الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتحاد السوفيتي في ضوء قانون القيمة

أنور نجم الدين

2010 / 9 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في تعليقه على مقالي (الاتحاد السوفيتي: كيف نبحث أسباب انهياره!) في الحوار المتمدن، كتب السيد فؤاد النمري يقول:

(كنت قطعت على نفسي ألا أقرأ سطراً لهذا الشخص حيث أنه لا يكتب كلاماً مفيداً ويتطفل على مواضيع لا علاقة له بها. غير أنني فوجئت اليوم باختيار أنور كاتباً من كتاب الحوار المتدن!! أسأل المحرر الذي حشر اسم نجم الدين بين أسماء كتاب الحوار المتمدن، أسأله فيما إذا قرأ مقالة نجم الدين ورأى فيها شيئاً من المنطق !! أسأل المحرر فيما إذا كان الإتحاد السوفياتي ينتج ليشارك في السوق الرأسمالية الدولية ويضارب منتوجات الدول الأخرى!؟ ألم يكن للمعسكر الإشتراكي -سوقه- الخاصة به المنفصلة تماماً عن السوق الرأسمالية الدولية!؟ ألفباء الإقتصاد الإشتراكي أن السلعة لا يتم إننتاجها لتنافس السلعة الرأسمالية الموازية فكل منهما من طبيعة مختلفة غير قابلة للمقارنة سوى من حيث القيمة الاستعمالية التي لا حساب لها في مجرى المنافسة!؟ أنا هنا أسأل المحرر وليس نجم الدين الذي لا يفقه شيئاً من هذا، أسأله ليبرر إدراج إسم هذا النجم بين كتاب الحوار المتدن ــ أنا هنا أدافع عن الحوار المتمدن وليس عن الإشتراكية والإتحاد السوفياتي – فؤاد النمري).

لقد حاولنا مرات عديدة دحض وجهات النظر المتعلقة بالاشتراكية القومية اللينينية. والآن لنُلْقِ نظرة اقتصادية على نفس المسألة من وجهة نظر قانون القيمة، وقانون المعدل العام للربح، والذي يحدده قانون المزاحمة في السوق العالمية، ولنرَ: هل الوقائع الاقتصادية، وحركة السوق العالمية الخاضعة كليًّا لقانون القيمة، تثبت وجهة نظر لينين؟ هل ممكن عزل (السلعة) التي يتحدث عنها السيد النمري عن قانون القيمة؟

سوف نحاول جواب سؤال السيد فؤاد النمري الذي يطرحه على الشكل الآتي:

(.. فيما إذا كان الاتحاد السوفيتي ينتج ليشارك في السوق الرأسمالية الدولية ويضارب منتوجات الدول الأخرى!؟)


المقدمة:

من الممكن أن نُبَيِّن بضبطٍ رياضي، وأقول بضبطٍ رياضي أن ما يجري في العالم الموجود، يجب وبالضرورة، أن يخضع لقانون القيمة، وهذا الخضوع لا يعني في واقع الأمر سوى إنشاء مقياس مشترك لكل حركة في السوق العالمية، لذلك لا نفهم القيم والأسعار العالمية لأنواع العمل إلا من خلال عمل وسطي، ولا نستنتج شيئا من رأس المال دون فهم تركيبه المتوسط عالميًّا، ولا نعرف ما المعنى التاريخي للسلع، وقيمها، وأسعارها دون فهم الجوهر المشترك لجميع البضائع في السوق، أما السوق غير موجودة إلا بوصفها ظاهرة عالمية.

إذا، لقانون القيمة مدى أبعد من فائض القيمة، فالمسألة تتعلق بسلسلة تاريخية من العمليات الإنتاجية في المستوى الدولي، وليس بسلسلة من الإبدالات المنطقية، كما يتصور السيد فؤاد النمري، فالسيد النمري يعتمد كليا على الاقتصاد السوقي المبتذل، لا على (رأس المال)، فلقانون القيمة بُعد آخر، وهو بعد تاريخي وليس الديالكتيكي، ولا يمكن فهم هذا البعد، دون النظر إلى الإنتاج الرأسمالي، من وجهة نظر قانون المزاحمة في السوق العالمية، والمعدل المتوسط للربح الناشيء منه. ولا يمكن فصل أي جزء من رأس المال، أو أية دوائر الإنتاجية، أو أي بلد من البلدان من هذا القانون العمومي الذي يسيطر على العالم من أقصاه إلى أدناه، فالمزاحمة هي قانون تسوية كل ما يجري في السوق في المستوى العالمي. لذلك يجب طرح السؤال بخصوص السوفيت على الشكل الآتي:

هل ممكن لاقتصاد مثل الاقتصاد السوفيتي أن يحدد داراته الاقتصادية بصورة مستقلة عن دارات متوازية في السوق العالمية؟ أو هل ممكن للاقتصاد السوفيتي أن يتحرك بصورة مستقلة وبعيدا عن الاقتصاد الأمريكي، والياباني، والبريطاني، والسعودي، والصيني وتقاسم الغنيمة أو الخسارات معهم؟ وإذا كان الجواب كلا، فكيف نُقَيِّم إذًا طبيعة الاقتصاد السوفيتي؟

سوف نحاول إجابة هذه الأسئلة في المواضيع الآتية:

1) الجوهر الاجتماعي المشترك للبضائع

على عكس تصورات السيد فؤاد النمري، للبضائع (السلع) خاصية اجتماعية مشتركة، وهي تقاس بنفس المقياس الاجتماعي في كل مكان في العالم، فالبضاعة عند دخولها السوق، يجب وبالضرورة، أن تخضع لتموجات السوق؛ لأن إنتاجها يكون بنفس مقاييس إنتاج البضائع الموجودة الأخرى في السوق العالمية. إذًا، ما دام الرأسمال موجودًا في السوق، فيجب التكيُّف مع كل قانون اقتصادي يدير الإنتاج، والتوزيع، والتبادل، والاستهلاك بصورة رأسمالية، وهذا هو فعل قانون القيمة.
والسؤال هنا هو: هل دخل السوفيت السوق العالمية أم لا؟ وهل كان يخضع إنتاج البضائع السوفيتية لنفس المقاييس الاجتماعية أم لا؟

حسب ملاحظات ماركس الصحيحة:
"ينبغي لنا قبل كل شيء أن نتساءل: ما الجوهر الاجتماعي المشترك لجميع البضائع؟ إنه العمل"، "وكيف تقاس كمية العمل؟ بالزمن الذي يستغرقه العمل، -بالساعات، بالأيام، ... إلخ. ولاستخدام هذا المقياس للعمل، ينبغي أن تحال جميع أنواع العمل إلى عمل وسطي - كارل ماركس، الأجور والأسعار والأرباح".
هذا هو القانون الذي يحاول السيد النمري استعاضته بالقوانين الوهمية للاقتصاديين السوقيين البرجوازيين.

وهكذا، فالعمل هو الذي يحدد قيمة البضائع -القيمة التبادلية-، ولا يجري تبادل البضائع بين البلدان المختلفة، إلا حسب هذا المقياس: العمل الوسطي! فلا نجد في الواقع أي مقياس آخر غير العمل الاجتماعي لتحديد قيم وأسعار البضائع في السوق؛ لذلك يجب أن يؤثر أي تحول في سوق العمل اليابانية مثلا، على السوق العمل السوفيتية، والأمريكية، والإيطالية أيضا، فالسوفيت إذًا، لا يمكنه تحديد القيم والأسعار العالمية لبضائعه المعروضة في السوق حسب ما يريده لينين أو خروتشوف، فالقيمة التبادلية، تحددها مقاييس عالمية لا وطنية، وليست المقاييس هذه سوى قوانين اقتصادية، تحدد بموجبها الوقت الضروري للعمل المتجسد في البضائع اجتماعيًّا. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن يؤثر كل انخفاض في وقت العمل الضروري لإنتاج بضاعة ما في آسيا -الأسلحة، أو النفط، أو الحبوب مثلا-، سلبيًّا على الاقتصاد السوفيتي والأمريكي، فبضبط رياضي، يمكننا أن نبين بأن كل انخفاض في وقت العمل الضروري لإنتاج الحبوب في الهند، أو النفط في السعودية، يصاحبه الانكماش في الجانب السوفيتي، وهذا نظرا للقدرة التنافسية للبضائع الهندية والسعودية، بالمقارنة مع نفس البضائع التي يقوم السوفيت بعرضها في السوق العالمية:

"وهكذا، إذا كانت كمية العمل الضروري اجتماعيًّا المتجسد في البضائع هي التي تحدد قيمتها التبادلية، فإن كل زيادة في كمية العمل الذي يتطلبه إنتاج بضاعة لا يمكن إلا أن تزيد قيمتها، وكل نقص في هذه الكمية لا بد أن يخفضها -كارل ماركس، نفس المرجع السابق".

وهكذا، فكل بلد من البلدان تخضع لحركة السوق، ثم الأرباح والخسارات في السوق العالمية، مهما كان شكل دولتهم، فدخول كل بلد إلى السوق الكونية، يعني خضوعه في نفس الوقت لضوابط سوقية عالمية، الضوابط الاقتصادية التي تنشأ بموجبها لا العمل الوسطي، والأسعار الوسطية فحسب، بل المعدل الوسطي للربح أيضا، وهذه الضابطة هي المزاحمة الدولية.

2) المعدلات القومية للربح

لا يمكن فهم قوانين الاقتصاد الرأسمالي، ابتداء من قانون فائض القيمة، وعبورا بالربح والتراكم، وانتهاء بالأزمات الاقتصادية العالمية، دون فهم قانون المعدل العام للربح، فالمعدلات المختلفة لربح الرأسماليين المختلفين والدول المختلفة تتوحد تحت تأثير المزاحمة، في معدل عام للربح يحدد كل هذه المعدلات الفردية والقومية المختلفة في الربح المتوسط، ففي المزاحمة يتقاسم الرأسماليون الفرديون والدول أيضا فيما بينهم الأرباح والخسائر بصورة أخوية، أو كما يقول ماركس:

"إن مختلف الرأسماليين يلعبون هنا فيما يتعلق بالربح دور مجرد مساهمين في شركة مساهمة توزع فيها أنصبة الربح توزيعا متساويًا" (كارل ماركس، رأس المال، الكتاب الثالث، ترجمة أنطون حمصي، ص 253).

وهكذا، فلا يمكن فصل أية حركة من حركة الإنتاج في السوق العالمية عن بعضها البعض بحجة اقتصاد اشتراكي، أو معسكر اشتراكي في سوق يسودها رأس المال، أو محاط برأس المال ومضطر لتقاسم حركة رأس المال في كل ما يتعلق بالأرباح والتراكم، والتركيب العضوي لرأس المال، ثم المعدل العام للربح.

3) التركيب العضوي لرأس المال

إن قانون المزاحمة يوزع رأس المال الاجتماعي بين مختلف الدوائر الإنتاجية في مختلف الدول بحيث تتكون أسعار الإنتاج في كل دائرة على غرار الأسعار الموجودة في الدوائر ذات التركيب العضوي المتوسط. ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان من الممكن فهم فائض القيمة، ومعدل فائض القيمة، والربح، والتراكم، ونسبة رأس المال المتحرك إلى رأس المال الكلي، ومعدل الربح، ثم خسارات الدول وأرباحهما في السوق العالمية.

يتوقف التركيب العضوي لرأس المال في كل بلد من البلدان، وفي كل الأزمنة التاريخية، على نسبة قوة العمل المستخدمة إلى كتلة وسائل الإنتاج المستعملة عالميًّا، أي بتعبير آخر، على نسبة رأس المال المتحرك (ل) بالمقارنة مع رأس المال الثابت (ث) في المستوى الدولي، بمعنى أن كل بلد في السوق العالمية، يتقاسمون بدرجة تطور التقنيات، والآلات الإنتاجية، والعلوم، والأيدي العاملة مع كافة البلدان الموجودة الأخرى في هذه السوق؛ لذلك سيكون من المستحيل فهم التركيب العضوي القومي لرأس المال إلا على أساس النسب المئوية.

4) إنشاء المعدل العام للربح

لنأخذ ثلاث بلدان مختلفة، يختلفون في التركيب العضوي لرأس المال كل بلد مختلفة عن الأخرى:

أمريكا: 70 ث + 30 ل = 100، معدل فائض القيمة 100%، فائض القيمة 30، القيمة المنتجة 130، معدل الربح 30%.

السوفيت: 40 ث + 60 ل = 100، معدل فائض القيمة 100%، فائض القيمة 60، القيمة المنتجة 160، معدل الربح 60%.

اليابان: 80 ث + 20 ل = 100، معدل فائض القيمة 100%، فائض القيمة 20، القيمة المنتجة 120، معدل الربح 20%.

إن استغلال العمل هنا، أو اكتساب العمل الزائد سيكون بنفس الدرجة (100%)، ورؤوس الأموال وتراكيبها العضوية تختلف عن بعضها البعض، ثم معدلات الربح ستكون شديدة التنوع، ولكن مع ذلك لا يمكن فهم النتائج، أو كيفية تقاسم الأرباح والخسارات بالنسبة للرأسمالية العالمية، إلا في تركيب عضوي متوسط يعبر عن مجموع رأس المال الاجتماعي، فكل أزمة من أزمات المجتمع الرأسمالي في المستوى العالمي تعبِّر عن هذا المتوسط، فكيف نفهم إذا مفهوم الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها إذا لم ننظر إليها من وجهة نظر قانون المعدل العام للربح؟ فالأزمة العالمية لا تعني سوى هبوط المعدل العام للربح. وإذا نظرنا إلى مجموع التركيب العضوي لرؤوس الأموال أعلاه، فسنحصل على النتائج الآتية:

70 ث + 40 ث + 80 ث = 190 ث.
30 ل + 60 ل + 20 ل = 110 ل.
إن مجموع رأس المال = 190 ث + 110 ل = 300 ر (رأس المال الكلي).

واذا عبرنا عن مجموع رؤوس الأموال في النسبة المئوية، فسنحصل على النتيجة الآتية:

64% ث + 36% ل = 100%.

وسوف يكون معدل الربح المتوسط: 36%. وبالطبع سيصبح السعر من النتاج الكلي للـ 300: 300 + 36، فيباع اذا نتاج رأس المال الكلي المستثمر بـ: 336 في السوق العالمية، ومتوسط السعر في السوق العالمية، سيكون: 336 / 3 = 112. وهنا يتعدل الأشياء بالمعنى الأممي.

يقول ماركس: "ان سعر الإنتاج، فيما يتعلق برؤوس الأموال ذات التركيب المتوسط مساوية لرأس المال الاجتماعي المتوسط، أو قريبة من ذلك – كارل ماركس، نفس المرجع السابق، ص 272".

والسؤال الذي يواجهنا هنا هو: هل يتغير التركيب العضوي القومي لرأس المال الأمريكي بمعزل عن رأس المال الياباني، والسوفيتي؟ بمعنى آخر: هل ممكن أن يحدث التغير في قيم وأسعار البضائع في السوق العالمية، وحتى أزمة أمريكية بمعزل عن هبوط المعدل العام للربح فيما بين الدول التي تشارك في الإنتاج العالمي؟
إذا كان من الصحيح أن نقول: إن الأزمات تعني الميل النزوعي لهبوط المعدل العام للربح، فسيكون صحيحا أيضا أن نقول: إن كل دولة من الدول التي ذكرناها أعلاه، تتقاسم هذه الأزمة من خلال التركيب العضوي المتوسط، ثم معدل الربح المتوسط. وإذا كان هذا الأمر صحيحا بالنسبة لأمريكا، فإنه صحيح بالنسبة للسوفيت أيضا، فهذه الدولة لا تتقاسم الأرباح والخسارات مع الدول الأخرى في السوق العالمية، إلا على شكل التركيب العضوي المتوسط لرأس المال الاجتماعي، ومعدل الربح المتوسط في المستوى الدولي، ولو لم ننظر إلى حركة السوق العالمية من هذه الزاوية، فمن غير الممكن أن نحصل على جواب السؤال الآتي:

لماذا لا تنطلق الأزمة دائمًا في بلد محدد أو منطقة محددة من العالم؟ لماذا تختار الأزمة آسيا مرة، وأوروبا أو أمريكا أو السوفيت مرة أخرى؟ هل كان بمستطاع السوفيت عزل عالمه عن الأزمة الأمريكية في عام 1929، ثم الحرب العالمية الثانية الناتجة منها؟
سنجد جواب هذا السؤال في التاريخ الواقعي لا في الكتب، والنظريات، والمشروع اللينيني المزعوم، والتعايش السلمي اللينيني، والجواب هو: كلا، لم يكن بمستطاع السوفيت عزل عالمه عن كل ما جرى من الحروب الوحشية، والابادة الجماعية للبشر، والمجاعة، وتقسيم العالم مع الدول الاحتكارية الأخرى باسم الشيوعية؟
إذًا لم يكن الخط الفاصل بين المعسكرين -الاشتراكي والرأسمالي- سوى حيلة فلسفية لخدعنا بالأوهام البرجوازية.

الخلاصة:

كما رأينا أعلاه فإن العمل، والقيم، والأسعار في السوق العالمية خاضعة كليًّا لقانون القيمة، بمعنى أن الانخفاض في وقت العمل الضروري للإنتاج أو الزيادة فيه في بلد ما، سينتهي بارتفاع أو انخفاض قيم وأسعار الإنتاج في كل البلدان، أو كما يقول ماركس:

"يجب تسوية مختلف القيم الفردية بحيث لا تكون سوى قيمة اجتماعية واحدة: هي قيمة السوق، ومن أجل ذلك من الضروري أن تقوم مزاحمة بين منتجي النوع نفسه من السلع، ومن الضروري، كذلك وجود سوق يعرضون فيها، جميعهم، سلعهم -كارل ماركس، نفس المرجع السابق، ص 281".

إن درجة استغلال العمل يتوقف على الكثافة المتوسطة للعمل، لا في السوق المحلية فحسب، بل وفي السوق العالمية أيضا. و"أن المعدل المتوسط للربح يتوقف على درجة استغلال العمل الكلي من جانب رأس المال الكلي -كارل ماركس، نفس المرجع السابق، ص 302".
"إن ذلك يبين بضبط رياضي لماذا يؤلف الرأسماليون -رغم أنهم يتصرفون كأخوة زائفين في المزاحمة القائمة بينهم- ماسونية حقيقية تجاه مجمل الطبقة العاملة -كارل ماركس، نفس المرجع السابق، ص 303".

وهكذا...، إن الضابط الأساسي للإنتاج والتبادل في السوق العالمية، هو قانون المزاحمة، فبالمزاحمة نفهم حركة رأس المال وداراته؛ وفي المزاحمة نجد مشاركة كل بلد من البلدان، ومن ضمنهم بلد لينين درجة استغلال العمل. لذلك سيكون من المستحيل ظهور إنتاج اشتراكي محلي، بل وحتى احتكار الدولة للسوق المحلية بالمعنى اللينيني -رأسمالية الدولة- كما شاهدناها في انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بوصفه دولة احتكارية للسوق، ما دام قانون الفوضى الإنتاجية هو الذي ينظم الإنتاج العالمي، وأن كل مَن يدخل هذه السوق، عليه التكيُّف معها مهما يكن شكل دولته، مَلَكية أم جمهورية، مسيحية أم اشتراكية.

وهكذا، إذا رجعنا إلى قانون القيمة نرى أن القيمة التبادلية هي التي تحكم علاقات كل فرد على شكل الشاري والبائع، ثم كل دولة تقوم بالتبادل التجاري في السوق العالمية، فهل ممكن اذا تجريد (السلعة) التي يتحدث عنها السيد النمري، عن قيمتها التبادلية أثناء دخولها السوق العالمية؟ وما التبادل؟ هل التبادل يعني شيئا آخر غير تبادل القيم في السوق العالمية؟ وهل هناك قيمة تبادلية -سلعة- تنتج ضمن علاقات غير خاضعة لوقت العمل الضروري ووقت العمل الإضافي؟ وما مقياس الرأسماليين الأمريكيين، واليابانيين لتقابل سلعهم مع السلع السوفيتيتة في السوق العالمية؟ وما مقياس لينين الاشتراكي؟

للهروب من جواب هذه الأسئلة، يقوم الماركسيون - اللينينيون باختلاق مفاهيم وهمية مثل (المشروع اللينيني)، و(المباريات الاقتصادية) بين المعسكر الرأسمالي وما يسمى بالمعسكر الاشتراكي، و(التعايش السلمي) بين الرأسمالية والاشتراكية، ... إلخ.
لكن للأسف لا مجال للهروب، فكيف أن دخول كل إنتاج فلاحي مستقل السوق الرأسمالية المحلية، يعني دخوله مدار المزاحمة، وخضوعه لقوانين الإنتاج السلعي، فدخول كل سوق وطني أيضا، يعني في نفس الوقت، دخول مدار المزاحمة العالمية، والخضوع التام لقوانين الإنتاج السلعي للرأسمالية العالمية. فهل هناك إذا سحر لينيني لمنع فعالية هذه القوانين على الإنتاج المحلية؟ هل قام هذا المفكر البرجوازي بكشف قانون اقتصادي يمنع التقاسم بالعمل، والقيم، والأسعار، وتركيب رأس المال، ثم معدل الربح في السوق العالمية؟
إننا لا نعرف إلى اليوم أي قانون اقتصادي كهذا، إذًا كيف يبرر الماركسيون اشتراكيتهم في العِلم لا في الخيال؟ هل يبررونها بما يسمى بقانون "التفاوت الاقتصادي - قانون التطور اللامتكافئ"؟ ولكن ألا يقودنا هذا التفاوت إلا إلى نفس السوق التي نتحدث عنها؟ ففي التطور اللامتكافئ، والموجود منذ نشوء الرأسمالية العالمية، لا نجد أي عامل يحافظ على هذا الاقتصاد المحلي أو ذاك، من فعالية قوانين الإنتاج الرأسمالية العالمية، أو قانون القيمة، فالدارات الاقتصادية في السوق العالمية، تشبه بالضبط الدورة الدموية في الجسم، فهذه الدورة هي حركة الدم من القلب إلى الأعضاء والأنسجة في الشرايين من خلال الأوردة. وبقدر ما هو معقول أن نقول: إن القلب يقوم بدفع الدم إلى جميع أجزاء الجسم، بقدر ما هو معقول أن نقول: إن قانون القيمة هو الذي يقوم بدفع رأس المال إلى الجسم الاجتماعي لكل بلد من البلدان، فقانون القيمة يشبه القلب، بينما اقتصاد كل بلد من البلدان في السوق العالمية، يشبه الشرايين والأوردة.

وهكذا، فينطلق الماركسيون - اللينينيون من مقدمات خاطئة، ويصلون بالضرورة إلى استنتاجات معاكسة للوقائع المادية التاريخية، فإن تصورات الماركسيين - اللينينيين عن المعسكر الرأسمالي وما يسمى بالمعسكر الاشتراكي تشبه في الواقع التصورات غير العلمية للطبيب الذي يحاول إقناعنا بعيش طفلين توأمين ملتصقين، ذَوَيْ رأسين وقلب واحد، بعد فصلهما عن بعضهما.

وهكذا، فالسيد فؤاد النمري، مِثْلُه مِثْلُ الماركسيين - اللينينيين بمختلف اتجاهاتهم، لا ينطلقون من الأطروحة الأساسية لكارل ماركس، وهي قانون القيمة وفعله الكوني، ولا ينظرون إلى السوفيت من منظور الفعل التاريخي لهذا القانون؛ لذلك فهم يلعبون بالأفكار كيفما يشاؤون، فمن السهل جدا أن نقول كوبا الخمسينيات، وعراق السبعينيات، أو روسيا العشرينيات، دول اشتراكية، كما ومن السهل أيضا أن نستعيض عن قانون القيمة، والذي يعطينا نتائج رياضية دقيقة حول الدارات الاقتصادية لكل بلد من البلدان في السوق العالمية، بحكايات وأساطير عن عظمة لينين، وستالين، وتروتسكي، وماوتسي تونغ، وتأويل أفكار ماركس بالأفكار السوقية المبتذلة لهؤلاء المفكرين البرجوازيين.

ملاحظة:
هناك أسباب كثيرة لانعدام التساوي في معدلات الربح، مثلا المدة المختلفة لدوران رأس المال في مختلف الدوائر الإنتاجية. ولكن لا ندخل هذا الموضوع هنا، لأن ما أتينا به في هذا الموضوع، تظهر أهميته عندما نقارن بين المعدلات القومية للربح، والتركيب العضوي المختلف لرؤوس الأموال، وتموجات السوق العالمية، فدوران رأس المال لا يزعزع قاعدة قانون القيمة والقوانين الاقتصادية الملحقة بها، بل يكملها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التأثير والتأثر هو سمة الحياة الواقعية
تي خوري ( 2010 / 9 / 9 - 14:15 )
اخ انور , بلا شك, من يعتقد بانه يستطيع ان يعزل مجتمعا ما, اقتصاديا, او سياسيا, او ثقافيا او اجتماعيا.. هو جاهل واهم ....فالتفاعل والتبادل والتناقح والتأثير والتأثر هو سمة الحياة الواقعية؟؟؟

تحياتي لك


2 - السيد تي خوري
أنور نجم الدين ( 2010 / 9 / 9 - 16:20 )
نعم، للأسف لا يتعلق الأمر برغباتنا، والظروف التي نتصورها، والحياة التي نتخيلها. لكن معظم الاتجاهات الماركسية تتصورون ان التاريخ يمكن ان يطابق نياتهم، ومشاريعهم.
دون شك، ان مفكري هذه الاتجاهات يملكون الوعي التام بما يفعلونه، فهم يعرفون كيف ينسجون فكرة فلسفية معقولة من أحلام الناس، وثم توجيههم في فترات معينة، كيفما يشاؤن.

تحياتي


3 - قانون القيمه
فؤاد محمد ( 2010 / 9 / 23 - 22:18 )
تحيه وشكر
لقد حرمتنا الفتره السوفيتيه وذيولها وعملائها من قرائة اوسكار لانكه وابراهيم كبه ومحمد سلمان وكثيرين وحتى تروتسكي الذي ارتكب الاخطاء الجسيمه بعد ان كانت بيده العصى الظاهر انه بعد ان ارتكب الاخطاء الجسيمه اراد ان يكفر عن سبئاته التي مهدت لظهور الاستالينيه
لم يقولوا ان القوانين نفسها على اساس المجتع اشتراكي
الطامه الكبرى طلع راسمالية الدوله
والقوانين نفسها
شكرا اخ انور

اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال