الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل العلمانية في العراق

حسين علي الحمداني

2010 / 9 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تطرح دائما في العالم العربي مقولة العلمانية هي الحل ؟ وطرحها يأتي دائما من قبل منظري الدولة وكتابها الذين يحاولون جهد الإمكان إضفاء صفة العلمانية لنظم استبدادية متشبثة بالحكم منذ عقود طويلة وبهذا فأن الشعب العربي حين تسوق له العلمانية على هذا النحو فـأنها تسوق بشكل مشوه إذا ما قورنت بأصولها وجذورها وأسباب تكاملها .
و هناك العديد من التعريفات للعلمانية ولكننا نجد أن أفضلها (للفرنسي جان بوبيرو) هو الذي يرى أن العلمانية، كمرجعية فكرية، يمكن تشبيهها بمثلث:الضلع الأول فيه (وهو يتعلق بخاصية "العلمانية") هو "عدم تسلط الدين (أو أي نوع آخر من المعتقدات) على الدولة، ومؤسسات المجتمع والأمة والفرد".و الضلعين الآخرين من المثلث هما حرية الضمير والعبادة والدين والعقيدة، وذلك في التطبيق المجتمعي وليس كمجرد حرية شخصية باطنية.و المساواة في الحقوق بين الأديان والمعتقدات؛ مع ضرورة تطبيق هذه المساواة واقعيا ومجتمعيا.
تعريف شمولي جدا ونجده كنصوص موجودة في الكثير من دساتير العالم ومنها الدستور العراقي لعام 2005 المستمدة مواده من الدين الإسلامي كمصدر تشريعي بالدرجة الأولى ولوائح وقوانين حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية بهذا الشأن بالدرجة الثانية .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل نمتلك نحن العرب مقومات العلمانية لننادي بها ؟ أو نطرحها كحل لمشاكلنا المستعصية ؟ قبل أن نجيب لنعرف ما هي هذه المقومات، أولها وجود أحزاب تتبنى العلمانية ولا تتخلى عنها , الشيء الآخر هو إن تكون هنالك هوية وطنية لا هويات فرعية كالقومية والدينية وأحيانا المذهبية , الشيء الثالث وجود الدولة كمؤسسات غير قابلة للذوبان والتفتيت .
والمتتبع لتأريخ العلمانية وتواجدها في المنطقة العربية يجد إنها دخلت مع دخول الدول الاستعمارية و بدأت الدول العربية الإسلامية تتخلي عن بعض الجوانب الاستفزازية من الدولة الدينية مثل تطبيق العقوبات البدنية كجلد شارب الخمر وقطع يد السارق ورجم الزانية، وعن جباية الجزية من مواطنيها غير المسلمين.
وهذا ناجم من تأثر هذه الدول بحقبة الاستعمار خاصة وان الكثير من الدول العربية استعمرت لعقود طويلة . وبدأت فترة الدولة المدنية في الوطن العربي لكنها لم تكن علمانية بمعناها الصحيح بقدر ما كانت نظم مستبدة انفرد حزب واحد بالسلطة لعدم وجود عنصر مهم وهو الأحزاب والانتخابات التي يمكن من خلالها إحداث التغيير .
وهذا يجعلنا نستنتج بأن العلمانية لم تفشل في الوطن العربي لأنها لم تختبر بإدارة الدولة ولكنها تعرضت لهجمات كثيرة من أحزاب إسلامية كالإخوان المسلمين في مصر الذين روجوا لمقولة إن العلمانية تعني الإلحاد والكفر بل البعض تمادى أكثر من هذا في تفسيراته .
وبالتأكيد عدم تسلم أحزاب علمانية مقاليد الحكم هو جزء من فشل مشروع التحديث بأكمله في الوطن العربي. فمازال "مشروع التخلف" ـ إن جاز هذا التعبير ـ هو المشروع السائد والمتسيد في العالم العربي.
أما في العراق فإن إمكانية وصول القوى العلمانية لقيادة البلد محدودة جدا في السنوات القادمة لأسباب عديدة تأتي في مقدمتها إن أغلب أحزابنا أما قومية أو دينية ، أما القوى الليبرالية والعلمانية فأنها منيت بهزيمة في الانتخابات الأخيرة لأسباب عديدة في مقدمتها قانون الانتخابات ذاته الذي لم يمنحها فرصة الحصول على مقعد واحد في البرلمان وبالتالي فسح المجال لتيارين من الصعود هو التيار القومي والتيار الديني .
وحتى التيار القومي الذي صعد إنما أستند لآليات دينية ومذهبية بأطر جديدة طارحا نفسه ممثلا لمنطقة أو فئة ولم يكن قادرا على رفض هذا المنطق خاصة في ظل التنافس مع أحزاب دينية هي الأخرى استخدمت ذات الآليات .
لذا فأن من يتابع توزيع مقاعد البرلمان العراقي الحالي سيجد جملة من الحقائق التي لا يمكن نكرانها أو تجاهلها وتحتاج بالتأكيد لدراسات معمقة أولها انتخاب أشخاص لا أحزاب وهذا تجسد بشكل واضح مؤكدا حقيقة قد تكون سلبية وهي ميول الناخب العراقي للشخصيات وفق منظور قومي أو ديني بعيدا عن البرامج الانتخابية والميول والاتجاهات التي يحملها هذا الشخص وما يمكن أن يتولد من إنفراد بالسلطة كما حصل في العقود الماضية .
إذن هل يمكننا أن نرى مستقبل للعلمانية في العراق ؟ الجواب بالتأكيد نستطيع استنتاجه من خلال نتائج الانتخابات نفسها عبر بروز تيار ما يسمى بالإسلام العلماني الذي يحاول بناء الدولة على أسس المدنية والحداثة مستفيدا من حالة صحية ومهمة في البلد وهي إن المؤسسة الدينية لا تتدخل في الشأن السياسي إلا بحدود واجباتها الاجتماعية والتوجيهية والإرشادية من جهة ومن جهة ثانية الدولة هي الأخرى لا تسعى لمصادرة المؤسسة الدينية كما هو الحال في أغلب البلدان العربية.
وهذه الحالة تمنح كلا الطرفين "الدولة والمؤسسة الدينية" أن يأخذ كل منهما دوره في البناء الاجتماعي والسياسي للبلد وفق رؤية لا تبتعد كثيرا عن الواقع ولا تتقاطع مع التطورات والحداثة بمفهومها العلمي والصحيح .
وهذا يجعلنا نؤكد بأن العراق مقبل على علمانية إسلامية قائمة على أحزاب دينية معتدلة قادرة على بلورة صيغة جديدة في العالم العربي خاصة وان فرص قيادتها للدولة قائمة وموجودة في العراق أكثر مما هي في الدول العربية الأخرى التي ظلت الأحزاب الدينية على هامش الأحداث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وترامب وجها لوجه | #أميركا_اليوم


.. منذ 7 أكتوبر.. أميركا قدمت مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 6.5




.. السباق إلى البيت الأبيض | #غرفة_الأخبار


.. بدء الصمت الانتخابي في إيران.. 4 مرشحين يتنافسون على منصب ال




.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات استمرار احتجاجات كينيا رغم تراجع ا