الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنـان..حيث -الاستثناء الفاسد- يطرد -الاستثناء الصالح-

خالد شوكات

2004 / 9 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لبنـان..حيث "الاستثناء الفاسد" يطرد "الاستثناء الصالح"

قديما قال المقريزي العالم المسلم الجليل " أن العملة السيئة عادة ما تطرد العملة الحسنة"، وحديثا وصف الدكتور المنصف المرزوقي المفكر السياسي والمناضل الحقوقي العربي المعروف، الحالة العربية بأنها "استثناء" ديكتاتوري قياسا بالحالة الدولية المتجهة باخلاص نحو الديمقراطية، مثلما وصف لبنان من قبل العديد من الكتاب والمفكرين، طيلة النصف قرن الماضية ويزيد، بأنه "الاستثناء الديمقراطي" في السياق العربي الاستبدادي.
ومن هذه المقولات والأوصاف، يملك المتابع للمشهد السياسي اللبناني الراهن، وللجدل الدائر حول التمديد للرئيس إميل لحود، أن يوجز ما يحدث بالعبارة التالية: " إن "الاستثناء الفاسد" بصدد طرد "الاستثناء الصالح"، إذ ليس للبنانيين الحق بالمنطق الرسمي العربي أن يظلوا استثناء ديمقراطيا لأنظمة حكم قهرية، كما لا يحق للعرب عامة أن يملكوا استثناء صغيرا يفسدون به على حكامهم صورة استثناء كبير، شيدوه طيلة عقود بكثير من القسوة والجبروت والفساد، وعمدوه بخليط من أجساد معارضيهم ودمائهم وآهاتهم.
الدستور اللبناني بالمنطق الرسمي العربي، يجب أن يكون عربيا أيضا، فما حاجة اللبنانيين إلى أن يكون لديهم دستور محترم، في حين يعيش عامة العرب من محيطهم إلى خليجهم "مهازل دستورية" لا تتوقف، تجعل من ابن الرئيس وريثا للعرش في دقائق، ومن الجمهورية قيصرية في لحظات.
و ما حاجة اللبنانيين إلى رئيس محدد الولاية في منطقة عربية أصبح فيها عدم تحديد الولايات قمة في ممارسة الديمقراطية، ثم ما حاجتهم إلى أن ينتخب نوابهم بحرية رئيسا جديدا، ما دامت لائحة الصلاحيات الممنوحة للنواب في العالم العربي لا تنص على هذه الوظيفة، وتقصر عمل ممثلي الشعوب على التزكية والتحية.
اللبنانيون الذين كادت نسبة الأمية تصل فيهم إلى العدم، والذين انتشروا في العالم بأسره، أصحاب رؤوس أموال وأعمال وأطباء ومهندسين وكتاب وأدباء وصحافيين وفنانين، وحققوا من النجاحات العملية والعلمية أكثر مما حقق أي شعب عربي آخر قياسا إلى عددهم، يجب أن يعاملوا كقصر غير عارفين بمصالحهم وغير قادرين على تحمل مسؤولية اختياراتهم، تماما كما هو حال بقية العرب، الذين لم يبلغوا بحسب أنظمتهم سن الرشد، فلا استحقوا أن ينتخبوا إلا موجهين سلفا، ولا استحقوا أن يتداولوا على سلطة أو يتعددوا في أحزابهم وجمعياتهم كبقية خلق الله في كافة أنحاء المعمورة.
لقد عفا الله عن لبنان ردحا من الزمن، إذ نجاهم من عبادة البشر، وخلصهم من نير الحكام- الآلهة، الذين يحكمون محيطهم العربي القريب والبعيد على السواء، حتى أن الرؤساء اللبنانيين وحدهم من بين نظرائهم العرب، من تمتع بإجازات التقاعد بعد آداء الوظيفة، ووحدهم من مات بعضهم ميتة طبيعية بين أهله وذويه، وكان في هذا الأمر إحراجا كبيرا للنادي الرئاسي العربي، فالآلهة التي لا يلج الخطأ قراراتها وتوجهاتها، تفضل التعامل مع إله أو آلهة لبنانية من طينتها، و من هنا كان المطروح على لحود أو المطلوب منه التحول إلى "رجل لكل المهام"،مثلما تضمنت ذلك يافطة من الحجم الكبير زينت شوارع بيروت مؤخرا، وربما قريبا "رجل كل الأزمنة"، فالآلهة لا ترحل ولا تموت من تلقاء نفسها، بل تنتظر حتى تصرعها آلهة أخرى من ذات جنسها.
لقد كان لبنان الضعيف عربيا منذ حربه الأهلية، وخصوصا ما بعدها، قوي خارجيا، لأنه وحده من يملك رئيسا منتخبا، ووزيرا أول تذهب الانتخابات به وتعود، فلحود – والحريري أيضا- عندما كان يزور باريس أو واشنطن، وحده من دون نظرائه العرب من كان مرفوع الهامة يمشي، فواشنطن وباريس وغيرهما من عواصم الدول الغربية تقدر وتحترم وتقرأ ألف حساب لمن هو منتخب فعلا، لا منتخب بالأربعات التسعة.
أما بعد مهزلة التمديد الأخيرة، فلن يكون بمقدور لحود ولا الحريري أن يمشي منتصب القامة، ولن يكون بمقدور المسؤولين اللبنانيين أن يدافعوا عن مصالح شعبهم الخارجية بتلك القوة المطلوبة، قوة حق التمثيل الشرعي والانتخاب الحقيقي، فالذي لا يحترم قانونه ولا يقدس دستوره، والذي يرضخ في دقائق معدودة للإملاءات قبيحة الشكل والمضمون، لا يضمن أن يحترمه الآخرون، ولا أن يجلوا دستوره أو قانونه أو مصلحته.
إن المعين من قبل شعبه حقا، ليس كما المعين من قبل غيره، وليس المنتخب بالكاد بخمسين أو ستين بالمائة من الأصوات، كما المنتخب بالمائة إلا سنتيما، وليس الزاهد في السلطة كالطامع فيها، وأخيرا ليس المقيد بالدستور والقوانين ورقابة المؤسسات والصحافة كمطلق الصلاحيات، المتوج فوق كل السلطات والعابث بكل الثوابت والحرمات..إن النوع الأول أضعف ما يكون في مواجهة شعبه أقوى ما يكون في مواجهة الخارج وفي الذود عن مصالح أمته، أما النوع الثاني فجبار على شعبه خوار أمام القوى الخارجية، متعال بين ناسه ذليل في المحافل الدولية، وتلك هي مفارقة الرئاسة العربية.
لقد استاءت أطراف عربية رسمية من تصريحات وزارتي الخارجية الفرنسية والأمريكية، الرافضتين لتجاوز الدستور اللبناني وتمديد ولاية لحود الرئاسية، باعتبار ذلك تدخلا في الشؤون اللبنانية الداخلية، وما كان أحد ليتدخل لو قيض للبنان ولدستوره أن يظلا محترمين، فالمحترمون لا يتدخل أحد في شؤونهم الداخلية، أما وقد خطط لأن يفقد لبنان ما بقي له من احترام ديمقراطي وأن يلحق بزمرة الدول التي لا حرمة لدساتيرها أو قوانينها، ولا دور لمؤسساتها أو آراء المصلحين فيها، فإنه سيكون من الطبيعي أن يتدخل في شؤونه وأن يقول البعض حقا وباطلا في قضاياه..إن شرط الاستقلال الخارجي أن تكون داخليا نزيها وشرعيا وديمقراطيا، وتلك هي المعادلة التي تسعى الأنظمة العربية بشكل دؤوب ومتواصل إلى الالتفاف عليها ومراوغتها بحجج ومبررات واهية لا تقنع أحدا، إنما يجبر الناس بالحديد والنار على الاقتناع بها.
لقد كنا نأمل كإصلاحيين وديمقراطيين عرب، أن نرى لبنان قد استعاد عافيته كاملة، وذلك بأن يستكمل اللبنانيون مسيرة استعادة قرارهم بعد أن استكملوا استعادة أرضهم، غير أنه قد بدا أن للقائمين على لبنان من لبنانيين وغيرهم وجهة نظر أخرى، ترى أن الأفضل هو "تعريب لبنان" – على نحو ما قالت الكاتبة سوسن الأبطح أخيرا- بدل "دمقرطة العالم العربي"، بحيث تصبح للبنان ملامح ومواصفات عربية، في مقدمتها الاستهانة بالدساتير والعبث بالقوانين ومبايعة الرؤساء العظام وتأليههم.
إن الراغبين في الاستهانة بالدساتير والتمديد للرؤساء إلى ما لا نهاية، لن يعدموا ايجاد المبررات والذرائع، لكنها كما أسلفت حجج ومبررات واهية وخادعة، ومن أخدعها وأزيفها شماعة القضية الفلسطينية ومصارعة الدولة العبرية، إذ إنها لمفارقة أن تتمكن اسرائيل من ربح جل معاركها ضدنا، وهي تغير رؤساء حكوماتها أكثر مما يغير مواطنوها أحذيتهم، وتحترم دستورها العلماني غير المكتوب أكثر مما يحترم المتدينون الارثدوكس فيها التوراة والتلمود، فيما نخسر نحن المعارك، ليقول زعماؤنا أن سبب الهزيمة عداء القوى الامبريالية، لا طبيعة أنظمة الرعب والخوف والقهر التي تقودنا..إن الأنظمة الديمقراطية العادلة وحدها من تقدر بحق على ربح المعارك والأزمات، لأنها قبل ذلك تصنع مواطنين كراما وأوطانا محترمة تستحق من أبنائها أن يدافعوا عنها ويضحوا بالمال والأنفس.
لقد جرب لبنان كيف أن احترام القيم الديمقراطية يفضي إلى ربح جميع أنواع المعارك، العسكرية والديبلوماسية والسياسية، فيما جرب الراغبون في جره إلى مستنقع الشمولية، كيف أن الديكتاتورية قد أفضت باستمرار إلى هزائم على كافة الأصعدة، هزائم عسكرية وتنموية وخارجية، فهل من المنطقي أن تقاد الانتصارات من قبل الهزائم، وهل من المعقول أن تخضع القيم الديمقراطية للإرادات الشمولية الاستبدادية..إن المنطق والمعقول في فضاء اللامنطق واللامعقوال ليس غير ضرب من الجنون...
د.خالد شوكات
* مدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي - لاهاي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة