الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة أوروبا الإجتماعية و السياسية

نديم المحجوب

2010 / 9 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أزمة أوروبا الإجتماعية و السياسية
هايكو كو
ترجمة من الإنجليزية: نديم المحجوب

في العقود التي عقبت الحرب العالمية الثانية ، هيمن النموذج الديمقراطي الاجتماعي على أوروبا الغربية. وكان هذا نتيجة لعاملين رئيسيين : عامل خارجي تمثل في خشية تأثير نموذج الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية على شعوب الغرب، وتمثل العامل الداخلي في الخشية من ثورة الطبقات العاملة إذا لم توفر الرأسمالية مزايا اجتماعية واسعة النطاق ، بما في ذلك الرعاية الصحية ، التعليم معاشات تقاعد معقولة وحقوق الرعاية. وهكذا بدأ القطاع العام والتخطيط والسياسة الاجتماعية بلعب دور متزايد في المجتمع.

وكان هذا التحول في السياسة كذلك رد فعل على الإنزلاق الفوضوي نحو الكارثة ، و المجزرة الهمجية الناجمة مباشرة عن الأزمة الإقتصادية في الثلاثينات. وتسبب الإنهيار الإقتصادي في انقسامات اجتماعية عميقة عبرتها عن نفسها في أصطدامات بين الطبقات العاملة والحكام. أحتدم الصراع بين الاشتراكيون والفاشيين من أجل السيطرة على الشارع. بعد وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا ، ازداد سعير طموحات الإمبريالية. و سعت الرأسمالية ، في شكلها النازي الوحشي ، إلى سحق الاتحاد السوفياتي واستعباد شعوب أوروبا.

وحافظ الإتفاق الاجتماعي الديمقراطي لفترة ما بعد الحرب على دوامه إلى حد كبير حتى الثمانينات وبعدها تم اضعافه بسبب الدفع النيو الليبرالي نحو السوق الحرة. ومنذ ذلك الوقت تعزز دور الراسمال العالمي بشكل كبير ، وتمت عولمة الإنتاج ، مما قوض بشدة القاعدة التقليدية لسلطة العمال. إنّ انهيار الاقتصاديات المعتمدة على التخطيط من الكتلة الشرقية قبل 20 عاما قوضت أيضا خيار الاشتراكية في الغرب.

خلال الركود الكبير الأخير ، تم تفادي إعادة انهيار الثلاثينات بتدخل حكومي دولي تم خلاله تأميم الديون المصرفية. لكن عملية الإنقاذ الهائل هذه هي الآن عبء ضخم على عاتق الطبقة العاملة مقوضا الوفاق الطبقي لفترة ما بعد الحرب. ولاستعادة معدلات الأرباح الرأسمالية ، شُرع في تنفيذ برنامج قاس لتخفيض مستوى عيش العمال في أوروبا.

وقد شهد هذا العام اضرابات عامة في القطاع العام الغاضب في كل من اليونان والبرتغال وايطاليا واسبانيا وفرنسا. ففي جميع أنحاء أوروبا ، بات الاضطراب الاجتماعي والصراع الطبقي أمرا واقعيا . ومما زاد من حدة هذا السخط هو أن يعاني الشعب من أزمة إقتصادية ليس مسؤولا عنها بأي حال من الأحوال. فلا غروى إذن أن يتظاهر الناس فبعد أن تم التمديد في سن التقاعد فجأة، وتدهورت ظروف العمل و أصبحت وظائفهم مهددة . كان معظم الناس قد اعتادوا على فكرة أن التقاعد من العمل يسبق الموت!

واذا تمكنت الحكومات الأوروبية من الإستمرار في تنفيذ مشروعها هذا، فإن متوسط مستوى المعيشة سيينخفض بنسبة 10 ، 15 ، أو حتى 25 في المئة. و بالنسبة للذين فقدوا وظائفهم حديثا ، فإن الإنخفاض سيكون أكبر بكثير. فنحن نشهد انهيار طريقة عيش ما بعد الحرب ونهاية الأمل في أن تتحسن الأمور بشكل مطرد من سنة إلى أخرى ،ومن عقد إلى آخر ، ومن جيل إلى جيل.

أمكن للحكومات إلى حدّ الآن و بمساعدة من وسائل الإعلام السائدة و "الخبراء" الذين يُجمعون على أنه "لا يوجد بديل" من الحصول على مصادقة البرلمان على التقليصات في القطاع العام. في الوقت الحاضر ، تفتقر التمردات الشعبية إلى القيادة ، والقوة والتصميم اللازمين لإبقاف و عكس مسار هذه العملية. فمن المحتمل ان تحتدم النزاعات لدرجة تضطر فيها الحكومات إلى تلبية مطالب الشارع ، أو سقوط هذه الحكومات. وفي تلك الحالة فإن التنازلات الممنوحة ستقوي من عزيمة المتظاهرين في كامل أوروبا. ولكن في الوقت الراهن من الواضح أنه هناك على نطاق أوروبي هجوما ضد العمال أكثر تنسيقا من حملة دفاع عمالية موحدة.

بأستبعادها لأي بدائل للتقليصات في المصاريف في الإنفاق الاجتماعي ، تتجاهل الحكومات الأوروبية أهمية ما يحدث في الصين. فحتى أولئك الذين من المفترض أن يكونوا اشتراكيين و ديمقراطيين اجتماعيين يتجاهلون في كثير من الأحيان الحقائق الساطعة. فبدلا من خفض مستويات المعيشة خلال الأزمة الإقتصادية الكبيرة ، قامت الحكومة الصينية ومصارف القطاع العام والشركات بالإستثمار والتوسيع في الإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية والمعاشات التقاعدية. ونتيجة لذلك ، ارتفعت مستويات المعيشة عموما. و تجاوزت سياسات الصين أسوأ آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وحققت أهداف النمو المخطط له بدقة ، على الرغم من السخرية و التشكيك الذي عبر عنه تقريبا جميع "الخبراء" الغربيين.

في مواجهة الإرتداد على ما كان يعتبر طبيعيا و عاديا لعقود من الزمن، يتأمل العمال في أوروبا بشكل أعمق جذور المعجزات الاقتصادية الصينية مما يفعله "الخبراء".

لقد تعزز الاقتصاد الصيني بشكل كبير منذ الإنكماش الإقتصادي العالمي لثلاثينلا القرن الماضي . هذه "المعجزة" تعود جذورها في حقيقة إلى كون أن القطاع العام في الصين يهيمن على المستويات العليا من الاقتصاد. في الواقع ، شهدت السنتين الماضيتين نموا كبيرا لتأثير القطاع العام في الصين. فلو يدرس النقابيون الأوروبيون ، والديمقراطيون الاجتماعيين ، والشيوعيون دور القطاع العام في الصين ، سيتسنى لهم إيجاد السياسات الإقتصادية البديلة التي يحتاجون إليها من أجل التصدي لأسطورة “لا يوجد بديا”.

هايكو كو ، لندن ۱۳ سبتمبر ۲۰۱۰

المؤلف هو صاحب عمود خاص على موقع China.org.cn. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة الموقع : http://www.china.org.cn/opinion/node_7084903.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تتابع انتخابات البرلمان الأوروبي بعد عاصفة صعود اليمين


.. تهشيم زجاج نوافذ القنصلية الأمريكية في سيدني




.. وباء الكوليرا يتربص بالسودانيين العالقين في غابات إثيوبيا


.. وزير الخارجية الأمريكي: تحقيق وقف إطلاق النار سيفتح الباب أم




.. نشر صورة رودي جولياني محامي ترمب السابق في سجن بولاية أريزون