الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إندحار القطيع

عبد الفتاح المطلبي

2010 / 9 / 8
الادب والفن


منذ فجر التاريخ و بدء إشتغال الغرائزكنا نعيش كبقية المخلوقات حياة القطيع ، لماذا اجتمعنا كقطيع؟ذلك للتقليل من خسائرنا في مواجهة الأخطار المحدقة بنا لذلك كان الجهاز الغريزي هو الذي يحدد الأولويات في سلوك أفراد القطيع، كانت تلك مشكلتنا الأولى كان لابد للقطيع من تحقيق أهدافه التي تتطلبها الغرائز، و هنا يبزغ السؤال: هل الغريزة كانت بديلا للعقل الذي لم يفطم بعد أو ربما هي الوصية عليه،يبدو أن ذلك كان بديهيا إبان طفولة العقل، و يؤيد ذلك علم الحفريات حيث أن التجويف الجمجمي الذي يحوي أدمغة أجدادنا الأوائل كان بيضويا مائلا للأستطالة ،ثم استحال هذا التجويف إلى ماهو عليه الآن قريبا من الكرة مع مرور الزمن، إذن كانت الغريزة هي الوصي على العقل القاصر ، فهي إذن مخولة بقيادتنا حسب حساباتها المعبئة سلفا ، كانت الغريزة تخطط لأول مشروع أمن على مستوى الفرد في القطيع ، بعد ذلك كان الزمن يوسع التجربة و يصقل الخبرة ليشحنها بمتطلبات القدحة الأولى التي ستشعل الشعلة الأولى للعقل و لو بشكل واهن ، كان ذلك ضروريا بسبب فشل الغريزة بالإحاطة بما يتناسل من أخطار متنوعة ، ذلك يعني إننا عجزنا عن الإستمرار بحيوانيتنا التي تقودها الغرائز ، و الأمر المهم و الجلي هو إننا تحت رعاية الغريزة كنا نسلك سلوكا موحدا بحكم نسخ نفس القدرة الغريزية في كل فرد من أفراد القطيع ، إلا إن الأمر لم يعد كذلك بعد تخلي الغريزة عن معظم واجباتها لصالح العقل و لو كان عقلا طفلا لا زال غضا ،الغريزة لم تتخل عن أمر القطيع ببساطة كان ذلك مقابل استمرار بعض الغرائز بواجباتها و منها الزحام و التنافس على القيادة ذلك الذي كانت تمارسه في القطيع ، و من المعلوم إن ذلك جلي في حياة الحيوان فلا عجب أن تجد كبشا قائدا في قطيع الأغنام أو ثورا متزعما لقطيعه ينطح أي ثور يقترب من منطقة نفوذه أو أُناثه لذلك فأن الرغبة في القيادة و الزعامة و الإستقتال من أجل حيازتها و محاولة القضاء على المنافسين بالنطح و بقر البطون و القتل والغدر و المطاردة ما هي إلا ردة غريزية و لو في عصر العقل و تقدم الإنسان في تجريد العقل من عوالق الغرائز العدوانية و تطويعها لصالحه، لكن ذلك لا يشمل تحقيق الرئاسة و الزعامة و حيازتها عن طريق العقل و الرضى التام ، التي تتحول في الحالة هذه إلى واجب متعب أو مقلق و ثقيل أحيانا يجب إنجازه لصالح المجتمع و برضاه التام لذلك لم يعد هناك من تبرير لوجود و استمرار زعامات تفرض نفسها بالقوة و السطوة و البطش و الإدعاء بالتفويض من قبل السماء لأن عصر عقلنة الأمور لم يترك مجالا لذلك ، وكلما توغل العقل في الزمن و راح يصنع أنظمة جديدة من تراكمات حطام ما تنتجه الغريزة راحت الغرائز التي تجر ذيولها عند البعض محاولة ترميم مواقعها و ترتيب أمر القطيع من جديد ، راحت تسرق بعض أدوات العقل أو بمعنى آخر ، راحت تعقلن بعض الغرائز و تقدمها للمجتمع بشكل مغاير لأهدافها غير المعلنه ألا وهي الرجوع بالمجتمع إلى عصر القطيع تحت غطاء من شتى أنواع التزييف و الخداع و لكن ذلك لا يدوم في كل مرة لأن الطبع يغلب التطبع و لأن جذر الغريزة عند هذا البعض أعمق كثيرا من خيوط الغطاء الزائف الذي يمارسون من ورائه الخديعة لذلك لا بد من ردة و انكشاف أمام عصر العقل.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فبعد أن مني عصر القطيع بالهزيمة و انحسار عصر الطغيان البهيمي و اندحار الدكتاتوريات على يد الحداثة التي شملت كل شيء و التشابك التواصلي للعالم الذي جعله قرية كبيرة بدل مفهوم الإمبراطورية الكبيرة ، لم يعد بمقدور مفاهيم القطيع أن تجد لها مكانا بعد تشتت القطيع باتجاهات مختلفة بفعل وضوح الصورة الراهنة و حضورها على مستوى الفرد في أي زمان و مكان ، عمد المرتدون إلى عصر القطيع إلى ابتداع طرقا جديدة للوصول إلى أهدافهم تحت جنح الحداثة و الديمقراطية و استعارة بعض وسائلها ليبدو الأمر منسجما مع اتجاه العصر (عصر العقل) من ذلك الأتجاه إلى لم شتات بعض أفراد القطيع الموسومين بالضعف الإنساني و العقلي مستغلين هاتين الصفتين عند هذا البعض لتكوين قطعانا صغيرة هنا و هناك تقودها أكباش نطاحة و ثيران لها القدرة على بقر البطون ليتزعمها بعد ذلك فحلا من فحول الدواب مدعيا تمثيله لهكذا قطعان عصرية قارعا بعد ذلك طبول الحرب ورافعا رايات الخديعة بوسائل عفا عليه الزمن و تفسخت تاريخيا و لم تعد ذات صلة بالحاضر إلا على سبيل الأرشفة و التوثيق ثم بعد كل ذلك الدخول عبر دهاليز دهرية ملتوية إلى عالم الإنسان الحاضر و في أكثر مؤسساته حساسية ألا و هي مؤسسة الحكم مستغلين ظروف استيلاد القوانين التي لم تكن موجودة في العصر البهيمي و التي لازالت غائبة لحد هذه اللحظة ، وهنا ينجم السؤال الكبير : متى نشهد عصر الأنسنة في بناء عناصر الدولة الحديثة في العراق ؟ و متى يثوب العقل المدني و السياسي إلى رشده في هذا البلد الذي آض إلى كومة رماد خلفتها المعارك العبثية و التي لا زال دخانها يثور بين فترة و أخرى على يد دعاة القطعنة(مفاهيم القطيع) المولعون بالنطح و الإقتيات الإجتراري و بقر البطون بقرون طويلة يخفونها في تلافيف أدمغتهم النوكى.
عبد الفتاح المطلبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?