الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أتْرُكُني خلفي

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2010 / 9 / 9
الادب والفن


إلى غرناطة!!!

حين أحسستُ أن جيشاً ييسحب دمَ الحنينِ من عروقي المرتخيةِ كثعلبٍ قطبيٍّ في شمسٍ أفريقيةٍ لا تعنيها التفاصيلُ، رأيتُ فجأةً جلاّداً على كتفي يغنّي مثلَ البشرِ العاديينَ، يُشكِّلُ تربةَ الوادي الحمراءَ كي تتنفّسَ خيوطَ الفجرِ الباردِ وتعبرَ الوقتَ وهي تشقُّ المدينةَ من خصرِها إلى معناها، غرناطةُ توجعُ الوقتَ دائماً، كطفلٍ يسحبُ بكاؤهُ قلبَ أمِّهِ من غيومِهِ إلى سجّادةِ صلاتِها.

يعلو صمتي كرائحةِ عاصفةٍ لا تأتي، لا أعرّي المدينةَ من ثوبِها، بل أغمِضُ قلبي كي أرى ما لا يراه الآخرون إلا في حكاياتٍ عابرة، يفتحُ قلبي علبةَ الذهولِ لينثرَها على الأجراسِ المعفيّةِ من رنينها، يوجِعُني نومُ الروح وصحوُ الحجارةِ، فأرمي مناماً من طينٍ في دربِ الشجرِ وتهطلُ الأندلس مثلَ حلمٍ خفيفٍ على هواءٍ يتلو زهوَهُ على الحضورِ الذي سيكنسُهُ حضورٌ قريبٌ عما قريب.

تعرفني الشوارعُ من أسئلتي عن ناياتها، وأعرفها من ضيقِها من عابريها العابرين، تحدثُني شجرةٌ عن أسماءِ عشّاقِها، فأحتضنُ ظلّها في طقسٍ يغيبُ فيه العالمُ عن زرقتِهِ المسالمةِ، فيما أغيبُ عن فكرتي المحروسةِ بالكلمات.

بجدية باحث عن الآثار، وبإصرار متسلقي الجبال، وبعنفوان نمر يتمرن على الصيد، وبأحلام شاعر مبتدئ، بحثت عنك في سياق الكلام فوجدتك خارج اللغة، رحتُ أعلِّقُ لهاثَ الشمسِ في بحارٍ تحاولُ اختلاقَ ذريعةٍ للموجِ، ورحتِ تخرجينَ من ظلِّ النوارسِ التي جاءتْ حاملةً بحراً بسُفُنِهِ ورواياتِهِ وعواصِفِهِ، تجرحينَ القلبَ راسمةً خوفَكِ على كثافةِ الهواءِ، يطمئنُكِ انغلاقُ عينيَّ: لو كنتِ عاريةً في جيبِ قلبي، ستخرجينَ بيضاءَ من غيرِ سوءْ...

أعراقٌ من الجمالِ المنحازِ للحياةِ، يفرضُ صوتَهُ على بلاطِ الأرصِفة، كقططٍ تحملُ مواءَها في فرائها، جاهزاً للنموِّ وحاسراً كنهرٍ شعريٍّ يُكرِمُ الكرومَ وينشيءُ جيشاً للريحْ، وحينَ تخضُّ الذكرى صوتَ النايِ في صمتي الطويلِ على الرصيف، أكتشفُ أن مفردةَ الرصيفِ ليستْ كافيةً، الأرصفةُ مدنٌ والمدنُ لا تتشابهُ.

تخدشني الفكرةُ، يتحوّلُ جلدي شتلةَ أمنياتٍ، وغروبٌ حالمٌ في آخرِ المشهدِ يشربُ انتظاري لما لا أعرفُ، ألوِّنُ العمرَ ليلةً ليلةً في زخارفَ تأكلُ القلبَ على مائدةٍ من خشبٍ مجهولٍ، الوقتُ يسرقُ حقائبَ الكلام، وأمرُّ منكمشاً ومنتصباً وباكياً وساخطاً ومنتمياً ومنكراً ومحتلاًّ ومحتلاًّ وخائفاً ومرعِباً وسارقاً ومسروقاً ومعشوقاً ومكروهاً وطائراً وزاحفاً...

أَتْرُكُني خلفي، وأخرجُ ثقيلاً خفيفاً لا أعرفُ أيَّنا الباقي وأيَّنا تفرفطَ على فسيفساء الأرصفة...

9 أيلول 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رسالة خطية
سعد عبد محمد ( 2010 / 9 / 14 - 08:08 )
قدْ يسبقني الشعور بالمتعة ليُعلن إعجابه المفرط بكلمات داعبت شجوني وتُحاكي بغداد بكلماتك وشعوري بها ايّ اني تخيلت نفسي مكانك واضع بدل غرناطة اخت بغداد بدل بغدا د لكن هذا ماجعلني اشعر بحروفك المتنفسه الحب والابداع تقبل تحياتي

[email protected]
سعد عبد محمد
شاعر وكاتب عراقي

اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل