الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد فري

مصطفى لغتيري

2010 / 9 / 14
الادب والفن



لا جدال في أن الثورة المعلوماتية الأخيرة أحدثت تغيرا جذريا في كثير من مجالات الحياة ، و لم يكن الأدب بمنأى عن تأثيراتها الإيجابية و السلبية ، إذ استطاعت الأجناس الأدبية -بمخلف أشكالها - التعاطي مع تقنيات الشبكة العنكبوتية ، بشكل فعال ، من خلال استعمالها كويسلة اتصال و تواصل ، استطاع بفضلها الأديب تكسير الحصار الورقي، الذي كان يحول دون أن يسمع صوته الأدبي الجميل ، كما وظف الأدب تقنيات الأنترنيت من خلال ما يسمى ب" الأدب الترابطي " ، و استلهم عوالم الشبكة العنكبوتية باعتبارها معطيات جديدة غزت حياة الأفراد و الجماعات بشكل غير مسبوق، فأثرت على سلوك الإنسان و نظرته للعالم من حوله، فاصبحت حياته الافتراضية الجديدة مؤهلة لتكون مادة أدبية خصبة.
و تنتمي المجموعة القصصية " أرضة رقمية " للقاص محمد فري سنة 2010 إلى فئة من النصوص ، استهوتها عوالم الأنترنيت ، فنسجت من أجوائها الافتراضية ثيماتها القصصية ، محاولة - بذلك- رصد هذه الظاهرة الجديدة على عالم الأدب، و مدى تأثيرها على الأديب من خلال رؤيا الكاتب الفنية .
و إذا كان العنوان "أرضة رقمية " يشي بهذا التوجه في المجموعة القصصية ، التي تضم بين دفتيها إحدى و عشرين قصة ، فإن الكاتب قد وطد العزم على تنويع ثيماته ، و يبقى الحضور القوي للكتابة و عوالمها رقميا و ورقيا قويا ، بل و يشكل محور الكتابة الإبداعية لدى القاص محمد فري ، هذا علاوة على اهتمامه بانشغالات و هواجس الإنسان المسحوق في عالم عدواني لا يعترف بفردانيته وإنسانيته ، و يسعى دوما إلى ممارسة أقصى درجات الضغط و التسلط عليه ، فلا يجد الإنسان حينذاك سوى الحلم مهربا و بلسما إلى حين ، يقول السارد في قصة "حلم ازرق" :" صعود لذيذ يخدر أعصابه ، ترتفع البالونة باستمرار ، يرتفع معها .. فيجاور الطيور في زرقة الأثير . يا سلام . لم أشعر أبدا براحة مثل هذه ، تحليق مخذر للاعصاب ، يسمو به إلى الملكوت .. إلى الأعلى .. إلى الحلم .. ما أجمل الحلم.. صعود.. صعود .. ما أفضع الحياة في الأسفل".
و إذا كان الأسلوب هو الرجل كما يقال ، فإن أسلوب الكتابة عند القاص محمد فري من خلال مجموعته القصصية " أرضة رقمية " قد تميز بخصائص عدة أذكرمنها :اعتماده على الجمل القصيرة جدا ذات الميسم البرقي ، التي تفصل بين مكوناتها نقط الحذف ،و لعل هذا مما منح القصص خفة و قوة ، يقول السارد " فجأة يحس بحركة غريبة تحدث بالوجه الملتصق به.. يتغير.. يصيبه المسخ.. تغور العينان .. يختفي الأنف.. ينكمش الفم .. يختفي الضوء.. يتصبب المكان.. ليعود الضوء تدريجيا .. يختفي الوجه.. يتحول إلى فيروس .. أرضة رقمية.. شكل غريب.. مخلوق لا شكل له".
و لا يخفى على القارئ أن هذا النوع من الجمل يمنع النص قوة و جاذبية ، خاصة في القصة القصيرة و القصة القصيرة جدا ، و تصبح هذه الجاذبية ساحرة و فاتنة إذا ارتبطت بتجسيم الأحداث ، فنراها و كأنها لقطات سينمائية أو حركات ممثلين على خشبة الركح ، و هذا ما نجحت في تحقيقة كثير من نصوص المجموعة.
و مما أضفى على قصص المجموعة مسحة جمالية خاصة تركيزها على ملمح السخرية في الكتابة ، و نجد ذلك واضحا في كثير من النصوص ، وهي سخرية تبنيها المواقف و المفارقات الوجودية و النفسية ، ففي قصة "أرضة رقمية" ،التي اختارها الكاتب لتكون عنوان الكتاب ، كما افتتح بها نصوص المجموعة ، نتابع بكثير من التشويق رحلة ذلك الكاتب المهووس بكاتبات الأنترنيت ، فيضع نفسه في مواقف لا يحسد عليها ، لا يمكن إلا أن ترسم الابتسامة على شفتي القارئ ، أما قصة " حلم أزرق" فتسمح لنا باستراق النظر إلى ذلك الموظف البائس الذي تفاجئه "المغادرة الطوعية" فتستحلب أحلامه وطموحاته، و للقارئ أن يتخيل استيهاماته و أحلام يقظته ، و في قصة "القاعة" ، نستمتع بالتلصص على ذاك الخطيب الذي انبرى لإبراز عضلاته الخطابية في قاعة فارغة من الجمهور.
و إذا كانت هذه الوقفة القصيرة عند المجموعة القصصية "أرضة رقمية " بعيدة عن أن توفيها حقها ، فإنها تسعى -على الأقل - إلى أن تثير انتباه القارئ إلى نص جميل من نصوصنا القصصية التي تستحق الكثير من الاهتمام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو