الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراية العالية في ليل الثقافة العربية

أدونيس

2010 / 9 / 16
بوابة التمدن



الراية العالية في ليل الثقافة العربية
الخميس, 16 سبتمبر 2010
أدونيس

Related Nodes: الطريق الى التحديث [1]سيرة ومؤلفات [2]بحثاً عن سياق تاريخي واجتماعي [3]الحافر عميقاً في بنية الفكر العربي [4]الممنوع والممتنع [5]الثورة على الاستشراق والمآزق [6]محمد أركون رائد حوار الأديان رحل عن 82 عاماً [7]خارج جدران اليقين [8]
كمثل غيره من المنارات، يُنهي محمد أركون سفره في ليل العالم الثقافي العربي - الإسلامي. كان نقطة التحامٍ وراية عالية في المعترك الذي يخوضه الجهل والتخلّف والعماء، ضد المعرفة والتقدم، وضد الإنسان.

وكان يُدرك أن هذا المعترك يتخطّى، بمعناه ودلالاته، السياسة وأنظمتها. فلئن كانت الحركات الأصولية في مختلف تجلياتها، تتخذ من السياسة ميدانها المباشر، فقد فَطِنَ محمد أركون الى أن عملها السياسي مهما نجح في أن يستنفر، باسم حماية الدين والدفاع عنه، قوى مختلفة ومتنوعة، وأن يجيّشها، فإن مدار هذه الحركات يتخطى السياسي الى ما هو أبعد وأعمق: الى الثقافي - الإنساني. هكذا كان يعي أن أخطر ما تقوم به الحركات الأصولية، لا يتمثل في السياسة، كما يرى كثيرون بين الأنظمة وجماعاتها، وإنما يتمثّل بالأحرى، في العمل على تحويل الثقافة الى طبيعة. ذلك أن النظر الى الثقافة بوصفها طبيعة، أي فطرية وثابتة ونهائية كمثل الطبيعة، ليس، في الممارسة، إلا تهديماً منظّماً للثقافة وللطبيعة في آن. وفي هذا تهديمٌ للإنسان نفسه، ونفيٌ لكل إبداع.

*

مرة، في نقاشٍ حميم حول بعض أطروحاته، اقترحت عليه، باسم صداقتنا الطويلة المتينة، أن نبادر الى التأسيس لفريق عملٍ يخطط لكتابة تاريخ جديد للثقافة العربية، يخرجها من «تمركزها» حول نفسها، ومن أطر الانقسامات الدينية والمذهبية، ومن المناهج الكتابية التقليدية، ويقرأ الحياة العربية والإبداع العربي في سياق الثقافة الكونية ومُشكلاتها. قَبِلَ الفكرة، مبدئياً، وسألني أن أضع مخططاً مختصراً، نبعثه في اجتماع قريب. وهكذا فعلت، وأسمح لنفسي هنا بأن أوجزه في هذه النقاط السبع:

1 - الذات، بوصفها اندراجاً في الطبيعة (فترة ما قبل الإسلام)،

2 - الذات، بوصفها اندراجاً في ما بعد الطبيعة (الوحدانية، النبوّة، الوحي... الخ)،

3 - الذات، بوصفها معرفة (العقل، الحدس، الحقيقة... إلخ)،

4 - الذات، بوصفها مخيّلة (الفنون، الآداب...)،

5 - الذات، بوصفها رغبةً (الجسد، الحب، الجمال...)،

6 - الذات، بوصفها علاقة (الآخر، الأرض، التاريخ...)،

7 - الذات، بوصفها سياسة (الجماعة، المدينة، القانون، النظام... الخ).

في اجتماع لاحق، ناقشنا هذا المخطط، ودخلنا في تفاصيل كثيرة، ومما قاله، متسائلاً:

ألن يوسّع هذا المشروع حدود الحرب التي شُنّت علينا؟ حتى الآن، يشنُّها أهلُ الجهالة. وفي هذا المشروع ما يؤلّب علينا أهل الوظيفة والتعلّم، أولئك الذين يحتلّون المدارس والمعاهد والجامعات والمؤسسات.

كيف لنا أن نتحمّل مثل هذه الحرب الواسعة؟

فكّر في الأمر.

*

فكّرتُ، أيها الصديق الراحل، وأفكّر.

أعرف مثلَك أن السائد في ثقافتنا وحياتنا يتمثل في الأفكار التي تقول بالإصلاح. وأعرف مثلك، في ضوء الخبرة التاريخية، أن الفكر الإصلاحي يستند، قبل كل شيء، الى المسبّقات الراسخة، وأنه لا ينغرس في الواقع لكي يغيره، بل لكي يدعمه. ولطالما تساءلنا معاً: كيف يمكن أن نُصلح وضعاً بالفكر نفسه الذي أدّى الى نشوئه؟

فكّرت، أيها الصديق الراحل، وأفكّر.

لم تعد المسألة في الحياة العربية - الإسلامية مسألة إصلاح.

إنها مسألة تأسيس.

*

أيها الصديق الكبير الراحل،

لا أقول لكَ وداعاً. سأرجئ هذا الوداع. لكن، باسمه، أتابعُ الاحتفاء بصداقتنا في الحرية والإبداع، الصداقة التي تُميت الموت.



--------------------------------------------------------------------------------

Source URL (retrieved on 09/16/2010 - 21:16): http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/181868
copyright © daralhayat.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي


.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية




.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري


.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس




.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟