الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطابور ( قصة قصيرة)

بشير زعبيه

2010 / 9 / 17
الادب والفن


عينان باتساع الوجه.ليستا مسالمتين اذ تنكمشان مجبرتين تحت خط اسود كثيف ينحنى مرتين راسما قوسين غير منتظمتين يتراقصان كلما هم الفم بالكلام ... حينئذ فقط سنكتشف ان الوجه يحمل فما ايضا وها هو :
- ما هذه الفوضى ؟..
لايبدو ان للجملة مد لولا استيائيا او تساؤليا ، بل لا يبدو اساس ان لها علاقة بشكل الحشد الذى انتظم فى طابور امام شباك المراجعة فور احتلال الموظف مقعده قبالتهم مباشرة ، لا يفصل بينه واول المحتشدين سوى حاجز نصفه الاسفل معدنى والاعلى زجاجى ضبابي اللون توسطته عند اسفل القاعدة فتحة على هيئة نصف دائرة تسمح برؤية النصف الاعلى للموظف بعينيه المعبرتين عن عدم رضى شامل وفمه الذى واصل :
- انت ..يا سيد..
كان مبررا لكل من يقف ضمن الطابور ان يساوره اعتقاد بأنه قد يكون ((السيد)) المعنى .. ذلك ان موظف الشباك لم يكن واضحا انه يوجه جملته الثانية فى اتجاه محدد ، ولا بد لمن تردد كثيرا من هؤلاء الذين انتظموا امامه قد خبر ما يسمعه الآن ويشاهده حتى بات الجميع مستوعبا ان ذلك لا يخرج عن سلوك مكمل للطقس الذى اعتاد الموظف ان يهيىء خلاله نفسه للتعامل اليومى مع مراجعيه .. لهذا فان احدا لم يرد ، وهؤلاء يعلمون ايضا ان طقس الموظف غالبا ما ينتهى بجملة ثالثة عادة ما تكون توبيخا او شتيمة صريحة اذا حاول ذلك الـ (( أحد)) ان يرد : "نعم .."
- انا لم اقل يا حمار . . .
هنا بالظبط كان الموظف يتوجه تحديدا الى الاستاذ عبد ربه الذى استقبل الاهانة بلهاء ثم بصعوبة افتعل نصف ابتسامة فيها رجاء بل يقين بأن الموظف سيسارع ليصحح :
لكنه شعر وكأن يد الموظف قد اخترقت نصف الدائرة المفتوح اسفل الزجاج لتوجه له الصفعة :
- نعم . . انت . . .
وفى اللحظة التى بدا فيها عبد ربه يستوعب حقيقة انه اهين علنا ودون مبرر وأنه لابد ان يفعل شيئا . . اى شيء .. وكان قد اصبح ايضا خارج الطابور. . اذا رأى المحتشدون أنهم بازاحته جانبا ربما افلحوا فى تقديم خدمة نرضى الموظف الذى لم يعد فى امكان عبد ربه رؤيته ولا نصف الدائرة التى حجبها الحشد . . ما هذا الامتحان يا استاذ ربه وأنت الذى امضيت نصف عمرك فى امتحان الآخرين . . هل فى الحى من يتنكر لأفضال وفضائل الاستاذ عبد ربه المدرس . . واذا كان هذا الجاهل لا يعرف قدر الرجال فلا بد ان يكون على رأسه مسؤولون يعرفون وستذهب اليهم فوراً . . بل ستطلب كبيرهم وتقول له بتعب وغضب :
- أنا . .
فيقاطعك مبتسما هازا رأسه :
- طبعا الأستاذ عبد ربه ..
وستشعره صراحة او تلميحا بأنك شرفته وشرفت المصلحة بهذه الزيارة . . .
عندها ستكون الفرصة قد اتت لتلقى باحتجاجك :
- لكن هناك من يجهل قدر الرجال . .
- وستحول احتجاجك سريعا الى شكوى وتندفع :
- لقد أهنت اليوم فى مصلحتكم . .
- ولن تبالى بانكماش الابتسامة المفاجىء والدهشة التى ارتسمت على وجه المسؤول . . وحين سيفهم أن موظف الشباك سبب الشكوى ستتحول دهشته الى استهجان وستمتد يده على الفور الى جهاز الهاتف او الى زر ما ليستدعى ذلك الموظف ويهينه وقد يطلب منك ان ترد بنفسك الاهانة على الموظف الذى اصبح مصيره رهن حكم منك . . وحتى ان خانتك روح الانتقام وغلبتك الشفقة وتراجعت فان المسؤول سيتولى بنفسه اصدار الحكم وان يكون اقله . فصل الموظف عن الشباك . .
ساعتها ستقنع نفسك بالحياد وعدم التدخل وتكتفى بتقبل اعتذار المسؤول لأنك تصورت كيف ستكون وقائع اليوم التالى كافية لرفع الاهانة واعادة الاعتبار . . فها أنت ترى نفسك عائدا يرتسم الكبرياء فى كل حركة تحاول بها تنبيه هذه السلسلة البشرية وتحديدا تلك الوجوه التى كانت بالأمس ايضا تأخذ مكانها فى الطابور نفسه بأنك منزل العقاب بذلك الموظف المتعجرف الذى اختفى من خلف الشباك،وأطل وجه مسالم العينين من نصف فتحة الزجاج الدائرية . . وسيستجيب الجميع لهذا التنبيه الذى قد يشغلهم عن الاهتمام بحركة الموظف الجديد ويتحول الاهتمام اليك وحدك فيشير احدهم نحوك باصبعه ويتسابق آخرون على افساح حيز يليق بك فى الطابور . . .
اذهب الان . . لن تتعب كثيرا قبل ان تواجهك فى ممر ما تلك اللافتة (( المدير العام )) وعندما تقف على عتبة الباب المحاذى لها فان مصير الموظف سيكون قد تحدد . . .
فى اليوم التالى كان بوسع عبد ربه ان يكتشف أشياء لم تكن ملفتة كما هى الآن . . ضيق المكان مثلا . . والطلاء الرمادى الغامق الذى راده ضيقا وعتمة . . لا نوافذ . . وهذا السقف لماذا انخفض فجأة حتى فرض على الجميع استعدادا دائما لانحناءة الرأس قليلا . . هل هذا ما يبرر انحناءة رأس عبد ربه الظاهرة ام هو انشغاله بمراقبة الملف المحاصر بين احدى قبضتيه وجانبا من خصره ، لولاه ما الذى اجبر عبد ربه على الوقوف آخر الصف متحاشياً أنظار هؤلاء الذين يتدافعون ملتحمين باتجاه الشباك ثم يتراجعون مرتبكين حين يأتى الصوت ساخطا ناهيا :
- ما هذه الفوضى ؟.
احس عبد ربه ايضا أن المسافة الفاصلة بين الشباك والحائط المقابل ضيقة هى الأخرى حتى بدا له ان بامكان يد الموظف ان تطال وتصفع من تشاء فى هذا الصف الطويل المحشور هنا . واذا طغى الصوت ثانية :
- أنت . . يا سيد . .
لم يرد أحد . . لكن قبضة عبد ربه احكمت فورا على الملف وارتفعت به قليلا حتى صار منكمشا بين القبضة والابط وامتدت يده الاخرى فى شبه تردد تتحسس أذنيه بينما ظل رأسه منحنيا وتحول المكان كله أمامه الى كعبى رجل يندفعان فى تعثر الى الأمام تارة ثم يتراجعان فيتراجع بدوره الى أن يحس بسطح الحائط باردا خلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_