الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤل الهوية ...لبنان نموذجا

أحمد عدلي أحمد

2004 / 9 / 4
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


يبدو أن الشعوب العربية والمسلمة تخوض امتحانا تاريخيا صعبا ، والأخطر أنهم غير مدركين لأهمية ذلك الامتحان ، ولا مدى تأثيره على حاضرهم ، ومستقبلهم ....
يوجد القليل من الخلاف بشأن هذه الجملة ، فالأحداث في العراق ، و أفغانستان ، وفلسطين تؤكدها خاصة في إطار غياب أي فعالية مؤثرة من قبل العرب و المسلمين للتأثير في مجريات الأحداث لصالحهم ، غير أن الامتحان الذي أقصده ليس امتحان التحدي السياسي والعسكري الذي يبدو أنهم قد خسروه ، ولكن امتحان القيم الذي يبدو أن العرب و المسلمين بسبيلهم لخسارته دون أن يشعروا ، وامتحان القيم هذا يمكن أن ندركه إذا استمعنا إلى الخطاب الشائع في القنوات الإخبارية العربية أو معظم الصحف الشعبية ، أو منابر الجوامع ....إن هذا الخطاب يبرز أن الرسوب الذريع هو نتيجة هذا الامتحان الذي نواجهه على الصعيد القيمي.
ذلك أن تلك الشعوب تواجه العديد من التساؤلات ويبدو أن الإجابة عليها ليست معدة ، والأسوأ أن المعد منها يكون خاطئا في بعض الحالات ، ويمكن أن نحدد هذه التساؤلات فيما يلي:
• تساؤل حقوق الإنسان.
• ـتساؤل الديموقراطية.
• تساؤل الإرهاب.
• تساؤل الدولة في مواجهة التجمعات الأكبر و الأصغر.
إن هذه النقطة الأخيرة هي التي يجدر أن نبدأ بها ، فعلى مدى قرن تقريبا واجهت كل الدول العربية تقريبا هذا التساؤل ، و كانت المتناقضات التي يواجه بها هذا التساؤل كافية لتوضح تداعي الفكر السياسي العربي ، هذا الفكر الذي أثر بلا شك على المجتمعات الإسلامية الأخرى فزاد من تهافت تفكيرها السياسي.
يبدو التعارض من خلال فكر شعبي ورسمي يدعو إلى احترام الدولة القائمة وينظر للوطنية والانتماء كقيم إيجابية ، ويروج مع ذلك لفكرة أن هذه الدولة كيان مصطنع والأخطر مفروض من قوى استعمارية قسمت المنطقة طبقا لمصالحها ، وهو ما يتناقض مع الدعوة لاحترام هذه الدولة و الانتماء إليها ؛ إذ تصبح ضمن هذا التصور كيانات مقيتة من مخلفات الحقبة الإستعمارية وتصبح بالتالي الدعوة للاهتمام بمصالح هذه الكيانات أولا ، وتقديمها على مصالح غيرها من التجمعات عمالة ، لذلك فإن الرأي العام ، والقطاع العريض من المثقفين ينظرون إلى اليمين اللبناني ، وإلى الإنعزاليين من المثقفين المصريين باعتبارهم عملاء ، وهو وضع طبيعي طالما أنهم يدعون لتقديم مصالح تلك الكيانات العميلة.
في مواجهة الدولة العربية والإسلامية القائمة توجد أيدلوجيتان تعملان ضدها : الأولى هي الأيدلوجية العروبية التي ترى أن الإقليم العربي من المحيط إلى الخليج كيان سياسي واحد ، وفتت وتسعى بالتالي لتوحيده ، والثانية ترى أن المسلمين في أي بقعة من العالم هم جزء من دولة واحدة مفترضة هي الدولة الإسلامية الحلم ، وبينما جرت محاولات عدة للتوفيق بين العروبة والدولة القطرية كالتفريق بين الوطنية والقومية ومنح كل منهما تعريف أيدلوجي يختلف بالطبع عن تعريفيهما العلمي المعترف به في جميع أنحاء العالم ، فإن الأيدلوجية الإسلامية تبدو عصية على مثل هذه التوفيقية ، فهي بالتعريف تجعل المسلم في مصر أخا للمسلم في الفلبين تجب عليه نصرته بدمه وماله ، بينما المسيحي الذي يسكن في مدينته لا يتمتع بذلك الحق ، فلا يجوز أن يكون أخا ، بل هو في أفضل الأحوال ذمي ، وهي وصفة عربية تصف الأحلاف والأتباع الذين يتعلقون بذمة القبيلة دون أن يكون لهم شرف الانتساب لها، وفي أحيان أخرى فإن البشر ينقسمون إلى فسطاطين أحدهما يجمع المسلمون والآخر يضم غيرهم من كل جنس وملة حيث لا يوجد بين هذين الفسطاطين سوى الاقتتال الأبدي ، إن هذا التصور لا يبدأ من خطاب "ابن لادن" الشهير بهذا الصدد ، بل نلمح بداياته منذ تقسيم الهند حين صور المؤدلجون الإسلاميون الصراعات التي تفجرت بين المسلمين والهندوس قبيل الاستقلال باعتبارها حتمية وموازية للصراع الأبدي بين الكفر والإيمان والخير والشر ، ولذلك فقد روجوا للدولة الإسلامية حيث يعيش المسلمون في الهند بأمان.
بين الإسلاميين و العروبيين سقطت الدولة الحديثة ، وغاب الولاء والانتماء لها ، بل أصبح أحيانا عمالة و خيانة ، وبرغم الصراع التاريخ بين الأيدلوجيتين فإن تحالفا من نوع ما نشأ بينهما وهو تحالف الأعداء على نحو ما كان بين الفاشستية والنازية لمواجهة عدو مشترك ، والعدو المشترك للعروبيين والإسلاميين يتمثل في التمدد الأمريكي من جهة والذي يرى في كل المقالات الراديكالية خطرا تجب محاربته ، كما تتمثل وبنفس المقدار في القوى الديموقراطية والليبرالية .
تنظر الولايات المتحدة للأيدلوجيات باعتبارها خطرا من حيث قدرتها على حشد الجماهير باتجاه فكرة سياسية تنزع بطبيعتها لتغيير العالم و إلى المواجهة مع القوة العالمية، وتفهم الصراع الصدامي وسيلة وحيدة لتحقيق أهدافها بينما تفضل القوى الليبرالية باعتبارها لا تتمركز فكريا حول الصراع والتغيير الجذري للعالم ، {وهي بالتالي الأكثر تعاملا مع الواقع المحكوم بالهيمنة الأمريكية } وتتبنى منهجيات التفاوض والصراع اللين كما تقبل التنازلات ، والحلول الوسطى ، ورغم تفضيل الولايات المتحدة لهذه المنهجيات إلا أن ذلك لا يعني أنها الأسوأ ، فإن اعتبار مدى القرب من الولايات المتحدة لتحديد الجيد من الردئ من الأفكار يعتبر رزيلة رائجة في سوق الفكر العربي والإسلامي أدت لرواج أيدلوجيات راديكالية فاشلة وأكسبت أنظمة رجعية وأخرى فاشية شعبية واسعة نظرا لخطابها الصدامي مع الغرب والولايات المتحدة بخاصة ، والتي ينظر غليها باعتبارها العدو الأول غير أن هذه الفكرة بحاجة لمراجعة ، فمن "عبد الناصر" العروبي إلى طالبان الإسلامية المتطرفة لم تؤدي الأيدلوجيات الصدامية إلا إلى هزائم و نكسات كارثية ، بينما أدت سياسة براجماتية كالتي قادها "مهاتير محمد" في ماليزيا على تحول بلاده إلى قوة اقتصادية واعدة تشكل الشركات الأمريكية والأوروبية و اليابانية عصبها
قد يبدو تساؤل الهوية والدولة سؤالا هامشيا أو سفسطة مثقفين ، غير أن هناك شواهد كثر تطفو فوق سطح السياسة في المنطقة تؤكد حتمية الإجابة عن هذا السؤال : إن قضية الرئاسة في لبنان مثلا تعتبر تجليا لذلك السؤال ؛ إذ يبدو التدخل السوري في لبنان أكثر صفاقة من التدخل الأمريكي في كثير من الدول ، فالقوات السورية واقع مشاهد في حياة اللبنانيين ، والرئاسة اللبنانية تبدو وكأنها شأن سوري بحيث تتحرك التعديلات الدستورية و تصدر الأوامر العلية للنواب الموالين لسورية لتبني الطرح المناسب للنظام السوري وهو استمرار العهد الرئاسي، وبرغم ذلك فالمعارضة لذلك التدخل يجب أن تكون مغلفة بأقصى درجات المواربة ، واللين الدبلوماسي حتى في وسائل الإعلام المحسوبة على المعارضة بينما المعارضة السريعة للوجود السوري ينظر لها كحركات متمردة أقرب للعمالة والخيانة ... تريد سورية نظام سياسي يضمن لها استمرار سياسة لبنانية ملائمة لسورية تتمثل في استمرار الدعم لحزب الله ، وعدم نشر الجيش اللبناني بالجنوب ، وعدم إنهاء الصراع اللبناني/ الإسرائيلي ، ولا يهم أن يكون ذلك النظام ضار بالمصالح اللبنانية بما أنه يجمع بين الفشل والفساد، وهو وضع يتم فيه التضحية بالمصالح اللبنانية في سبيل التزام عروبي {سوري بالتحديد في هذا المثال} وفي هذا الإطار فإن صياغات مثل هانوي مقابل هونج كونج تبدو تجليا للسؤال الكبير حول الهوية، ويتعقد المشهد حين تطرح التساؤلات التالية:
• هل إخلاص حكام لبنان الجدد لسوريا ينبع من إيمان حقيقي لمبدأ الشعب الواحد والدولتين ، أم أن ذلك ضمان لبقائهم في السلطة؟
• خل دفع الشيعة وبعض السنة عن بقاء القوات السورية ينبع من إيمان حقيقي بفكرة الشعب الواحد أيضا أم أنه ضمان للمكاسب النسبية التي حصلوا عليها بعد الحرب الأهلية؟
• وهل دفاع المعارضة المسيحية عن هوية لبنانية هو من قبيل الدفاع عن فكرة الوطن/الدولة أم لأن هذا الوطن المستقل هو الذي يؤمن للمسيحيين وضعهم المميز باعتبارهم أقلية كبيرة جدا {45% من الشعب اللبناني} ، وبالتالي تضمن لهم ثقلا سياسيا لا يمكن أن يتحقق بضم لبنان لكيانات أكبر؟
إن هذه الأسئلة هامة لأنها توضح كيف يتم التلاعب بالهوية من أجل منافع شخصية كما توضح أن التهديد للدول العربية والإسلامية لا يأتي فقط من الذين يريدون طمسها داخل كيانات أكبر مستحيلة التحقق إلا داخل الحلم الأيدلوجي ، ولكن أيضا من الذين يريدون سحقها إلى قطع صغيرة تحت دعاوى طائفية وعرقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح