الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جودا ، أكبر (الإستهجان والإستحسان).

الطيب آيت حمودة

2010 / 9 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


جودا / أكبر ، الاستهجان والإستحسان.
عرضت قناة ( نسمة) التونسية ذات التوجه المغاربي ، فيلما هنديا مدبلجا للعربية في حلقتين في الأيام الأولى لعيد الفطرالمبارك بعنوان ( جودا ، أكبر ) يتناول السيرة الذاتية للسلطان الهندي المسلم ( جلال الدين محمد أكبر) بأسلوب رومنسي طغت فيه المناظر البديعة والصور الآخاذة ، والأكسوسوارات المتقنة ، والإخراج الفني الممتع ، وتناغمت فيه الهندوسية والإسلام بشكل لافت للإنتباه ، وهو ما ولد أعجابا كبيرا في أوساط الهندوس والمسلمين المتنورين داخل شبه جزيرة الهند وخارجها ، لما تضمنه الفيلم من أفكار التسامح بين الأديان ، وإن كان الفيلم أحدث الإعجاب والتقدير لدى البعض ، فإنه أحدث انزعاجا كبيرا في صفوف السلفية الجهادية التي ترى في هذا العمل الفني تشويها للإسلام لأنه قران باطل شرعا بين مسلم وهندوسية .

**من هو جلال الدين محمد أكبر ؟
سبق للقائد العربي ( محمد بن القاسم الثقفي )[1] الشاب( 18 سنة ) أن غزا بلاد السند والهند عام 90 للهجرة بتكليف من الحجاج بن يوسف في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك ، وحقق انتصارات عظيمة في السند والبنجاب ، وتتوالى حملات المسلمين على الهند بقيادة (محمود بن سبكتكين ) المشهور بـ [محمود الغزنوى]، وتداول الحكم كل من الغزنويين , وبني غور ، والخلج ، ثم المماليك الذين منهم دولة المغول المسلمة بالهند ،التي تأسست على يد ( ظهير الدين بابر) في حدود الربع الأول من القرن السادس عشر(1526م)وخلفه ابنه ( نصير الدين همايون ) عام 1531م، ثم انتقل الحكم وراثيا إلى إبنه ( جلال الدين بن نصير ) المكنى محمد أكبر ،رغم حداثة سنه( 13 سنة ) تحت وصاية قائد الجيش ووزير أبيه (بيرم خان) ،ومارس سلطته الفعلية منذ 1562 إلى غاية وفاته في 1605م ، خاض حروبا عدة وبلغت دولة الإسلام في عهده أقصى اتساع لها في الهند ، وله اسهامات كثيرة في الوحدة السياسية والرقي الإجتماعي ، وعمل على هدم الفوارق بين الأديان والأجناس بتقريب الهندوس والتسامح معهم ،وأسس ديانة جديدة هي خليط من الطقوس الدينية الإسلامية والهندوسية والنصرانية سميت ( بالدين الإلهي )، يدعوا إلى التسامح والإبتعاد عن الإكراه والقسر، وجلال الدين معاصر للسلطان سليمان القانوني العثماني ، وعباس الثاني الصفوي ، ومغامرات أوربا البحرية خلال عصر النهضة التي استغلت تفوقها البحري في السيطرة على البحارمن لدن الأنجليز والأسبان و الهولند ، وفي ذلك إلتقاء للإسلام والنصرانية على مشارف الهند ، ولست ملزما هاهنا بالخوض في تاريخ الهند الإسلامية ، ولا في سيرة الرجل ، ولا في هذا الدين الإلهي الممتزج ، وإنما استوقفتني بعض الأفكار التي أبهرتني وأنا اتابع الحلقة الثانية من الفيلم المذكور سجلت من خلالها جملة من القيم الإسلامية التي أداها الأمبراطور جلال الدين المغولي بامتياز سأوجزها فيما يأتي .
**قيم إسلامية منيرة أهملها المسلمون .. وفعَّلها الهندوس..
أولا / قيم تسامح الحاكم مع الرعية ، ويتجلى ذلك في قبول الآخر، قبول الزوجة الهندوسية رغم اختلاف المعتقد ، هو سمو فكري وحضاري قلما توفر في تاريخنا الإسلامي البدوي ، فقيم الحب والإنسانية طغت على قيود المعتقد من الجانبين ،فإلغاء ضريبة الحج على الهندوس وإعفائهم من الجزية رغم معارضة فقهاء البلاط ، هو تمرد على الحواجز والمعيقات النابذة للتقارب بين الأجناس والديانات واللغات ، فالإسلام حمال أوجه فهمُهُ ينطلق من الأرضية الفكرية والثقافية التي انغرست في الإنسان ، فالإسلام عند ابن رشد أوابن حزم الظاهري ليس نفسه عند أبا حامد الغزالي ، وليس متشابها بين السنة والشيعة ، وليس ذاته عند ابن تيمية ومن سايره من بدو نجد أصحاب الفتاوى النكوصية التي تريد أن تجعل من المسلمين رهائن القرن الأول الهجري يعيشون معاشه ويفكرون تفكيره .
ثانيا /استوقفتني عبارة ٌ قالها جلال الدين في معركته مع زوج أخته ( شريف الدين ) ، وهو يدعوا قبل المعركة إلى السلم برفع راية السلم البيضاء خفاقة عالية في سماء الهند الزرقاء ،وهو يعلم أنه الأقوى عتادا وعدة ، مبادرة وسعيا منه لحقن الدماء ، وهو يردد قائلا ( النجاح الأكبر هو في عدم إهدار نقطة دم هندية واحدة ) ، وهو في ذلك جسد المعنى السامي للإسلام في قوله عز وجل( َلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ،وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً، فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا[2] ، وهو ماغاب في كثير من مواقف العرب المسلمين عند غزوهم لشمالنا الإفريقي ، وأبرز مثل على ذلك عندما أُطلقت أيادي أبناء عقبة للإنتقام لمقتل أبيهم في غزو قبيلة أوربة البرنسية ، فقتلوا أزيد من 600 بريء من وجهاء الأمازيغ وأكابرهم باسم الإنتقام لقتل أبيهم في تهودة وبعد مرور أزيد من ربع قرن على الحادثة ؟ فأين سماحة جلال الدين من تسامح موسى بن نصير ؟[3].
ثالثا/ إدراك السلطان جلال الدين ، بأنه مغولي الأصل ، لكنه أكتسب المواطنة الهندية بالميلاد والإقامة ، فكان حريصا أن يكون هنديا معتزا بهنديته ومدافعا عنها بشراسة ، فهو ذائب في المجتمع الهندي وليس العكس ، فلبسَ زنَّارهم ، ووضع القشقة (النقطة الملونة) على جبينه ، وضيق على العربية لحساب الهندية ، غير أن حالنا في شمال إفريقيا سار عكسيا ، فالوافد هو الذي يفرضُ هويته على هوية الوطن المستقبل له ، فإذا بقي الهند هندا بفضل جلال الدين المغولي المسلم ، فإن حكامنا العرب قديما ومن سايرهم من ذوينا حديثا في شمال إفريقيا، قاموا بإمحاء وطمس الهوية الأصلية واستبدلوها بهوية عربية دخيلة ، فأصبجنا نعتز بتأبط شرا والشنفرى ونجهل أجدادنا من يوغرضن إلى ديهيا وآكسل ، ولا نعرف شيئا عن بطليموس ويوبا ، ودونات ، وجيلدون و مسيبسا و أنطالاس.... ، ونعرف عن مأرب والجنائن المعلقة والعماليق وهجرات آل سام ما لا يعرفه العرب أنفسهم ، فأصبح بعضنا يدعي العروبة أكثر من عرب الجزيرة الأقحاح ، وأمثال جلال الدين كثيرون ماضيا وحاضرا، فملكة مصر كليوباترا من أصول يونانية لكنها مصرية في هويتها ، وسبتيم سيفروس الأمازيغي اللبدي الذي تربع على عرش أمبراطورية الرومان خدم روما وتماهى معها ، وكارلوس منعم الرئيس السابق للأرجنتين لبناني الأصول ، لكنه لم يجعل الأرجنتين عربية لبنانية ، والرئيس الفرنسي الحالي لفرنسا نيكولا ساركوزي من أصل يهودي مجري لكنه معتز بهويتة الفرنسية ، إلا نحن في شمال إفريقيا لا نرى أنفسنا إلا وهي لصيقة بغيرنا من الوافدين .
رابعا/ الأمبراطور جلال الدين ، يحرص على مبدأ أنه (لا اختلاف بيننا بسبب العقيدة )، ويقول بأنه مسلم يحترم كل الأديان ،فاستهجن الفقهاء وحراس العقيدة ما قاله ، وجعلوه ناقص دين ، وألبسوه لباس الردة ، وقالوا بأنه السبب في تنفذ الأنجليز في الهند ،و هو وراء انتشار المسيحية بها ، بالرغم من أنه حارب الأنجليز ، وبسط نفوذه كسلطان مسلم لأول مرة على كامل شبه جزيرة الدكن، قد تكون له عيوب عقدية وبدع دينية منكرة ، إلا أنه من الوجهة السياسية لا يختلف عن معاوية الذي ابتدع السلطان العضوض في الإسلام ، ولا من ابنه يزيد الذي داس على الإسلام عمليا بقتل آل البيت وسبي نسائهم ، والتعدي على حرمة بلاد الحجاز ، وهو ما عمقه عبد الملك بن مروان بأمره قصف الكعبة بالمنجنيق ، وقتل خصمه الصحابي عبد الله بن الزبير على أستارها ، وحز رأسه وإرساله لظل الله في الأرض في دمشق ، أم أن الأمر فيه شعوبية وكيل بمكيالين ، وبتعبيرنا الدارج (دابنا خير من عُودهم) .
خامسا/ التصارع السياسي بين خصمين ، يؤدي ولأسباب تافهة أحيانا إلى إزهاق أرواح وسقوط الآلاف المؤلفة من القتلى والجرحى الأبرياء، فقد تكون المصارعة الفردية بين خصمين أجدى ، ففي مبارزتهما حقن للدماء البشرية ، وهو ما تم بين جلال الدين وشريف الدين ، ورغم انتصار جلال الدين في المبارزة إلا أنه لم يقتل خصمه ، فاعتقه ومنحه الحياة ، وهو عفو عند المقدرة ، وترسيخ للمعاني السامية في ديننا الحنيف ، وبتداعي الأفكار تذكرت حادثة مشابهة وقعت في القيروان أيام ولاية حبيب بن عبد الرحمن الفهري ،( حفيد عقبة بن نافع ) الذي كان يسعى إلى الإستقلال بالمغرب ، ففطن الخليفة هارون الرشيد لحيلته ، فأوكل الأمر لأخيه إلياس بن عبد الرحمن لقتله ، ويكافؤه بتعيينه واليا مكان أخيه ، وفعلها إلياس ، وقتل أخيه غدرا أثناء زيارة له ، فحكم القيروان زمنا ، فخرج عبد الرحمن بن حبيب (ابن حبيب المقتول ) يطالب بدم أبيه ، وجمع جيشا من أنصاره وأتباعه، فزحف للقيروان للإنتقام من عمه ( إلياس )، فالتقى الجمعان خارج المدينة في استعداد للإلتحام ، غير أن حبيب قال لعمه إلياس : لماذا نزهق أرواحا بريئة لخلاف بين الأخ وابن أخيه؟؟ ، تعالى نبارز بعضنا ، ونقي أتباعنا شر القتال ، فتبارزا العم مع ابن أخيه ، فقتل حبيب عمه إلياس ، وحز رأسة وطيف به في شوارع وأزقة القيروان ذات زمان ، من أزمنة الغدرو الدم والنار، في عهد يسمى عهد العربان الأبرار .
مجمل القول أن الفيلم الهندي المدبلج[ جودا، أكبر ] رغم مساوئه العقدية المرفوضة عقلا ونقلا ، إلا أنه صاغ التاريخ الإسلامي برؤية حصيفة متميزة ، قلما شاهدناها في الدراما العربية التي تتغنى بالممجد ، وتسعى إلى تقديس الأسلوب الدموي في التعامل مع الغير( الكفار) عبر مشاهد قتالية منفرة تسيء للإسلام الرحيم أكثر مما تخدمه ، وتدعوا إلى قتال كل المخالفين لعقيدتنا وأفكارنا ، واعتبار ذلك القتال والقتل هو أسمى سبيل للتقرب إلى الله ، وكأن الله حسب رأيهم يدعونا إلى قتل كل المخالفين متناسين قوله الصريح في آيات محكمة التنزيل ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا ،أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين [4]وهو القائل كذلك ( ليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء )[5].
الهوامش ***********************
[1] محمد بن القاسم في غزو الهند ، معاصرلطارق بن زياد في حملته على الأندلس ، فالأول كان تحت أمرة الحجاج بن يوسف ، والثاني تحت أمرة موسى بن نصير ، كلاهما برعا في الجهاد الهجومي ، غير أنهما لقيا مصيرا مذلا بعد التخلي عنهما ، فابن القاسم أعدمه الجلاد الحجاج بن يوسف الدموي ، وطارق مات معدما متسولا على عتبات أحد مساجد دمشق العتيقة .
[2] سورةالإسراء ، الآية 33.
[3] أنظر الخبر في كتاب ابن عذارى المراكشي ، البيان ..ج1،ص 41.
[4] سورة يونس ، الآية99.
[5] سورة البقرة ، بداية الآية 272.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟