الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمول ... حكاية عشق

وليم نصار
مؤلف موسيقي ومغني سياسي

(William Nassar)

2010 / 9 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


جمول ... حكاية عشق
* د. وليم نصار


بيروت 14 أيلول 1982
إلى جورج تامر قصابلي وعائلته - عائلتي
***
انسحب الأحبة من بيروت وتوزعوا في مشارق الارض ومغاربها ... كم أصبحت فلسطين بعيدة.
ونحن .. من شب وتشكل وعيه على حب فلسطين وفدائييها كان علينا أن نقاوم الاحباط الذي خلفه الاحبة الفلسطينيون بانسحابهم.

خلعنا بذات القتال ورميناها في المزابل التي زينت بيروت وكانت شاهدا على حصارها ... مزابل وأكوام من القمامة كانت أجمل من شارع مونو بكل زينته، وحتى رواده.

التزمنا بقرار الحزب بالنزول تحت الارض والاختباء والعودة إلى العمل السري.

الرفيق نسيم حلق ذقنه التي أصبحت أكبر من ذقن كارل ماركس ... ولبس بذلة رسمية لم تكن لائقة عليه ... يدور من منزل سري إلى آخر ترافقه الرفيقة كاتيا للاطمئنان على الرفاق.

الرفيق زياد صعب مقطوعة أخباره ... وكذلك أخبار الرفيق أبو أنيس وباقي الرفاق القادة .. هذا ما سألناه للرفيق نسيم عندما زارنا ... فابتسم ..

لا أحب تلك الابتسامة في أوقات الشدة ... قال الرفيق فايز الذي بترت رجله في إحدى المعارك..
أجاب نسيم يا رفاق .. لن يبقوا في بيروت .. اليوم القوميين قتلوا الخاين بشير الجميل ... ونحنا عم نستعد لاستقبال العروس الشيوعية ...

يومان بلياليهما ... يومان لم ننم خلالهما .. نفكر فيما قاله نسيم ...
ليلة السادس عشر من ايلول مر علينا كالسهم رفيقات ملثمات .. رموا لنا بحزمة من المناشير واختفوا ... لكني عرفت منهن الرفيقة فداء ... من طريقة مشيتها وصدرها الذي يضج بالحياة ...

لم تكن تلك المناشير سوى اعلان العروس ... ونداء الحزب الشيوعي اللبناني لتطهير بيروت من المحتل ...
كانت العروس إعلان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وأمر الحزب بالتصدي بالصدور العارية للمحتل ...

لم يسمح الرفاق العسكريون لنا بشرف الاشتراك في مهمات قتالية مباشرة مع العدو ... وكانوا يستخدموننا لصغر سننا لاستكشاف الطرق والمراقبة ...
طلب منا الرفاق العسكريون التوجه إلى شارع فرنسا برفقة ثلاثة رفيقات من نادي الرواد للتأكد إاذا ما كان هناك أي تواجد لدبابات العدو.
شاهدنا تجمعا للدبابات في شارع فرنسا .. لم أستطع اكمال الطريق مع الرفيقات والرفاق ... ربما خوفا من انفعالاتي التي ستهلك الرفاق حتما ... أو قرفا من الوجوه التي سأراها ... فعدت إلى ملجأ الصفر صفر.
عاد الرفيقات والرفاق وأكدوا الخبر ...
بعد نصف ساعة سمعنا انفجار قذيفة بي سبعة وزخات كثيفة من الرصاص ... علمنا أن عملية ما قد نفذت ... فتوترنا أكثر لنعرف النتائج ... وشعرنا لحظتها بأن العروس هي من نفذ العملية ...
لم نفكر بأن شهداء لنا قد يسقطون .. كان هذا التفكير بعيدا عن عقولنا ... وكأننا في فيلم أمريكي لا يموت فيه البطل ... كل تفكيرنا كان بذهب باتجاه لن يمروا... وكم حشرة ستطير من دباباتهم ...

لم نعرف أن عملية لجمول كانت في طريقها للتنفيذ ...
لم نعرف أن مننفذ العملية هو من كان يعطينا حلقات التثقيف في بيته. كان متخفيا بكوفية حمراء غطت ملامحه كي يستطيع ارتداء البيريه.

الرفيق ميشال (اغتيل على يد القوى الظلامية في بيروت بعد خمس سنوات) يدخل لاهثا إلى ملجأ الصفر صفر .. مغبرا ودامعا ...
قال .. "لعنا ابو ربن للعكاريت ... عم يسبحو بدمن متل الفيران" ...
صمت قليلا ثم قال .... نفذت ذخيرتنا واستشهد الرفيق أبو تامر ...
لم نتمكن من الصراخ فرحا بالعملية كي لا نثير انتباه أصحاب البناية التي بها الملجأ ... واختنقنا لعدم قدرتنا على البكاء أيضا ...
ما أصعب أن لا تتمكن من بكاء رفيقك ...
جورج تامر قصابلي ... تحية لك يا أجمل عريس لأجمل عروس ... عروسنا جميعا ... جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
ولا تسامحينا أيتها العروس لاننا تركناك وحيدة تبكين كعذراء تغتصب في حفلة اغتصاب جماعي.




العكروت أنور ياسين
****
في كانون الثاني من العام 1983 طلبت من الرفيق رأفت مسؤولي في نادي الواد رفع طلبي إلى الحزب للانضمام إلى جمول ...
رفض الرفيق رأفت طلبي بحجة أن الرفاق يريدونني أن أنشط مع فرقة الرواد موسيقيا وغنائيا ...
لم اقتنع بتبرير الرفيق فالتجأت إلى الرفيق نسيم في منزله الذي أجابني بأن جمول هي للرفاق المتمرسين حزبيا وأنا لا زلت غضا في العمل التنظيمي... وطلب مني أن لا أحضر لمنزله لأنه معرض للاعتقال في أي وقت ...

حاولت بطرق كثيرة .. عبر الرفيقة كاتيا أخت الرفيق الشهيد جورج قصابلي ... وفشلت ... ثم حاولت عبر الرفيق ابو السريع ... وفشلت أيضا ...
لماذا اختفى أبو السريع؟

في شهر أيلول من العام 1987 اطلقنا احتفالات التحدي للقوى الظلامية في كل من بيروت والشمال ردا على اعتيالات الشيوعيين والعلمانيين ... أطلقنا حفلاتنا في الشوارع وفي الساحات العامة ...
كم كانت بيروت جميلة يومها ...
كم كان الحزب مزهرا وجميلا ...

في الرابع عشر من أيلول ... أقمنا حفلة في شارع الجامعة العربية ... في تحد مباشر لاحد المراكز الظلامية في الشارع والتي كانت تعتدي على الشيوعيين ... كان الناس يرشون علينا الارز من الشرفات ... وكانت الزغاريد تفقع في الجو كلما ردد الرفاق الكاظمين غيظهم أغنية "بكرا الراية حمرا" ...

في تل الحفلة كلف الرفيق نسيم أنور ياسين بالبقاء معي لحين انتهاء الحفلة والعودة بي إلى مركز الضمان ... كان أنور يرفع قبضته عاليا كلما التقت عينانا ويبتسم ...
كم أحبك يا اقرب من الوريد ...

في السابع عشر من ايلول امتلأت بيروت بصور أنور ياسين ... فذهبت إلى الضمان مساء وطلبت مقابلة الرفيق الياس عطا الله أو الرفيق زياد صعب ...
قابلني الرفيق (يومها) الياس عطا الله وطلبت منه الانضمام لجمول ... فابتسم وقال .. بعدك متل ما انت يا رفيق ... نحنا لحاجة الك يا رفيق بالعمل الجماهيري ...
قلت له: كيف تسمحون للعكروت انور ياسين بذلك وتحرموه علي ...



جورج السهلي
***
كنت قد التقيت في العام 1983 بأحد القادة الفلسطينيين في سجن اليرزة عندما اعتقلتني مخابرات الجيش الفئوي وانا اوزع منشورا حزبيا يدعو للانتفاض على حكم العمالة والمخابرات.

ذهبت إلى بيته وطلبت منه مساعدتي للمشاركة في عملية لهم ضد الاحتلال ... فوعدني بذلك ... وأرسلت إلى إحدى المعسكرات التدريبية ... لأفاجأ بعدد من الشيوعيين اللبنانيين في هذا المعسكر ومعظمهم مثل وضعي ... التجؤوا لهذا التنظيم الفلسطيني ليشاركوا في عمليات عسكرية ضد المحتل بعد رفض الحزب لطلباتهم.

ولسوء حظنا جميعا اندلعت حرب المخيمات في بيروت ... وأصبح الهم الأول للفلسطينيين هو الدفاع عن المخيمات وليس اسرائيل ... وكان لنا الشرف نحن الشيوعيون اللبنانيون الذين تمردوا على حزبهم بالمشاركة في الدفاع عن المخيمات ...
اخترعنا يومها معادلة غريبة عجيبة كي نواسي بها انفسنا ...
تفيد تلك المعادلة ... بأن اسرائيل تقتل الفلسطينيين ... وبما أن الدفاع عن الشعب الفلسطيني واجب مقدس فان دفاعنا عن المخيمات الفلسطينية وفلسطينيي المخيمات يأتي في هذا السياق وباستطاعتنا اعتباره مقاومة للاحتلال.

طلبنا من الرفاق الفلسطينيين أن يستبعدونا عن الاعمال القتالية المباشرة لاننا لا نرغب باطلاق النار على لبنانيين كنا واياهم في خندق نضالي واحد ... واحترموا رأينا ... وساهمنا في تهريب المؤن الغذائية والادوية لمخيمي شاتيلا وبرج البراجنة ...

أذكر بالخير الرفيق جورج السهلي الذي استشهد وهو يحمل 80 كيلوغراما من الادوية على ظهره محاولا إدخالها إلى مخيم برج البراجنة ... ونعيناه كشهيد فلسطيني كي لا نتسبب بمشكلة للحزب.
لم نعثر على جثة الرفيق جورج رغم خروجنا بأربع عمليات استطلاع لمكان استشهاده ... ثم علمنا من احد الذين حاصروا المخيم بأنهم أطلقوا عليه أكثر من 10 قذائف أنيرغا وأر بي جي حتى تفتت لحمه.

في بداية العام 1990 تيقنا بأنه لن يقدر لنا اللحاق بالعكروت أنور ياسين أو نبيه عواضة أو سهى بشارة ... فاتفقنا العودة لاحضان الحزب صاغرين مطيعين ...
إلا أن السبب الحقيقي كان قرفنا من الحفلات الفلسطينية الصاخبة التي كانت تقام باسم التضامن مع المخيمات والانتفاضة حيث كان السيكار الكوبي يصيبنا بالزكام وقناني الويسكي تفتح كصنابير الماء في مطاعم الروشة على شرف الشهداء وشرف الانتفاضة الباسلة ....



شيوعيون
****
أجلكم معفرين بالأحمر ...
أعبدكم وأنتم تتعطرون بالغبار ورائحة العرق...
أقدس أياديكم الخشنة المدماة وهي تساعد المزارعين في قطف ثمار حقولهم ...
أسجد لكم عندما أراكم تتحرشون بالناس البسطاء لترتيل آيات من الغضب والحب..
أقبل أقدامكم عندما تسيرون في مظاهرة تلو المظاهرة ...
لكني أكرهكم كما أكره إسرائيل والقوات اللبنانية عندما أرى صوركم تناضلون بكؤوس الويسكي والرقص في خمارات شارع مونو.
أكرهكم عندما لا تتذكرون شهداءكم إلا في المناسبات.
أكرهكم عندما تأكلون لحم بعضكم...
وأكرهكم عندما يصبح الحزب موضة كلباس البحر الذي رايت تلك الرفيقة تلبسه وعلى مؤخرته صورة شهيدنا الاوحد غيفارا ...

لكني وأنا أكرهكم ... يبقى حبكم ينخر حتى العظم.
_____________
* د. وليم نصار، مؤلف موسيقي وناشط شيوعي لبناني يقيم في المنفى









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا