الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترجمة فى عصرالعولمة

جودت هوشيار
كاتب

2010 / 9 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لا جدال فى أن الترجمة او النقل من لغة الى اخرى ، ضرورة أنسانية لا يمكن لأى مجتمع أن يستغنى عنها ، مهما بلغ من من الرقى و التقدم . لأن الترجمة هى الأداة الرئيسة للأتصال و التفاهم و التقارب بين الأمم المختلفة و التفاعل الخصب بين ثقافاتها ، و هى الوسيلة الأساسية لنقل المعارف و العلوم و التكنولوجيا و تطويعها للأحتياجات المحلية ، بما يؤمن تحديث المجتمع بوتائر متسارعة .
ففى عصرنا الراهن ، عصر ثورة الأتصالات و المعلومات ، تزداد الحاجة الى الترجمة أكثر من أى وقت مضى و ذلك لمواجهة الكم الهائل من المعرفة العلمية – التكنولوجية و ألأنتاج الفكرى و الثقافى و الفنى التى تنشر و تذاع و تقدم بمختلف اللغات عبر شتى الوسائل البصرية و السمعية ، و جعلها متاحة للجميع عن طريق الترجمة المتبادلة ,
و تشهد الدول المتقدمة – او بتعبير أدق، الدول المتحضرة – تصاعدا مستمرا و نموا مضطردا فى حجم النشاط الترجمى و تنوعا فى حقوله و تعددا فى طرائقه وو سائله ، بحيث أصبح هذا النشاط و مدى أتساعه و شموله لأهم حقول المعرفة مؤشرا مهما و أكيدا على مستوى التقدم الحضارى لهذه الدول و أسهامها فى تطور الحضارة الأنسانية .
و رغم شعار العولمة و ما يقال عن زوال الحدود و القيود بين دول العالم ، الا أن الشواهد العملية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، أن الفجوة العلمية – التكنولوجية تزداد عمقا و أتساعا يوما بعد يوم بين الدول المتقدمة و الدول النامية .
و فى الوقت الذى تنتقل فيه المعلومات فى شتى حقول المعرفة بسهولة ويسر بين الدول المختلفة فى العالم المتقدم عن طريق الترجمة المتبادلة بين لغاتها، نجد أن الدول النامية – التى هى أحوج ما تكون الى هذه المعلومات لتطوير و تحديث مجتمعاتها – تقف عاجزة عن ملاحقة و أستيعاب و لو جزء يسير من هذا الفيض الهائل من المعلومات ، لأفتقارها الى خطط و برامج مدروسة لنقل أهم و أحدث ما توصل اليه الفكر الأنسانى الى لغاتها ،أضافة الى عدم توافر مقومات الترجمة و مستلزماتها من امكانات مادية و طباعية و كوادر ترجمية مؤهلة من حيث العدد و الأختصاص و الكفاءة ، ناهيك عن أفتقار لغاتها الى المصطلحات العلمية و التكنولوجية التى تغطى كافة أو فى الأقل أهم حقول المعرفة . ذلك لأن لغة أى أمة تتطور بتطورها و لا يمكن للغة ما – مهما بلغت من السعة و الثراء – ان تستوعب المصطلحات الجديدة ، الا أذا اصبحت هذه المصطلحات جزءا من اللغة العلمية المتداولة لتلك الأمة .
و بموازاة النشاط الترجمى المتعاظم المنظم فى الدول المتقدمة و المتمثل فى المؤسسات و المعاهد المتخصصة و جمهرة المترجمين المؤهلين فى كل أختصاص ، أخذت ( نظرية الترجمة ) تتطور و تتعمق و تتشعب بسرعة كبيرة على أيدى علماء الترجمة و منظريها ، انطلاقا من نتائج التطبيقات العملية الواسعة للترجمة بشتى فروعها ، بحيث أصبحت لنظرية الترجمة أصولها و مناهجها و مبادئها و مصطلحاتها التى تعقد من أجلها الندوات و المؤتمرات العلمية على الأصعدة الوطنية و الأقليمية و الدولية ، كما انها تدرس فى الكليات و المراكز المعنية , و ثمة عشرات المجلات المتخصصة بنظرية الترجمة و تطبيقاتها تصدر بشتى اللغات فى كثير من الدول المتقدمة و بخاصة فى أوروبا و الأميركيتين .
و نظرية الترجمة – كما يفهمها علماؤها و منظروها – تتجاوز تلك النظرة الساذجة الى الترجمة كنشاط ثانوى لقسم من الكتاب و المثقفين الذين يعرفون هذه اللغة الأجنبية أو تلك ، كما أنها تتناقض مع الأعتقاد السائد فى المجتمعات المتخلفة ، بأمكانية ممارسة هذا النشاط من دون الألمام بالمبادىء الأساسية لنظرية الترجمة (هذا اذا كان المترجمون المحترفون فى هذه المجتمعات قد سمعوا بهذه النظرية أو قرؤا عنها شيئا على الأطلاق ) .
ان الترجمة – لم تعد جهدا فرديا تطوعيا يترك للرواد و الهواة , ففى ضؤ الكم الهائل من المعلومات التى التى تتطلب تحويلا مستمرا من لغة الى أخرى لضرورتها للعمل و الحياة ، لا يمكن ترك عملية الترجمة للأفراد و أختياراتهم و قدراتهم فحسب ، كما لا يمكن أنجازها كنشاط تكميلى لنشاط أصلى ، و أنما ينبغى أن يعهد بها الى مؤسسات و معاهد و مراكز متخصصة متفرغة كلية لهذا النشاط ,
ان التخلف فى حقل الترجمة له نتائج سلبية عميقة فى حياة المجتمعات ، لعل أخطرها ، تكريس التخلف و التبعية العلمية – التكنولوجية و الثقافية للدول الأكثر تقدما . لقد آن الأوان لبذل كل جهد علمى ممكن من أجل تجاوز كل ما يعرقل النشاط الترجمى المنظم فى بلادنا ، ليتسنى لنا مواكبة انجازات الحضارة الأنسانية المعاصرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صحيح
مازن البلداوي ( 2010 / 9 / 14 - 05:09 )
الأخ الكاتب
كلام صحيح جدا، وياليت ان يقرأ ماكتبته المختصون، فهو كلام في الصميم

شكرا لك
تحياتي


2 - رأى
عزيز ينسين ( 2010 / 9 / 14 - 07:56 )
السيد هوشيار
لقد احسنت باختيار هذا الموضوع في توقيته واهميته وذلك لاستسهال الكثير بادب الترجمه اذا تسنى لنا القول اذ ان الترجمه تتطلب اتقان اللغتين المعنيتين بالترجمه لقد قرات قبل ايام مسرحية هاملت من اصدارات دار المدى بترجمة الشاعر صلاح نيازي وكانت مختلفة تماما عن الترجمه المعروفه للروائي المعروف جبرا ابراهيم جبرا اشهر من ترجم اعمال شكسبير للعربيه وفي مقدمة الشاعر للكتاب دراسه رائعه عن ادب الترجمه وشروطها بل ويقنعك بالحجه والامثله بالاخفاقات التي صاحبت ترجمة جبرا وهو الذي درس الادب الانجليزي في ارقى جامعات بريطانيا وكتب بعض رواياته بالانجليزيه لا اريد ان انحاز الى اي جانب ولكني صراحة عرفت شكسبير جديد عما عرفني به جبرا ادعوك لقراءة هذا الكتاب وذلك لانه موضوع اهتمامك
الحقيقه قرات موضوع عرف بانه مترجم قبل ايام على هذا الموقع وكانت لي ملاحظات مختصره لاتبتعد عما وضحته حضرتك وباسهاب بمقالتك الغنيه ولكن للاسف منع التعليق وتحداني المترجم؟؟ بكتابة مقال مترجم وكاننا بلعبة زورخانه ملاحظه اخيره سيد هوشيار اعتقد ان ترجمة اي موضوع يجب ان تكون من قبل يتبع


3 - رأى
عزيز ينسين ( 2010 / 9 / 14 - 08:15 )
الترجمات للمواضيع يجب ان تكون من صلب اختصاص المترجم ودراسته فالشاعر يترجم شعر والروائي يترجم روايات والطبيب يترجم المراضيع المتعلقه بالطب والخ ولكن هذا لايعني من درس الترجمه ان يترجم مواضيع مختلفه وان كان هذا الامر سيبقى محدودا ويشكل تحدي كبير
اما ان نترك الامر للهواة كما تقول فتلك كارثه بل احيانا تضر اكثر مما تنفع فمن غير الممكن ان نقرأ ترجمه لشخص لايستطيع ان يكتب سطرين و بلغته الام دون ان يرتكب اخطاء املائيه ونحويه لاتغتفر انها لاتكون ترجمه بل شئ اخر؟
السيد هوشيار شكرا لمقالك ولموضوعك المهم هذا
تحياتي واحترامي


4 - اعتذار
عزيز ينسين ( 2010 / 9 / 14 - 09:21 )
اعتذر عن بعض الاخطاء الطباعيه مثل حرف الراء في المواضيع الطبيه


5 - مقال مركز و رائع
زينب جلبى ( 2010 / 9 / 14 - 09:54 )
قال انطون تشيخوف ذات مرة : الموهبة تتجلى فى الأيجاز المبدع ) و هذه المقولة تنطبق تماما على مقال الأستاذ جودت هوشيار . لقد أستمتعت حقا بهذا المقال المركز الذى يوضح بجلاء و بأسلوب سلس جوهر مشكلة أو قل ( كارثة ) الترجمة فى العراق و العالم العربى بحيث اصبح هذا ( العلم و الفن معا ) ميدانا للجهلة و أشباه المثقفين الذين ما ان يلموا بلغة أجنبية بشكل سطحى حتى يشمرون عن سواعدهم لترجمة أهم الآثار الفكرية لمبدعين عالميين .
ان المترجم يجب ان لا يقل معرفة و موهبة عن الكاتب الأصلى , شكرا للكاتب الفاضل و أتمنى ان نرى مقالات أخرى للسيد هوشيار عن نظرية الترجمة.

اخر الافلام

.. لماذا يتظاهر المعارضون لخدمة التاكسي الطائر في باريس؟ • فران


.. إسرائيل - حزب الله: أخطار الحسابات الخاطئة • فرانس 24




.. أحدها انفجر فوق شاطىء مكتظ.. لحظة هجوم صاروخي أوكراني على جز


.. بوريل يحذر من أن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع م




.. روسيا تستدعي سفير الولايات المتحدة للاحتجاج على استخدام القو