الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتصالية النهضة واللغة القومية

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 9 / 17
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


يحمل مصطلح النهضة (Renaissance) معانيَ: الرقي ، والتطور ، والتميز . وهي معانٍ تعدُّ مظاهر أساسيةً للحضارة . من هنا فالنهضة نفسها هي المظهر الحاسم لوجود للحضارة ، وهي النتيجة القاطعة لتحقق الحضارة .
أما اللغة القومية التي سأعنيها هنا ، فهي اللغة العربية التي هي وليدة بلاد العرب ، بما تحتويه من لهجات متعددة متفاوتة الخصائص والأوصاف ، وكل لغة قومية هي لغة القوم الذين نشأت فيهم ومارسوا الكلام بها ، والتفكير بها ؛ حتى غدتْ جزءاً مركزيًا من أجزاء هوِيتهم الذاتية ، وعنصراً أساسياً من عناصر خصوصيتهم الثقافية. اللغة القومية رابطة متينة من روابط الأمة وقومها ، إلى جانب الرابط العرقي ، والديني ، والتاريخي .
ليس بالضرورة أن تكون اللغة القومية هي اللغة الرئيسية ، فقد تغلب بعض اللغات على اللغة القومية ، كما هو حال الدول التي تعرضت لحقب استعمارية ، أو إمبريالية طويلة كدول وسط وجنوب أفريقيا ، وأميركا اللاتينية.
وظاهرٌ – بالدلالة اللغوية والتاريخية - أن مصطلح النهضة يقتضي أسبقية المرور بمرحلة سقوط ، فالنهوض يستوجب سقوطاً، أو قعوداً قبله ، وإلا ما جاز أن يسمى نهوضاً ، فالواقف لا ينهض ، كما أن الجالس لا يسقط. وهذا ما توكّده وقائع قيام الحضارات والأمم ، وانبعاث نهضاتها.فما من أمة نهضت وارتقت إلا كانت قد مرت بمرحلة سقوط وانحدار ، ولنا هنا أن نشير إلى حالة العرب قبل القرن السابع الميلادي ، وحالة أوربا قبل القرن الخامس عشر الميلادي .
إن كل أمة تسعى لتحقيق حضارة لا يمكنها أن تبنيها دون الاعتماد الأساسي على عناصر خصوصيتها الثقافية والتاريخية ، التي تحتاج بدورها إلى تطعيم وإمداد خارجي من حضارات أخرى ، بطريق التبادل التآثري - أي القائم على التأثير والتأثر- .
ولا يغيب عنا أن خصوصيات كل أمة لا تكفي- وحدها- لاصطناع حضارة تفضي إلى نهضة ، لذلك ذكرتُ دور الإمداد الخارجي الذي يستنكف بعض الناس عن الاعتراف بأهميته في غمرة الحماس للدعوة إلى حضارة ونهضة تخصّ أمتنا العربية والإسلامية.
إن شواهد التاريخ على أهمية الإمداد الخارجي قوية وكثيرة ، ويكفي لتوكيدها النظر إلى كل الحضارات القوية والمؤثرة في العالم ، من حيث بنيتها ، وتاريخها ، فالحضارة العربية الإسلامية –مثلاً- احتاجت واستفادت من الإمداد الإغريقي والروماني ، والفارسي والهندي ، فكل ذلك أسهم في بناء حضارة ونهضة باذخة قوية حين امتزج بتراث العرب، وثقافتهم، ونصوص وإرشادات الإسلام.
كذلك الأمر مع الحضارة والنهضة الأوربية الحديثة ، التي تغذت بمنجزات وجهود العرب والمسلمين، وارتفقت على حضارتهم ، مع ما بذله الغربيون من جهد خاص ، وإبداع ذاتي ؛ أفضى كل ذلك إلى ظهور الحضارة الغربية ونهضتها الحديثة.
سأنظر إلى النهضة بصفتها حصيلة لحضارة الأمة ، فهي زُبْدَتها وحاصل مخاضها، وسأنظر للغة القومية بوصفها حاضنة ، وقنطرة لثقافة الأمة ، -وهنا علينا استحضار الفرق بين الحضارة والثقافة- .
ليس يخفى عنا أن تمتين اللغة القومية هو قائد إلى تقوية فرص المتانة النهضوية ، فلا نهضة لقوم دون لغة خاصة بهم ، وكل النهضات المؤثرة لم تنفك عن لغاتها القومية ، كما هو الحال في :الأمة الصينية ، والفارسية ، والعربية، واليابانية.
اللغة عنصر ثقافي ، أي مكوّن ثقافي. والنهضة عنصر حضاري ، أي أنها مكوّن من مكونات الحضارة بل هي الشاهدة على تمامها وتحققها ، وإنما قلت إنها من مكونات الحضارة بناء على رؤيتي إلى أن نتيجة الشيء هي امتداد عضوي له .
لو أراد العرب اليوم تحديد مناط أهميتهم في العالم سيجدون أنهم مالكون لثلاثة أشياء هي :
1-العنصر الاقتصادي الماثل في الثروات الطبيعية
2-التراث الغني والماضي المنير ، حيث كانت حضارتهم قائدة للعالم علمياً وفكرياً ، طوال القرون الوسطى.
3-اللغة القومية ، حيث إن العربي في غُنية عن الاتكاء على لغات أخرى ليبث أفكاره ، ويظهر آراءه، إلا في بلدان محدودة من المغرب العربي.
النهضة التي نتغياها لن تستطيع الاستغناء عن اللغة القومية للعرب ، وهي التي نراها عنصراً مركزياً في إقامة كيان نهضوي خاص بنا، فضلا عن كون اللغة القومية عنصراً مؤسساً لهوية كل عربي ،فضلاً عن دينه وعرقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ