الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية بصفتها يسار ملاحظات حول أطروحات كريم مروة الأخيرة

سلامة كيلة

2010 / 9 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


عاد الرفيق كريم مروة يدعو إلى إنهاض اليسار في "العالم العربي" بعد رحلة "نقدية" طويلة، بدا فيها وكأنه ينقلب على أصوله، وهو المدمج في تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني لكأنهما واحد. وفي هذه الرحلة "النقدية" الطويلة شدد "النقد" على الماركسية إلى حدّ الدعوة لتجاوز ماركس، وعلى التجربة الاشتراكية إلى حدّ الدعوة إلى محاكمة لينين. وكان مفصل النقد، ككل الموجة التي سادت منذ انهيار المنظومة الاشتراكية، هو الديمقراطية. وإذا كنت لم أشأ المجادلة حينها ربما انطلاقاً من أنه حرّ في مساراته، فإن هذه العودة باتت تفرض عليّ النقاش، ليس لأنني أكره العودة لكن لأنها تكرس ما بدأ به في رحلته "النقدية" الطويلة ولا تمثل رجوعاً إلى ألأصول، أو تجاوزاً ضرورياً في سياق بناء يسار جديد كما يدعو في بعض صفحات الكتاب.
والسؤال الذي يفرض ذاته ونحن نتلمس عنوان كتابه الجديد: نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي (إصدار دار الساقي)، هو، ما اليسار الذي يقصده صديقنا كريم؟ ولأنني لا أود هنا الدخول في نقاش مع كل أطروحات الكتاب ، برغم أن الكتاب يستحق نقداً منهجياً يطال "منطق التفكير" الذي يحكمه وكل الأطروحات التي تخترقه(والتي سوف أعمل على مناقشتها)، فسوف أتناول هنا هذا السؤال فقط،. أيضاً لأنه ليس من الممكن نقاش كل ما ورد في الكتاب دون فهم معنى اليسار الذي يدعو إليه، فالكتاب كله مركب على ذلك.
يبدو من كل ما أورده كريم بأن اليساري اليوم هو من ينطلق من طبيعة مهمات المرحلة التالية لانهيار التجربة الاشتراكية، والرامية إلى إحداث "التغيير الديمقراطي". وهو "الاشتراكي"، وانطلاقاً من "منهج ماركس المادي الجدلي" يدعو "كمهمة لها الأولوية القصوى، إلى بناء الدولة الحديثة"، "وهي الدولة الديمقراطية بالمعنى الحديث والمتطور للديمقراطية"، "دولة الحق والقانون". لكن كريم، وبعكس ما يفرض منهج ماركس المادي الجدلي لا يشير إلى معنى الدولة الحديثة، ويتبنى "الحق والقانون" دون أن يتساءل عن ماهيتهما كما فعل ماركس حين نقد "فلسفة الحق عند هيغل". وهو ينطلق من أن التغيير الديمقراطي يفرض شن هجوم على التغيير الثوري، والعنف، والثورة. وبالتالي سيبدو أنه اتكاءً على "مهمات المرحلة"، ومنهج ماركس، وعلى ضوء انهيار الاشتراكية، يعود من ماركس إلى ما قبل هيغل بدل أن يتقدم إلى الأمام استفادة من التجربة الاشتراكية، وفهماً لطبيعة المهمات التي يطرحها العصر.
هل هذا يسار؟ سنلمس بأن ما هو مطروح هو "الشعارات" العامة التي جاءت بها أفكار النهضة الأوروبية فبل كل التحوّل الكبير الذي تحقق بانتصار الرأسمالية، من حيث عموميتها، ومن حيث تجردها من الأساس الطبقي. فأي دولة؟ وأي حق؟ وأي قانون؟ ربما كانت هذه الأفكار صحيحة حينها كونها كانت تتأسس في تضاد مع فكر القرون الوسطى الذي لم يكن يعرف الحق والقانون، وكانت الدولة هي الفرد الحاكم، لكنها أصبحت جزءاً من التشكيل الجديد، وبالتالي توضعت طبقياً، فأصبحت المساواة التي رفعتها الثورة الفرنسية تعني المساواة امام القانون، الذي هو قانون الرأسمالية المنتصرة، والذي يقرّ باللامساواة في الملكية، ويشرّع الاستغلال. وأصبحت الدولة التي هي "فوق الطبقات"، كما ينطلق كريم في هذا الوقت من القرن الواحد والعشرين، هي دولة الرأسمالية في مواجهة العمال. وتحوّلت العدالة إلى تفارق طبقي هائل، وتحدَّدت في حق الحصول على الأجر فقط.
وكانت مهمة ماركس هي كشف هذه العمومية التي تسم هذه المفاهيم، وتحديدها طبقياً، وهو ما أقام عليه تصوره انطلاقاً من الجدل المادي، الذي تحددت ماديته من كونه انطلق من الاقتصاد والطبقات وليس من الأوهام الأيديولوجية مثل "دولة الحق والقانون"، و"الدولة الديمقراطية". حيث فسّر هذه الأفكار انطلاقاً من الأساس المادي الذي أوجدها، ولماذا أصبحت شعار الرأسمالية؟ وكيف كانت تغطي على التمايز الهائل في توزيع الثروة؟ وبالتالي ليوضح الطابع الطبقي للدولة، والقانون والحق. ويؤسس على ضوء ذلك رؤية مختلفة، تنطلق مما هو اقتصادي وطبقي، وتؤسس لرؤية تمثل الطبقة العاملة.
هنا كريم، وباسم منهج ماركس، يعود إلى ما قبل ماركس، إلى الأفكار العامة التي نتجت عن عصر الأنوار، قبل أن تصبح جزءاً من التكوين المجتمعي، والوعي الاجتماعي، أي قبل أن تتموضع ويتحدد معناها في سياق صراع الطبقات. وإذا كان يدعو إلى الانطلاق من العصر نجده يستحضر أفكار تبلورت قبل ثلاثة قرون، ويعتقد بأنها تشكل اساس نهضة اليسار في القرن الواحد والعشرين. وربما يكون وضعنا هو الذي يفرض البحث عن الحق والقانون والدولة، حيث لازالت تسكن فينا، وفي الواقع، بقايا القرون الوسطى، التي هي الأساس الذي ينتج هذه الأوهام، وبهذا الشكل. لكن حاجتنا إلى الدولة والحق والقانون تفرض أولاً، أن لا يظل المنطق الذي يحكمنا هو منطق القرن الثامن عشر، بل أن ننطلق من منهج ماركس الذي يبدأ من الاقتصاد والطبقات، وبالتالي تفسير استمرار القرون الوسطى في الواقع، وعدم تحقق الحداثة التي انتصرت في أوروبا، والتي تشمل الحق والقانون والديمقراطية والعلمانية...، انطلاقاً من هذا المنهج. وملاحظة أن انتصار كل ذلك في أوروبا تحقق بعد التحوّل الكبير الذي تحقق في البنية الاقتصادية مع نشوء الصناعة. ومن ثم الإجابة على سؤال لماذا لم تنجح كل محاولات التطور عندنا؟ وهل كان ذلك نتيجة تخلف الوعي وعدم التمسك بالدولة والحق والقانون؟ إن ما يطرحه كريم (وأكثر منه) كان أساس مشروع النهضة العربية، الذي لاقى الفشل، فلماذا لم يتحقق؟
إن الانطلاق من الأفكار لا يفسر شيئاً، ولهذا ظل كريم في "الأفكار". والملفت هو أنه بات يعتبر المفاهيم الليبرالية هي اليسار، وبات يطرح مهمات لا تخرج عن أي تصور ليبرالي، ويميل إلى التكيف مع المنطق العام الذي تفرضه الرأسمالية، كل ذلك باسم اليسار. وكلنا نريد "دولة الحق والقانون"، و"الدولة الحديثة"، لكن المسألة تتعلق بتحديد السياق الذي يمكن أن يتحقق فيه ذلك. وهل يمكن أن يتحقق دون تحقيق التطور الاقتصادي؟ وهل يمكن تحقيق كل ذلك في إطار رأسمالي، أم أن وضع القرن العشرين، ثم القرن الواحد والعشرين يفرض أن تُطرح في سياق مختلف؟
الصديق كريم يهرب من الطبقات والتحديد الطبقي لهذا يتحدث عن "القاعدة الاجتماعية لمشروع التغيير" كونها قد "توسعت، وهي تتوسع باستمرار، لتشمل أوساطاً جديدة"، وهي أوسع من الطبقة العاملة كما يشير. لكن هذا الأوسع كان منذ زمن بعيد، حيث أن الوضع في بلداننا كان، ولازال، يفرض تحالف واسع، فما الجديد الذي يأتي به سوى تمييع اليسار، أي تمييع أفكار اليسار لكي تتحوّل إلى ليبرالية صريحة؟
الصديق كريم، لاشك في أن رؤية الحركة الشيوعية كانت خاطئة، ولاشك في أن التجربة الاشتراكية قد انهارت، لكن ليس البديل هو الليبرالية القديمة، ليبرالية الأفكار العمومية. وليس البديل هو تكرار المواقف ذاتها تحت مسميات رؤية جديدة ويسار جديد. هل تعتقد بأن الحركة الشيوعية كانت تهدف إلى تحقيق الاشتراكية في بلداننا؟ ألم يكن هدفها الأساس هو "الحكم الوطني الديمقراطي"، الذي بتّ تسميه "الدولة الحديثة"؟ ألم تقبل بالدولة الصهيونية ورفضت العنف، وتحدثت عن التضامن العربي، وأسست على ضرورة انتصار البرجوازية؟ ماذا تضيف إذن؟ ربما سوى التكيف مع الرأسمالية الراهنة بدل الموقف الشيوعي القديم ضد "الإمبريالية ومشاريعها".
لسوء الحظ بأن منهج ماركس لازال بعيداً عن الفهم، وأن طموح التطور لازال ملتبساً، وأن دور العمال لازال مجهولاً. كما لازلنا ندور في فلك الرأسمالية، ولم نلحظ بأنها باتت هي الواقع القائم، وأن كل الأزمات القائمة هي نتاجها، وبالتالي أن التطور يفرض تجاوزها. ومن المؤسف أن الصديق كريم مروة ينظّر مساره السابق في الإطار الليبرالي، لكن يمكن القول بأن الوعي "الماركسي" الذي تشبعه، كما كثير من الشيوعيين، يوصل فقط إلى أفكار القرن الثامن عشر، لكن تلك "الماركسية" كانت صورية، لوّنت المنطق الصوري أكثر مما كانت تجاوزاً له. وهذا ما نلمسه في كتاب "نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ك ك
بلال محمد ( 2010 / 9 / 14 - 14:32 )
كريم وكيله في سلة واحدة انتقلوا من العمل الشيوعي إلى العمل اليساري. والمرء ليس بحاجة لذكاء ليدرك أن العمل اليساري ينطلق أصلاً من العداء للعمل الشيوعي. الرأسماليون هم أقرب إلى العمل الشيوعي من اليساريين فهم الذين خلقوا طبقة البروليتاريا أما اليساريون كالبعثيين فهم محقوا طبقة العمال وما شعارهم العدالة الإجتماعية سوى الموت للطبقة العاملة. أنظروا ما حل بالعراق وبسوريا !!!؟
أللهمَّ نجنا من اليساريين قبل الشرير!!!!؟


2 - كم يلزمنا من الوقت لفهمها
محمد صاغرو ( 2010 / 9 / 14 - 15:25 )
لسنا ملزمين بفهم ماركس لنخطّ لانفسنا طريقا نحو التطور،كما ان بهذا الشرط اراك كمن يعلو بالماركسية الى درجة التقديس الدغمائي.علينا الان ان نكافح من اجل حرية التعبير والتجمع والتنظيم،من اجل العدالة،من اجل مؤسسات دستورية تستمد سلطاتها من الشعب ومسؤولة امامه...بهذا نضمن على الاقل الجو الصائب لتحرير الابداع

اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط