الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة إحراق كتاب

ساطع نور الدين

2010 / 9 / 10
بوابة التمدن




السفير


النار عبادة، بل هي ام العبادات والاديان، قبل ان تتحول الى علامة الآخرة وخلاصة العذاب. لكن ألسنتها لم تمتد يوماً الى الكتاب، اي كتاب سواء كان مقدساً ام مكفراً، الا واحترقت به وأحرقت معها مشعلَها، وكانت اشارة الى انحطاط امة او ثقافة او هوية.
في التاريخ سجلات كثيرة على استخدام النار للتخلص من كتاب ما، في طقس وثني تكرر مع غالبية الحضارات والشعوب، التي سرعان ما اكتشفت العار الذي ألحقته بنفسها وودّت التخلص من تلك الصورة المشينة المحفورة في الأذهان، بلا جدوى، والتنصّل حتى من العظماء الذين أقدموا على ارتكاب مثل هذه الخطيئة القاتلة، في لحظة غضب او جنون، ندموا عليها في ما بعد.
لا ينتمي القس الأميركي تيري جونز الذي ينوي أن يشعل جبل النار غداً السبت بنسخ من القرآن في كنيسته الصغيرة في بلدة غينسفيل في ولاية فلوريدا، الى هذه الفئة من الرجال الذين مسهم في وقت من الاوقات جنون العظمة ودفعهم الى التجرؤ على كتاب يتحدى معتقداتهم او افكارهم. لكنه يحتل الآن مساحة من الاهتمام تعادل تلك التي نالها أسلافه، مشعلو الحرائق التاريخية المروعة لكلمات لم تمت بل اكتسبت زخماً وانتشاراً وشعبية اضافية.
ليس رجل دين، بل هو انسان معتوه بكل ما للكلمة من معنى. اختار اللجوء الى هذه الخطوة الحاذقة في الذكرى التاسعة لهجمات 11 ايلول على نيويورك وواشنطن، من أجل ان يحظى ببعض الشهرة ومن أجل ان يجمع لكنيسته المفلسة بعض المال. وقد حقق الهدفين معاً، وحصل على نسخ اضافية من القرآن، من متبرعين ومؤيدين يودون ان يزيد جبل النار ارتفاعاً.. او ان يحتدم الجدل وتشتد المساومة، وتصل الى اهدافها الحقيقية، المطروحة منذ مدة على الاميركيين، الذين تبين في استطلاع أخير ان ربعهم يعتقد ان الرئيس باراك اوباما مسلم، وظهر في استطلاع آخر ان اكثر من نصفهم يكنّ الحقد والكراهية للاسلام والمسلمين عموماً، ولا يميزون بين معتدليهم ومتطرفيهم.
ردود الفعل الشاجبة لهذه الخطوة ساهمت بلا شك في تضخيمها وفي خدمة القس جونز، الذي لا يرتاد كنيسته اكثر من ثلاثمئة مؤمن، والذي تنكرت له كنائس اميركية والمانية شارك في تأسيسها، بل وتنكرت له اسرته ووصمته بالتطرف والجنون. لكن الأهم هو ان هذه الردود تورطت بشكل غير مباشر في نقاش داخلي اميركي حاد بدأ مع مشروع بناء المركز الإسلامي على مقربة من موقع هجمات 11 ايلول في نيويورك.. اطلق لدى الاميركيين أسوأ وأخطر عصبياتهم وتوتراتهم، وميولهم السياسية والاجتماعية المحافظة التي يتوقع أن تتجلى وتستردّ مواقعها في معركة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني المقبل.
لكن الفرز في هذه المعركة لا يتمّ بين حكماء ومعتوهين، تفصل بينهم جبال النار. ثمة دولة متقدمة، ودستور متطور، لا يحرمان احراق الكتاب، اي كتاب، ولا يجرمان الفاعل.. قبل تلقي التحذيرات من الخطر على سلامة الجنود الاميركيين المنتشرين في ديار المسلمين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 5.4 مليار دولار تكلفة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة


.. تصاعد الانقسامات السياسية.. حرب غزة لم تنجح في توحيد الصف ال




.. طفلان يختبئان داخل تنورة والدتهما من البرد في غزة


.. كتائب القسام تعلن أن مقاتليها قطعوا إمداد قوات الاحتلال شرق




.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه