الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية المعرفي والجمالي في الخطاب الادبي

مالك مسلماوي

2010 / 9 / 10
الادب والفن


بدءاً يمكننا إحالة أي نص أدبي أو فني إلى مرجعية معرفية بحسب طبيعته ودوافعه وما يرمي إليه ، وعلى هذا الأساس تم تقسيم النتاجات الأدبية والفنية إلى مدارس مختلفة ، كلٌ لها سماتها وأساليبها ومرجعياتها الثقافية والاجتماعية . . وهذه المرجعيات لابد تنبع من رؤىً شاملة متمايزة نحو الحياة غاية ً ووسيلة .ً وكل اتجاه أو مدرسة مرتكز أساساً على فلسفة معينة تتجاور أو تتقاطع مع مثيلاتها من الفلسفات الأخرى .
فالمدرسة الواقعية مثلاً تبدأ من الواقع وتنتهي إليه ، بينما تبني الكلاسيكية اشتراطاتها المثالية وتقصر الأبعاد الجمالية على السياقات والقيم الموروثة والدفاع عنها . وهكذا تعددت المدارس الأدبية – كما هو معروف – وتوالدت بموازاة التغيرات الاجتماعية والسياسية ، فكانت الرومانسية المتمردة والرمزية المعتمة والسريالية العبثية والوجودية الجدلية وصولاً إلى الوقت الراهن المزدحم بالرؤى والاتجاهات المتصارعة كالبنيوية والتفكيكية في مدارج الحداثة وما بعدها .
وعوداً إلى ما حفل به العصر الحديث من اتجاهات متضادة في موضوعات جدلية كنظرية الفن للفن ونظرية الفن للمجتمع ، وشيوع مصطلح الأدب الملتزم . . وكذا دخول الأيديولوجيا بالضد من التيارات الليبرالية والتقدمية .
ولسنا بصدد الخوض بتاريخ الحركة الأدبية والفنية فذلك لا يعنينا هنا ، بقدر ما نعرضه من رأي حول موضوعة العلاقة بين ما هو معرفي وما هو جمالي, نقول ليس من طبيعة الأدب الحقيقي أن يأخذ دور المتن الفلسفي والترويج لمفاهيمه المجردة ولكنهما كثيراً ما يلتقيان بانكشافات واتجاهات في النظرة للأشياء ، فالأديب بما له من ثقافة وسعة ذهن يمتلك يالضرورة- نظرته الخاصة للحياة ووقائعها التي تنعكس بطريقة جمالية في منتجه الأدبي .
وللتعبير عن رأينا عن علاقة الأدب في الفلسفة نرى - على سبيل المجاز – إن المسافة بين الفلسفة والأدب أو الفن عامة هي ما تمثله المسافة المعلومة بين العقل مركزاً للتفكر والقلب مركزاً للتأثر . والظاهرة الحياتية ( الحيوية ) ليست حاصل تجاور منظومتين منفصلتين ، إنما هي ظاهرة لوجود واحد متكامل لا يمكن تجزئته إلا مجازاً ، والإبداع هو تعبير عن فكرة أو إحساس ما لا يُنتج إلا بشبكة من الفعاليات البايولوجية وما يتخللها من عمليات الحس ، التفكر ، الحركة .
إن الانفعال الذي هو من أسس الإبداع الفني هو استجابة ( انعكاس ) لواقع موضوعي / ذاتي ، لكنها استجابة متباينة مع كونها متماثلة في المعطيات الحسية والشعورية ( فعالية الحواس ) . وهذا التباين منشأه تباين في الخبرة والتراكم المعرفي الذي يأخذ دور الموجه للاستجابة لتظهر على شكل نص شعري / نثري .
والحاصل لدي إنه لا حدود حاسمة بين ما هو فكري ووجداني فالفيلسوف أو المفكر يشعر بالسعادة أو الألم من جراء سعيه في تأسيس أو معالجة فكرة ما . والأديب والفنان ينطلق من فكرة يبني عليها عمله الإبداعي .
وحتى لا نبتعد عن غايتنا في الخوض في محور العلاقة بين الأدب والفلسفة نقر أولاً بوجود مشتركات مرئية ولا مرئية بينهما . على أننا نقر أيضاً بأن الأدب قد يكون بعيداً عن التفلسف في اشتغاله على الجزئي والوقائعي المحدد ، فيوصف بضيق الرؤيا أو الفقر المعرفي . وعلى الضفة الأخرى قد ينطوي النص على مفاهيم وتوصلات عميقة تدعم بعده الجمالي وتمنحه القدرة الخارقة على التأثير في متلق ٍ بعينه .
فالأديب ربما كان فيلسوفاً بحدود ما يجنح إليه النص من رؤىً ذات محمولات فكرية . . فشعر المعرّي ( مثلاً ) يصدر عن فلسفة عدمية ، ونظرة شمولية واعية للوجود . والبيت التالي له يلخص الكثير من الأفكار :-
يحطمنا ريبُ الزمان كأننا
زجاجٌ ولكن لا يُعادُ له سبكُ

وهكذا نستشف المفاهيم الفلسفية منبثة في شعر الكبار ، كالمتنبي وأبي تمام وأبي نؤاس وغيرهم ، حتى إنك تعتقد بأنه ليس من شاعر أو أديب حقيقي يخلو منجزه من مفهوم فلسفي أو فكري . وقبل ما يقرب من 1500 عام ( ينشق ) الشاعر طرفة بن العبد ويتمرد على القيم السائدة ويطرح أفكاره الوجودية ، وتمسكه بالحياة اللاهية على رمل الصحراء .
ولتأكيد علاقة الأدب بالفلسفة قصة ( حي بن يقظان ) التي كتبها الفيلسوف المسلم ( أبن طفيل ) وعرض فيها لأفكاره عن التطور وعلاقة الفلسفة بالدين بقالب قصصي رمزي ممتع .
وفي العصر الحديث انعكس ما للأديب من ثقافة ومعرفة في أدبه ولقد أعجبنا بأعمال أدبية جديرة بالاهتمام أمثال ما كتبه نجيب محفوظ وخاصة ً روايته الإشكالية ( أولاد حارتنا ) وفي الشعر ( مطولات الجواهري ) . وأمثلة من أدب الآخركرواية الشيخ والبحر ل(أرنست همنغواي) ، و وكذا موضوعة القلق الإنساني في قصيدة ( الارض اليباب) ل(ت.س. أليوت ). تلك الآثار وغيرها كتبت على خلفية فكرية وثقافة إنسانية عميقة وسوقت بأدواتها الفنية العالية جعل منها ذلك حاضرة في الذاكرة .
لكن ما يجدر الإشارة إليه هو أن الأدب العربي - على العموم – انشغل بالحسي والجزئي والتفصيلي مع غياب البعد الميتافيزيقي ، ولم تتهيأ له الفرصة والظرف التاريخي ليتعاطى مع المجرد والكلي والموضوعات الكبرى ، لأسباب منها :-
1- طبيعة الظروف البيئية والحياتية التي سرقت منه لحظة التأمل والصفاء ، فظل صوته صدىً لواقع يعاني من الاضطراب والفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية . . فانكفأ على ذاته ، أو بات أسير ( تابوات ) اكتسبت صفة القداسة على مر حقبٍ طويلة كما هو معروف عن أغراض الشعر العربي الموروثة ، والتي تحولت لاحقاً إلى موضوعات أيديولوجية وشعارات مجردة كالثورية والوطنية والولاء للهوية . وهذه وإن أبدع فيها إلا أنها تتسم بالسطحية والغلو في الصنعة والاستفادة من جماليات اللغة ، ولذا ظل الشعر العربي مفعماً بالغنائية ، وحتى قصيدة الحب كانت ذات بنية انفعالية آنية ، ولم ترقَ إلى مستوى النظرة الذكية إلى الجنس الآخر ، بمعنى كونها أقرب إلى القصيدة الغرائزية .
2- الشح الثقافي والمعرفي للظروف التي أشرنا إليها ، وهيمنة الأيديولوجيات التي من شأنها تقنين المسارات الفكرية .
3- غياب الحرية . . جعلت منه خاضعاً للسلطة والقيم السائدة ، فلا يفكر إلا ما تفكر هي فيه ، ولا يقول إلا ما تريد أن تسمعه . .
والخطاب الفلسفي خطاب مفاهيمي تجريدي يعتمد الآليات العقلية أما الخطاب الأدبي فهو خطاب جمالي يعتمد على آليات اللغة وانزياحاتها وأساليبها . ولكن كلا الخطابين يشتركان في الوسيلة,اعني اللغة مما يجعل الحوار والتنافذ قائما بينهما.. وان حدث الفصل , فان الخطاب الادبي يفقد مقوماته الجمالية وقدرته على البقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي