الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سريالية بدون عاطفة

فاضل فضة

2004 / 9 / 2
الادب والفن


قد تكون السماء واحدة، لكن الأرض تدور في بحرها، والعقول أيضاً تدور في فضاء هذه السماء المغبّرة بالسحاب الذي لايعرف التوقف إلاّ في حالات الضغط والحصر، فيأتي الفرج في تدفق الحياة أي المطر.

وقد يكون القلب واحة للمشاعر، تلعب به بشرقيتها المتموجة ردوداً عاطفية وتحليلاً فيه من التشنج قسراً لإفراغ طاقات لامجال لإفراغها في وقت طويل ممل لانشاط منتج به.

وقد يؤدى كل هذا الإغتراب الأنساني عن عقل الهدوء وعقل التحليل الصافي والنتائج الأصفى المدعّمة بثقافة المكتسب، وثقافة الإنسان المنفتح على غيره بشكل مطلق، لاحدود بذلك للمجتمع وقيوده المحروسة من تعلبات التاريخ ونظرة بالأصل لاعلاقة لها مع تطوّر الحياة بكل إغصانها، الخضراء أو الصفراء أو عريها المتحرر من كل شئ.

قد يؤدي الضيق إلى الغضب، والموج في العقل الذي نسي التمتع بنسيم لامثيل له، قد يغادر إلى مساحات العنف التائه. وقد يؤدي الحصر الملازم لأجيال متعاقبة إلى تعطل بوصلة الحياة في مساحاتها اللامحدودة، وإلى العودة إلى النظر إلى السماء الضيقة في أفق المدى الخاص في تجربة زمنية محددة، أو تاريخية لم تكتمل.

قد يؤدي الضغط إلى الإنفلات والتشرد لجذور الفكر الإنساني الذي ولد الكثير منه في بلاد الشرق، بأحرفه الأولى، ولونه الأحمر، وغرف منازله، أو في قوانينه السابقة لزمنها.

لذا وفي تراكم الضجيج الأعمى، وفي صراخ الباحثين عن إطلاق طاقاتهم الغير مفرغة في مكانها السليم، لابد لإستمرار الظلام في مكان لم يعرف مناخ الظلام الطبيعي لهدوء طقسه، ولابد للعيون أن تعميها غشاوة الطاقات المتراكمة بدون سبب. ولابد لبدائية العقل الذي لم يتعلم المشاركة والمصداقية وحب الأخر. لابد للكيان الإنساني أن يبقى في حصار غابة أو حرش أو بيئة عذراء تعمل بها قوانين الغاب والعنف والأجترار به.

لابد للأنسان أن ينسى زمنه، كونه نسى عدّاد السنين، أو تناسي أن الحياة لاتتوقف.

إنها حكاية سريالية قديمة وجديدة، وقصة لم تكتمل إلا بالأنتحار المستمر حتى الدمار.
إنها حكاية الذين لايحبون الحياة والإنسان والعيش المسالم.
إنها حكاية التيه في الإصرار على المعرفة.
هذه المعرفة المدمرة، كونها تمانع الدخول إلى عقولنا المتمردة دائماً عن واقعها.

يقال إن الإنسان الذي يستطيع تحليل مشاكله بدون التفاعل معها بالمشاعر، فإنه سيكون قادراً على تقديم الحلول المناسبة لها. أما الذي تتسرب المشاكل إلى عقله وإحاسيسه فإنه لن يستطيع أن يتعامل معها بشكل عقلاني وسليم، لإنها قد تهدّ كيانه، وتتعبه كثيراً.

وكم يصرّ كثير من السياسيين في بلاد الشرق، التعامل مع الأشياء كمشروع لوحة فنية، أو قصيدة لشاعر أكتوى في معاناته، ليبدع في النهاية شعراً، وقصيدة فقط، وليس حلاً وواقعاً، لعالم اصبح معظمه رقمي وبيولوجي وفضائي.
عالم عقلاني أكثر من اللزوم.

إنها لوحة ايضاً، سريالية، لكنها ليس عاطفية، ابداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن