الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرارة العسل الهندي

شذى احمد

2010 / 9 / 9
الادب والفن


عندما صرخ سلفادور دالي ذات يوم مستنكراً امراً ما لم يحتج لأنه رسام موهوب، واسم لامع بل صرح بعبارة محيرة هاتفاً: عليكم احترامي فلقد ولدت في زمن السينما.. ربما ضحك بعض من سمعها وقتذاك، لكن هل كانت عبقرية دالي في استقراء المستقبل لا تقل لمعانا عن عبقريته في فن الرسم . الزمن أجاب بنعم.
الأفلام. السينما. المسلسلات التلفزيونية أو الدراما كما يحبون تسميتها اليوم تستحوذ على جل اهتمام الجمهور العريض وتستقطبه لأهدافها المعلنة والمبطنة، ومشاريعها.
لايستثنى من هذا التعداد أيا من الدول المتواضعة الإنتاج بل هي مستهلكة ومدمنة على الدراما لكل ما تنتجه أو ما تستورده.
الملفت إن إنتاجها يتسم أحيانا كثيرة بالسذاجة والهيافة ، أو يفتقر لأبسط مقومات العمل الفني رغم أن السينما العالمية قد دخلت مرحلة الرقميات والإبعاد الثلاثية وصارت تخاطب أفلامها الخيال .
لماذا ربما لان القائمين عليه لا يملكون الوقت الكافي في العناية بهذه الصناعة وتقدير قيمتها فرغم الإمكانيات ،والإنتاج الضخم تجد الإعمال هزيلة باهتة بلا طعم أو معنى بل تعزز تخلف الناس وتخدر مشاعرهم وحواسهم وتناغي موروثهم الاجتماعي الخاطئ مثل النظرة الدونية للشعوب والأقوام الأخر ..والظن ـ رغم التخلف والفقر والدمار والتهميش ـ بأنهم أفضل منهم وان من حقهم السخرية من الآخرين وطريقة عيشهم ولغتهم ، والاستهزاء بحضارتهم .. فبماذا وعلى أي أسس كونكريتية دفعت هذه المؤسسات الإنتاجية للنيل من الآخرين والانتقاص منهم.
تعود علينا بعض الفضائيات العراقية كل سنة بسلسلة من الأعمال الارتجالية البائسة التي لا تفهم منها سطرين وليس بها حوار معقول بل تهريج حتى تصاب بالغثيان وأنت تتابع الحال البائس الذي آل إليه الفن في هذا البلد الذي كان قد خطى خطوات مهمة في الأعمال الفنية الرصينة والجادة وكان يشاد بأعلامه.
من ضمن هذه الأعمال أعمالا تتناول الهند موضوعا مثل: حب في الهند وفلم هندي، وربما سيأتي لاحقا تمر هندي . لا تضوج بالهندي.. وفيها تجد الفنانين يهرجون .يصرخون ، وينطنطون بطرق تجعل المشاهد يتصبب عرقا من الخجل وهو يتابع ما يدور. لماذا الهند؟
سيقال لأنها حضارة عظيمة .. هل أظهرت الأفلام والمسلسلات الهزيلة هذه شيئا من عظمة حضارة الهند . هل سطرت لنا التقدم والتطور الهائل في بلد الديمقراطيات الأولى في العالم .. هل نقل شيئا مفيدا ـ لبلد يتمزق ـ عن التعددية والتعايش بين الطوائف والفرق والشعوب والأديان المختلفة في الهند. هل نقلت التسارع الخطير في التقدم التقني والعلمي في الهند على سبيل المثال لا الحصر ما حققته الهند من نجاحات في البرمجيات والأشواط التي قطعتها فيها. هل تحدثت المسلسلات كيف يبدع الهنود في الانتقال ببلدهم المتنوع الأعراق واللغات والديانات الى مصاف الدول العظمى، ويضمنون لأنفسهم مكانا في الغد.
الإجابة على كل هذه الأسئلة لا..بل ما زالت هذه المسلسلات تستعرض الصورة النمطية المقيتة والمتعالية عن الهنود، وتسخر منهم وتصورهم بأنهم سذج ،مغفلون تمط الكلمات المحورة عن لغتهم لمزيد من السخرية بهم.
لا يهم ليسخر من يريد، لكن هناك أسئلة بالمقابل تستحق الإجابة. دخيلكم ما الذي يتفوق به العرب كلهم بالإجماع عن الهنود ..أين قنبلتهم الذرية،، أين أقمارهم الصناعية .. أين صناعتهم الخفيفة والثقيلة ، من ابسط الأدوات مرورا بالكمبيوترات المحمولة على الهواتف الخلوية الى الكمبيوترات المحمولة بأسعار تلائم طلاب المدارس فالبرمجيات حتى صناعة السيارات التي راحت تنافس بها كبريات الشركات العالمية .. إضافة الى صولاتهم وجولاتهم في حقول الفن والأدب والإبداع وما قدموه ويقدموه كل يوم يحبس الأنفاس . السينما الهندية غزت الدول الأوربية صارت ركن مهم من أركان مكتباتها فتجد أفلام بوليود في كل مكتبة سينمائية أو متجر. حتى هوليوود التي جاهدت لإيقاف زحفهم لم تملك قبل سنتين من إدارة ظهرها للمتشرد الذي ما أن سار على بساطها الأحمر حتى حصد ثمان جوائز اوسكار.
إذن لما يتناولون الى اليوم الهند ويسخرون منها. أظن الجواب ابعد من التعالي والانتقاص من شعب وحضارة لن تنال منها أعمالا نكرة مثل هذه لكن القضية المخيفة هي أن هذه الأعمال يتابعها البسطاء والمسحوقون ومن لا يجد قوت يومه ،فتساهم بدورها في إغراقه بوهم التميز والاستعلاء والمكانة الرفيعة عندما تقدم له الآخرين على نحو مخزي ومشين. تعزز إحساسه بالنرجسية وتدفعه للشعور بالخدر والتكاسل. فهل سأل أيا من المشاهدين بما أتفوق انأ عن الهندي؟. قبل أن يصدمه الجواب عليه فقط أن ينظر لبعض الحقائق التي سطرها المقال ليجد نفسه يرد متى أتوقف عن الوهم واحترام نفسي قبل الآخرين.
يبرع القائمون على مثل هذه الأعمال في النيل من المتناولين لإعمالهم بالنقد والاستعراض باتهامهم بأنهم صحافة صفراء. ليكن صفراء حمراء خضراء أو حتى صحافة البازلاء .. كل هذا لا يعفيهم من أن يكونوا احد أسباب البلاء في تدمير الشخصية ومنعها من التفكير الجدي بواقعها المرير ومحاولة النهوض والمساهمة في فهم العالم الجديد حيث يسعى الناس للحصول على فرص مساواة عادلة وسلوك حضاري تتقلص فيه حتى تكاد تختفي الخصائص العدائية والإحكام الجاهزة القادمة من عهود التخلف والهمجية.
للحديث بقية
الى اللقاء
د. شــذى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نسبية
مازن فيصل البلداوي ( 2010 / 9 / 11 - 07:21 )
د.شذى
تحية طيبة
نسبي ومطلق هي المعايير،الكثير لايميز بينهما والكثير يطلق الأوصاف اما لأنه سمعها او نتيجة التعايش مع فئة معينة يستقي منها النسبية وثم يطلقهاز
السينما الهندية لها درجات كما لباقي السينمات ولعل مايعرض امام الكثيرين هو من الدرجات تحت الجيدة،ولها طابع يكاد يكون مكررا في جميع الأفلام او باستطاعتنا القول انها سمة.
والنقد والأنتقاد كما تفضلت هو موضوع ليس له اسس حقيقية الا النظرة النرجسية،أتت من النظرة العامة او من النظر الى الحالة العامة لبلد كالهند،فهي دولة نووية لكن شوارعها لازالت غير نظيفة(مثلا) فماذا افعل بالنووي كسلاح ان لم اسخر طاقتي لعكس انطباع جيد على تقدمية البلد؟ ولازال الفقراء والمسحوقون يمثلون شريحة واسعة من المجتمع.
والجهل بمزايا المجتمعات وامكاناتها هو احد الأسباب التي تجعل (النرجسي) ان يطلق حكمه العام على الأخرين، فأعتقد انه من الأحرى ان نعرف شخصية مطلق (الوصف) قبل ان نأخذ بالأستنتاج المجمل، مامعناه..هل ان مطلق الوصف يعرف طاغور مثل وماهي اعماله؟ وهل يعرف ماهي تعددية الديانات الهندية وماهي انتماءاتهم الفكرية؟
البعض يشبّه غاندي بالمسيح لتشابه طريقة عملهم

تحياتي


2 - المفكر مازن فيصل البلداوي المحترم
شذى احمد ( 2010 / 9 / 11 - 07:38 )
كلما قرأت لك تعليقا سواءا على مقالاتي ام مقالات زملائي يزدادد اعجابي بطرحك المتسم بالاتزان والعلمية والموضوعية بالطبع
زميلنا المحترم
ان ما تفضلت به صحيح لكن هل تعرف ان دول غربية عديدة لا تاتي اسمائها بالاخبار لانها لا تعيش كوارث يومية ايضا شوارعها ليست نظيفة واخرى مشهورة في مقدمتها باريس ولندن حيث الرائحة النافذة تزكم الانوف في ابرز معالمها الحضارية ومحطاتها! تستغرب . الفرق انها دول تجيد التصنع واظهار وجهها الحسن ولا يعرض لك التلفاز الا مناطقها النظيفة
المشكلة ليست السينما او النظافة المشكلة في علة التسمية والاحكام الجاهزة التي تطلق جزافا وهذا بيت الداء. عيب على بلد تمزقه الصراعات ويعيش في حالة مزرية من غياب الدولة والامن ان يقفز على واقعه فنا ويخدر الناس بامراض واوهام كان لها دورا في تردي احواله وابرزها النظرة الاستعلائية على الاخرين وعلى بعضهم البعض الا تتفق معي في العراق مازالت تحكم انا افضل نسبا وهذا احسن وذاك اصله كذا ونحن وهم من اجل هذا اتخذ المقال موضوعه الهند محورا لانه يعكس احد وجوه هذه الحقيقة. ملاحظاتك القيمة تغني المتلقي على الدوام اتمنى لك السلامة .. اعتزازي وتقديري


3 - أقتضاب
مازن فيصل البلداوي ( 2010 / 9 / 12 - 18:50 )
العزيزة د.شذى
قبل كل شيء اود ان أشكر كلماتك المجاملة والتي اخجلت تواضعي،حقيقة
التعليق ايتها الكريمة هو محاولة اجمال فكرة عن عموم واسع،ولهذا فقد يفتقد احيانا للوضوح،لأن الأقتضاب في الكلام مع المثقفين هو من دواعي استثمار الثقافة والا تعادلت كفتي الميزان وهذا مالايجوز عقلا.
نعم،اتفق معك في ماذكرت،ولأني لاأحب القراءات الطويلة لأتي أعتبرها تأخذ بالقارىء الى الأستعجال في القراءة مما يتيح فقدان الجهود،ولذلك احاول الأقتضاب قدر الأمكان لأيصال الفكرة
الأستعلاء هو ميزة يتبناها غير المتحصر لقصور في علمه ودرايته وجهله بالأخرين،وهنا ارجع الى قول الأمام علي(جلست مع العالم فأفحمته وجلست مع الجاهل فأفحمني) وبعيدا عن موضوع العراق ووضعه الحالي،ثقي تماما ومن محاوراتي الشخصية مع جنسيات متعددة،فأن الأستعلاء موجود عند الجميع ولكن بنسبية،والفرق بين هذا وذاك هو الظرف والبيئة
فمثلا،ان التقليد الموجود لدى الهنود وهو-عفوا-(البصق على الشارع) هو احد الأساليب التي ابتدعها غاندي ليقرف بها الأنكليز،ذهب الأنكليز وبقيت عادة البصق لايستطيعون ايقافها على الرغم من انها تحيل الشوارع الى قطع ذات بقع حمراء-بنية نتيجة مايضعوه


4 - تتمة اقتضاب
مازن فيصل البلداوي ( 2010 / 9 / 12 - 19:02 )
نتيجة لما يمضغونه من التنباك،اذا هي مسألة ثقافة الفرد يادكتورة، وثقافة المجتمع، هي مسؤولية المثقفين وأهل العلوم،هي مسؤولية الوطنيين ، انا لااستطيع العتب على الحكومة الهندية، لكني اعتب بشدة على الشعراء والكتّاب واساتذة علم الأجتماع الهنود

المقارنات التي تسمعينها من مثيل، انا وهو، نحن وهم، هي وليدة التغذية السياسية الأجتماعية لعهود طويلة لن تتغير الا بتغيير الفكر التعليمي ومناهج الدراسة وترسيخ مفهوم الوطنية الحقة،الأنغلاق والتقوقع ومعهم الفقر المادي والعلمي عناصر تبيد الحضارة،من يتصدى لها؟
قد تكون اعمارنا متباعدة نوعا ما، الا ان افكارنا متقاربة،فهل يفكر الأخرون بهذه الطريقة،ان اعمل مع من هم اصغر واكبر مني من اجل ابراز العوية الوطنية؟
انت على علم ان اختلاط المفاهيم ومنذ قيام بداية الأسلام واختلاطه بمفهوم القومية قد اوجد نتاجا غير واضح الهوية اسهم على تمزيق الهويتين الأساسيتين وتغيير وجههما، وها نحن اليوم نعاني من فقدان السيطرة على هذا المسخ الذي انتجه الأختلاط..........والحديث يطول، فعذرا للأطالة

تقبلي احترامي وشكري مرة اخرى

اخر الافلام

.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف


.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول




.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس


.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش




.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24