الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غبار اليقين

وديع شامخ

2010 / 9 / 14
الادب والفن


زمن شديد العطالة
قراءة في قصيدة "غبار اليقين" لوديع شامخ
د.إسماعيل نوري الربيعي

إلى أين يتجه بنا الوعي، وأي موضوع ترومه الذات لتتماهى فيه سعياً نحو ابتناء دلالة المعنى، هذا بحساب تعليق الحكم حول الاشتراطات والمقايسات المسبقة التي تعنّ على المؤلف. وكيف يتم لهذا الأخير تحديد لحظة مسار نصه وتكريس وعيه والوقف على الأسلوبية، التي يتبدى مقتربها في ظهور الأنماط التي يشتغل عليها والوعي الكامن في تلك الوسائل.
يمكن رصد معالم علاقة شديدة التبادل والتظافر بين المؤلف والقارئ، يقوم أساسها على منطلق الفهم، حيث الاستناد إلى ذلك الحوار المفترض بين ذات المؤلف وذات القارئ. بل أن الحضور يظهر في أشد تفاعلاته، حين تقوم الذات القارئة بالتربّع على مساحة الذات المؤلفة، هذا باعتبار الوعي بالموقع الذي كان فيه المؤلف لحظة إنشاء وتكثيف النص من حيث الرؤى والتصورات. وعبر هذا المنظور يتم استبعاد كينونة المؤلف وأناه المحضة وحقيقة الإنسانية. وما يتبقى من هذه الذات، يكون في الوعي الظاهري الذي يجسّده النص عبر التمثّل الذي تمنحه اللغة له، وحالة الكشف الذي يمنح الشعور معناه ووجوده الحقيقي. بحثاً عن حالة الالتقاء بين شعور المؤلف وشعور القارئ، حيث البحث عن تلك الدالة العميقة والفاعلة بين الوجود والمعرفة، وصولاً إلى تكثيف تجربة الشعور الداخلي، والعمل على إفلات الذات من براثن الوعي بالواقع من خلال التفاعل مع النص، وافتتاح مدركات التخيّل على مصراعيها حيث يصل التفعيل في أقصاه عندما يتم ذرّ الواقع والتماهي مع النص.
القراءة هنا تمنح وعياً آخر، قوامه الخضوع لسلطة النص المتشبّع بوعي الخروج على الواقع من خلال فعل التخييل، لكن الأمر برمته لا يتخلص من وعي المؤلف الذي يبثه في هذه اللحمة من الكلمات والأشياء والتصورات والرؤى، فيما يتجلى الكشف القرائي في تلك الفعالية التي يحفزها القارئ عبر كمّ الاستثارات والتفاعلات التي يركزها في داخل بنية النص. وبهذا التشكّل فإن حالة الاقتراب من المؤلف تكون في أشد حالاتها قرباً، عندما يبرز التفاعل معه والتأثر برؤاه وتصوراته وبواطنه ومكامنه الداخلية. حيث التركز في جوهر تجربته الذاتية وما يحيط بها من مؤثرات، حتى أن هذا الجوهر يكون بمثابة السبر الشديد الاتصال بعموم تجربته الإبداعية، وليس مكنون ذهنه القرائي المباشر، الذي يطالعه القارئ في لحظته الآنية.
من قلق الخطوات المرقعة بجلود الظنون، يتكوّر الشاعر في بقاء شديد الاضطراب. تموت فيه المساءات حتى يخفت في ذاته أوارها، ليستقيم على نبض الرغبات حيث الانهمام بالعدّ والتجوال في دوّامة من الرحيل والخبز الذي قبضت عليه يد مرتجفة، يقطع شغل الإياب بكينونة تقيم بين الأشجار وارفة الظلال، يستحم على بقايا نسائم الأراجيح ذابلة الحبال.. من خلف جغرافية المكان يقبع في ضرس الصلوات واضطراب المواليد الذين يفتحون أعينهم على الدنيا، وقد عرفوا حدّ العجب بأخبار الساعات المائية والرملية والكوارتز.
من سلالم العقل، يؤوب إلى ناحية الاستغاثة. لكن شاعرنا يحمّل روحه خطى الشحوب، يُفردها على قلوع التسمّر بالتراب، هذا الذي يقيسه بجمرة روحه وأهداب فؤاده. هو المعنى بتهيئة اللغة من أجل أن يوطّد حقيقة يعرفها جيداً، حيث تناول الطعام معها لأكثر من مرة، زارها وزارته، إنها حقيقة المساءات بالغة البرودة في العواطف، متسخة حدّ القرف بالأنوف المتورمة والابتسامات المتنمّرة والأنهار المؤودة. يحترق كبده بالغبار، هذا الذي ينفث أحابيل النزف المتقرّح على جفون اليقين. وهكذا يحتار جزءاً من يقين، يقترب فيه من الغبار الذي علق على أهدابه، ينطلق من روزنامة ينتقي فيها ساعات أربع، يجعلها مفتوحة أمام المتلقي، يلقمها رموزاً، علامات، كلمات، بقايا لغة، المهم أن هذه الساعات يلزمها بـ "جدار، برج، لقيس، نهر" إنه هذر الأشياء واصطحاب الكائنات يجعلها جميعاً، في يوم واحد من أيام الروزنامة. تلك التي يجعل منها كائناً يحس ويشعر ويبدأ، وبوجود كل ما فيه من الاستناد إلى المدرك والوعي، من دون حساب لفرح أم تعاسة، قهر أم طمأنينة، المهم أن هذا الزمن المكثف في هذه الروزنامة لا يمكن الاتكال عليه، فالحائط حاضر بكل صلادته لمواجهة الأسئلة التي ما عرفناها، هل هي بريئة، أم محشوّة بالمعاني والتأويلات. هو الصمت الجاثم على صدر الأيام، يهددها بشبح التوقف، يجعل من كل شيء ممنوعاً ومحظوراً. وهكذا تتكون الأيام كالحرباء، تتناوشها الأطوار والاختلافات والتنويعات، تشهد على صراخ شديد الصخب في هوّة الزمن القاتمة.
يستحثّ الشاعر في مشهد ساعة الجدار زمناً صلباً بقلب شديد القسوة. لكن هذا كله سرعان ما يتهاوى على حنان حيوان نصف أليف، إنه الكنغر المحدود الانتشار، الذي يعيش في مجال جغرافي بعينه. وكأن الأمر يرتبط بفعل القفز الذي يجيده ذلك الحيوان المميز وإسقاطه على عنصر الزمن الذي يتقافز هو الآخر، ليشكل نمطاً يكون وقعه على الإنسان المضيّع في لجة التوحّد والإقصاء وضياع الأحلام التي تصطدم بجدران وليس جدار واحد. لكن ثمة أمل في هذا النفق المرعب والوجع من التهميش، فعلى الرغم من كل هذه المواجع، إلا أن الزمن وفي بعض الحالات التي ليست بالنادرة، سيكافئ أبناءه البشر طرّاً بمسح أطراف رأسهم والهَدهدة على أكتافهم وربما سيتأسى لأوجاعهم وأحزانهم، وهذا أقصى الرجاء.
مجامر الوعي تبدو أكثر تسخيناً في مشهد "ساعة البرج" حيث التطلع إلى تكثيف الخضوع للعادي واليوم:
كن ربّ بيت سعيد
كن صنماً
كن مشرداً
والدعوة الصريحة إلى ولوج عالم قوامه الانتصاب على قارعة الوقت، وتكثيف قلق النبض الذي يقوم عليه نسق الحياة، وترسيمه بانتقاء محدد سلفاً كأنه القدر المحتوم. هي أيام الإنسان إذن التي تواجه مكر الساعات المحكوم عليها بالانقضاء والنهاية. وعليه يتم تركيز الوقت في نصب يدعونه برجاً، ينتقون فيه ومنه مختلف التشبيهات والعلاقات والإشارات. هو الصنم الجديد من الإخضاع والانتهاك لتلك الحقوق المهضومة أصلاً. إنه الإخضاع لتابو الوقت واحترام المواعيد في بيئة ملوّثة بثعالب لا همّ لها سوى اقتناص طرائدها هي فقط لوحدها، ولا شيء سواه. في ساعة التعيس تبرز الشكوك بجرعة مضاعفة، حتى يصل القول إلى توزيعات استنطاق لأشياء مغيبة أو تكاد: غدك ليس غداً، حتى ليستحث السؤال عند المتلقي وماذا سيكون إذاً، لكن الإحالة تتكشف في التعاسات المتبادلة والمقايضة بالقلوب المدماة. هي الطمأنينة لا يمكن الوثوق منها إلا بالتحسس وليس بالشعور، فالحذر يتيم على كل شيء.
من مساحة شديدة البلل والرطوبة، يخصص الشاعر شراباً شديد الخصوصية للكائنات المدعوة "طغاة" شرابها تأريخاً حيث التأكيد على احتباس المعنى لدى هذه المخلوقات التي عمدت إلى التكوّر على نفسها وجعلت من كل شيء في هذا العالم خمرة تسكر بها، تجعل منها أداة لفقدان العقل وإلغاء الوعي والإنسان، والعمل بكل شغف نحو إيقاف الزمن من خلال تعميق فعل البلل، وجعل العالم برمته خاضعاً للرغبات الكامنة في هذه الذات المتورّمة، العامدة مع سبق الإصرار والترصد إلى شطب الآخر، والإعلان بأعلى ما تملك من صوت: أنا ومن بعدي الطوفان.
إزاء هذا الوعي المخرّب، يجنح الشاعر نحو تفكيك ذاكرة منخورة تشكو العطب والأسى والخراب الذي يحل على كل مساحة وأية مساحة في القلب والروح والضمير. هو العامد إلى رسم السؤال عن جدوى اليقين وأهميته ومكنونه في هذه "الـ ماذا" التي يجعل منها أداة تبرّم وأسى ووجيعة، حتى لكأنه يفتتح غابة من الأسئلة التي لا تني عن اختراع أسئلة أخرى أشد غوراً وقتامة في هذا الغبار المقيم الملعون، الذي يصنع الحيف والقهر، ويجعل منه عالماً مغيّباً وصروحاً من الأطلال التي ينعق فيها البوم.
التاريخ خمرة الطغاة
والصفد بلون الذهب
لون المجاديف ساعة النهر
القلق قائم في الذاكرة
لماذا اليقين؟!!
*غبار اليقين* وديع شامخ
* أيام الرزنامة..
الإنسان أول أيام التقويم
من يصعد بأسئلتي صوب الحائط؟
الحائط غنيّ بالصمت .. والرزنامة حرباء
* ساعة الجدار...
يتشقق الجدار خلف الساعة
الساعة كنغر يلمس أبناءه كل حين
* ساعة البرج...
لا تكن صاحياً كساعة المدينة
كن ربّ بيت سعيد، كن صنماً، كن مشرداً
ساعة البرج ملقط نار الأيام
ثعلب الساعات المشنوقة على خارطة المدينة
سوف تكون تعيساً جداً، إذا فارقت نبضك
* ساعة التعيس...
غدك ليس غداً
وأمسك كان أمسي
أضع يدي على قلبه لأتذكر
* ساعة النهر ...
التاريخ خمرة الطغاة
والصفد بلون الذهب
لون المجاديف ساعة النهر
القلق قائم في الذاكرة
لماذا اليقين؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?