الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارما الكراهية

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2010 / 9 / 17
الادب والفن


-العين بالعين تجعل كل العالم أعمى.-
"غاندي"



لقد تغير مفهوم القضيّة، تغيرت المفاهيم التي نثور من أجلها، و نحاول تغييرها.. لم يعد استلاب الأرض قضية، لم يعد قتل الأطفال قضية، لم يبق من جميع الأديان إلا فتاوى تحريضيّة.

المقدسات لا تحرق و لا تمس، و إذا ما آمنت فعلا بحرف فإنك لن تثور إن أحرقته الدنيا كلها، الأجدر بك أن تفتح عينيك المغمضتين على حرق مقدسك من قبلك و من قبل من يؤمن به، فالحرق بمعناه الحرفي لا يسيء بمقدار واحد في المليون مما قد يسيء حرق المعنى، و إهمال الفكرة.

ستحاكم الإنسانية كل من يُسهم في تشكيل ( كارما الكراهية) سواء بحرب أو حتى بكلمة...
**********


- ترسمين على الجدار ياغبية، هذا بيت و ليست خيمة...
قبضت سنواتي الثمانية على قطعة (الطباشير) الأبيض بحزم، انتظرته حتى رحل ثم تابعت الرسم.. لم يكن تمردي الطفل سوى تحقيق لرغبة حزينة لطفلة هرمة فتحت عينيها على أمها التعسة في خيمة لاجئة.

-و في المخيمات كنّا ننتظر (بابا نويل) المعونات، و كان حجمي الهزيل لا يسمح لي حتى بتخيل طريق صغير يعترض زحام الجائعين، لذلك كنت أذهب وقتها إلى الخيمة التي ندرس فيها أنقّب عن قطع الطباشير النادرة، التي تقرض بين أصابعي الصغيرة فئران الملل، و عندما أجدها أركض إلى أمي بالغنيمة، و أحاول إسعادها بكنزي الصغير، لكنها قلما كانت تلتفت لي، كانت همومها أكبر من أية مشاعر قد تهتز فيها تجاهي، و نادرا ما كنت أسمع صوتها.
عندما ضمتنا جدران (الأردن) لم نكن كالبقية، اختلافنا جعل من الرسم على الحائط جريمة مدويّة.. و مع الأيام كرهت الطباشير، و كرهت الرسم.

كنا بلا وطن، و كانت مشاعرنا أرخص من أن تُحترم.. أذكر يومها كنت طفلة، و كانت هناك (فلسطين) ..اليوم و أنا شابة كهلة ليس هناك حتّى(غزة)...

ليس "القرآن" فقط ..لقد أحرقوا جميع كتب الأديان، و كل شرائع حقوق الإنسان في مجزرة قافلة الحريّة.. و قابل العرب و المسلمون سياسة الحرق بالصمت.

انتظرت أن أقتل حلمي الكبير بوطن صغير .. لأكتشف بعد سنين أن حلم الوطن يكبر و يهرم، قد لا يستطيع النهوض، لكنه لا يموت.
**********


-حلمي كان مختلفا، فاسمي الذي يعلن بوضوح عن قوميّة( كرديّة )كان كفيلا بتنكيل يقض مضجعي، و يجعل حلمي الأوحد أن أغيّر اسمي.. كانت تلك الرغبة الطفولية في أن أكون كباقي الأطفال مشتعلة في عراق جمره نائم تحت الرماد، لم تقدر حاستي السادسة على التنبؤ بيوم تصبح فيه جميع الأسماء الدالة على القومية أو المذهب لعنة على رؤوس أصحابها.
كراهية مبهمة تحرضت في قلبي الطفل، و كبرت معي و أبعدتني عن أرض طفولتي.

في العراق كنّا كما اليوم بلا وطن، كانت مشاعرنا أرخص من أن تُحترم، و كنا أقل من الجميع.. عندما هاجرت إلى (السويد) قابلت الحياة لأول مرة، و لا أعتقد أيا من أطفالي يحلم بتغيير اسمه..

إن حرق صفحات" القرآن "بيد متعصب أخرق حدث لا يجب أن يشكل تهديدا وجوديا، و قضية تُعمي عن قضايا مصيريّة .. كما أن مذابح القتل المذهبي في العراق (مثلا) و التي هي تهديد وجودي خطير، و أذية قاتلة للمشاعر الإنسانية.. لا يجب أن تدخل في سياق القدر.
**********


-أنا حلمت بكعكة، و كأس من العصير..لا تسخروا من حلمي الصغير الذي لازم طفولتي الفقيرة الجائعة، كنت أشم رائحة الجبنة و الخيار تفوح من أرغفة التلاميذ في فسحة المدرسة، بينما يحتوي رغيفي على (ماء و ملح) ..هل تتوقعون مني حلما أفضل من كعكة!
نحن الفقراء في كل الأمكنة و الأزمنة مشاعرنا أرخص من أن تُحترم، و نظرة المجتمع الدونيّة إلينا تُنسينا أننا شرفاء.

هنا في (أمريكا) أحسست كوني مواطنا، أشبه الجميع .. تتوقف السيارات مهما كان نوعها حتى أقطع الشارع، و لا أحد يهتم عملت طباخا أم زبالا.
بالمناسبة أنا طباخ محترم هنا و معي (بطاقة خضراء)...
بالطبع لقد آذت مشاعري فكرة حرق" القرآن"..لكنني و( بحكم الاحترام الذي ألقاه هنا )تعلمت أن رد الإساءة بالإساءة فعل أخرق.
**********


-أنا حلمت بأن أكون طبيبا، و أن أحصل على جميع الإمكانيات العلميّة التي لا تتوفر في بلادي المنهوبة..حلمت ببلد لا أهمية فيه لكوني من الأقليات الطائفية، بمجتمع لا يتدخل بمعتقداتي الدينية.

بالطبع أنا أعرف أن أمريكا ليست الجنة، و أن لها سلبياتها و مجاهلها، لكن بغض النظر عن سياساتها الخارجية فالتقدم العلمي فيها يغري طموحي الشاب.
يقولون الإصرار على الحلم يحققه..هذه حقيقة ، أنا اليوم هنا، و مما حدث هنا:


-هل سمعت : وقع خلاف بين الدكتور"سعيد" و الدكتور "عزت" ...
- (ليش)..ضروري الفضايح في المستشفى ( مو حلوة قدام الدكاترة الأمريكان)..
-أنا توقعت حدوث ذلك ...
-كيف.
- عندما كانا في المسجد يصليان لم يلامس كتف أحدهما كتف الآخر ..فدخل الشيطان بينهما.
- هل تمزح؟! أنت طبيب تفكر بهذه الطريقة!
- استغفر ربك يا حكيم، و تعوّذ من الشيطان ..تعوّذ..إن شاء الله نصلي جميعا في مسجد " بيت قرطبة" ...


لا يتعارض التقديس مع العقل، و إن تعارض معه فالمقدس مطرود حتما من دائرة المصداقيّة، لا أعتقد أنه يوجد من يسيء إلى الإسلام أكثر من غالبية المسلمين أنفسهم، و إن إصرار العديد منهم على بناء " بيت قرطبة" في مكان أحداث الحادي عشر من أيلول كنوع من التحدي لفكرة ربط الإسلام بالإرهاب هو( للأسف) ترسيخ لهذه الفكرة.
فالأرض هناك لمواطنيها الذين يحق لهم الرفض أو القبول، و مهما كان سبب رفضهم لا يجب على المسلمين سوى احترامه و ذلك إن كانوا معنيين فعلا بتحسين صورة دينهم عند الغرب عموما.

إن فرض مكان محدّد لبناء مسجد هو قضية توقظ الإعلام العربي المسبوت، لكن الطائفية التي تنمو و تكبر بطريقة (الهس هس) موضوع لا يُطرح للجدل و لا يُعرّى للتنوير!
**********


الذين مرّوا من هنا وضعوا أحلاماً، و بصموا بأفكار.. هم أشخاص حقيقيون، اتفاقنا أو اختلافنا معهم لا يعني مطلقاً نهاية الجدل...

إن( كارما الكراهيّة) التي تشكل طبقة غلاف جوي جديدة تحيط بالكرة الأرضية، لا تزال إلى هذه اللحظة ممتلئة بالثقوب، و إلى هذه اللحظة يمكن تمزيقها من خلال ثقوبها.

تحياتي

لمى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هموم امة
حنان بكير ( 2010 / 9 / 17 - 11:01 )
من وجع مفاعيل النكبة الى وجع امراضنا الاجتماعية، ترتحلين حاملة هموم أمة أمة بأكملها
أجدت التعبير، ونقل مشاعرك.. تحياتي


2 - جميل هذا المقال
عادل خ. حق ( 2010 / 9 / 17 - 16:47 )
وجميلة قوة التعبير النفاذة وصدق الشعور وحسن النوايا , تحياتى للكاتبة التي ما زالت تحمل هموم الوطن في ارض الشتات رغم الجروح والماسي فلسان حالنا يقول : كم منزل في الارض يالفه الفتى وحنينه ابدا لاول منزل....رغم الاضطهاد والظلم الذي عانيتيه فروحك النبيلة ما زالت ترنو الى مشرق الشمس ومهد الحضارات,انت من العراق وانا من فلسطين نحمل في القلب الهلال الخصيب ننقذه من زمن الذل والانحطاط هذا, لا ضرر ان الجسد قابع هاهنا في ارض الاغتراب طالما ان الروح هناك حيث ولدنا


3 - يقولون حرق الإنسان حلال ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 9 / 17 - 18:10 )
يقولون حرق القرأن ليس حال بل حرام ... ولكن حرق البشر بتفجير المركزين ليس حرام في ألإسلام ... فهذا جوهر ديننا فالقتل والذبح بأمر ألأله والنبي المقدام ... فبناء جامع قرطبة حق مشروع لنا ولو على جثث العوام ... أولسنا في بلاد تحترم الحرية والأديان والأقوام ... فسيرو إلى مادام الركب منشغل وإلى ألأمام... صدقيني فالكل في أوطاننا يوم الحشر محكوم عليه بالفناء والإعدام ... تحياتي لك على صدق مشاعرك وسموها مع ألف تحية وسلام...!؟


4 - 1المثالية الأصلية
Pythagoras plato ( 2010 / 9 / 18 - 22:19 )
عن الوحي قال عن نفسهِ أن كان شاهد عندما الآلِةُ أنتخبت إلهاً منهم لكي يجبل جبلة تراب حتى يخلُقوا منها أدم فقبل الله الأنتخاب له وذهب و خلط خلطة ترابيه وصعد بها إلى الآلِهةَ السبعة التي بكل سماء يسكن فيها إلهاً واحدً فإله السماء الأولى بذق على هذا التراب قائلاً من هذا التراب سوف يأتي منهُ بشر يستحقون البذاق و إله السماء الثانية ضرطَ على تراب أدم ثم قال سوف يأتي من هذا التراب بشر تستحق الضراط واللعنة وإله السماء الثالثة بَوَلَ على التراب قائلا شخاخي على تراب أدم لأنه سوف يأتي من هذا التراب أنجاس وإله السماء الرابعة لعن تراب أدم قائلا أنه سوف يأتي من هذا التراب بشر سوف تقذف حيواناتها الداخلية على الآخرين فلعنتي عليهم أما إله السماء الخامسة جلب جبلة فلط أو براز ثيران كنعانية مخلوطة بدم الخنازير وخلطة بتراب أدم قائلاً سوف يأتي من هذا التراب سافلين سفاكين دم قتلة خنازير إله السماء السادسة خرَ و برز ُبرازه على تراب آدم قائلاً سوف يأتي بشر أبهاميون من هذا التراب عنصريون يستحقون فقط الخراء المختار وذو رائحة خاصة إله السماء السابعة جلب مجموعة كلاب وأمرهم بعدم رفع أرجلهم و بالبول على هذا التر


5 - 2المثالية الأصلية
Pythagoras plato ( 2010 / 9 / 18 - 22:19 )
على هذا التراب دون رفع أرجلهم قائلاً من هذا التراب سوف يأتي بشر سوف تنبح كثيراً ومثل الكلاب و سوف تحول لسانها كألسنة الكلاب النباحة أما إله صدرة المنتهى نفخ من روحهِ ثم قال من هذه الروح ومن تراب أدم سوف يأتي إنسانيون محترمون لأنهم لا ينتسبون إلى فصيلة الحيوانات وتراب خلقهم لا يشبه تراب الحيوانات


6 - تحرق كتب العالم ولايحرق إنسان
زيد ميشو ( 2010 / 9 / 20 - 07:21 )
لماذا لايدعو للحرية أن تأخذ طريقها
هربنا من بلاد قمع الحرية وأحتمينا ببلاد الحرية
سيعود ابناءنا بعد أن يثور الشعب ليعيش بحرية
بينما نرى بلاد الحرية في طريقها لتلبس ثوب قمع الحرية
ليحرقوا مايحرقوا ولتعش الحرية
ولايسلب كرامة إنسان بحج دينية
وأعتذر لتكرار كلمة حرية فهي صلاتي التي أعشقها


7 - بعيدا عن المزايدات
نهلة علي ( 2010 / 9 / 20 - 22:39 )
كل التعليقات على المقال لاتتجاوز كونها مديح للكاتبة وأعتقد أن الكثير ممن كتبوا التغليقات كانوا ينظرون إلى الصورة وليس إلى المقال.
برأيي المتواضع المقال هو عبارة عن تجميع لجمل وأفكار مشحونة بقضايا الإنسان العربي كنوع من المتاجرة بهذه القضايا
كقارئة في الحقيقة لم أجد في هذا المقال أي فكرة جديدة و كعمل أدبي لم أجد فيه المتعة كذلك
نقطة أخيرة لا أعتقد أن الكاتبة طبيبة نفسية وإلا ما كانت لتقع في أخطاء مماثلة في مقالات سابقة

اخر الافلام

.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح


.. سهرة لبنانية بامتياز في كازينو لبنان مع النجم سعد رمضان والف




.. العربية ويكند | ترمب يغادر المسرح وحيدا بعد مناظرة بايدن..