإشادة.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى