الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الغجر في أوروبا

نضال الصالح

2010 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن صدر قرار الحكومة الفرنسية بهدم عشش الغجر العشوائية في فرنسا وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية مثل رومانيا وبلغاريا، قامت الدنيا ولم تقعد وانتفض بعض السياسيين، مستغلين الحدث لمكاسب سياسية، بإتهام فرنسا وسركوزي بالعنصرية وبالإعتداء على الحقوق الإنسانية للغجر.

لآ أحد يعرف على وجه التحديد من أين ومتى جاء الغجر إلى أوروبا. هناك شبه إجماع من المؤرخين أنهم جاؤا قبل أكثر من ثماني مئة عام من الهند ومنذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا لم يستطع الغجر التأقلم والذوبان في المجتمعات الغربية وظلوا محافظين على تقاليدهم وعاداتهم الأصلية خارج مجتمع التمدن. في الحقيقة أن الغجر يشكلون في أوروبا معضلة معقدة لم تستطع أي حكومة لحد الآن حلها حلا جذريا، وذلك بسبب طبيعة هذه المجموعة الغير قابلة للتأقلم مع الحضارة المدنية إلى جانب عدم وجود الجرأة لدى السياسيين بإتخاذ القرارات الجذرية خوفا من الإتهام بالعنصرية. ولقد قامت الحكومات الأوروبية بإجاراءات متعددة من أجل تمدين هذه المجموعة، وبإستثناء بعض الأفراد الذين تحرروا من قيد التقاليد الغجرية القديمة ودخلوا الجامعات وتخرجوا منها حاملين إختصاصات مختلفة وبرزوا في المجتمع حسب إختصاصهم أو كموسيقيين يعزفون الموسيقى الغجرية، فإن الغالبية العظمى منهم لم تستطع التأقلم وبقيت خارجة عن محيط المدنية والتقدم.

لقد حاولت الدولة الإشتراكية تحضيرهم بخلق الأجواء المدنية لهم فمنحتهم وظائف ومراكز عمل وبنت لهم بيوتا حضارية أسكنتهم فيها، إلا أنهم حولوا هذه البيوت إلى مزابل وبيوت قمامة وقاموا بقلع الأبواب وحرقها في وسط البيوت ودمروها حتى باتت كأنها من مخلفات الحرب في الصومال. لقد قدم النظام الإشتراكي للغجر كل التسهيلات الممكنة ولكنه لم يستطع أن يحول هذه المجموعة إلى مجموعة مدنية متأقلمة مع الحضارة والتمدن الأوروبي. لقد كان من الصعوبة بمكان دفع الأطفال الغجر إلى الذهاب للمدارس وكان أصعب أن تعلمهم النظافة والتمدن التي لم يعرفوها في بيوتهم وعند أهلهم.

بعد سقوط النظام الإشتراكي والتحول إلى النظام الرأسمالي وما لحقه من خصخصة المصانع والمنشئات والعمارات، إزداد وضع الغجر تأزما وانتشرت بين صفوفهم الموبقات مثل المخدرات والكحول وأرتفعت نسبة الإجرام بأنواعة من سرقة وقتل إرتفاعا كبيرا حتى أخذوا يشكلون خطرا على جيرانهم المتمدنين. لقد إستغلوا إلى أقصى حد حساسية تهمة العنصرية والمساس بالحقوق الإنسانية وأخذوا في الإعتداء على المحلات العامة والمزارع والغابات. لقد قطعوا كميات كبيرة من الأشجار في الغابات العامة والخاصة وسرقوا حتى سكك حديد القطارات وأسلاك النحاس من المحطات الكهربائية. ولم يستطع الناس الدفاع عن ممتلكاتهم لأن الغجر يقومون بهجومهم كمجموعات يشارك فيها الأطفال الصغار وأي محاولة لإستعمال القوة ضدهم سيعاقب عليها القانون وستثير الإعلام الغربي الذي يستعد دائما لرفع شعار العنصرية. إن أي إجراء ضدهم يسبب برفع أصواتهم بإتهام الحكومة والقائمين عليها بالعنصرية، ويقومون وخاصة بعد دخول الدول الأروبية في الإتحاد الأوروبي، بالرحيل الجماعي إلى دولة أوروبية أخرى ويطلبون اللجوء السياسي وتقوم الدولة المضيفة بإسكانهم وإطعامهم والصرف عليهم إلى أن يصدر الحكم بترحيلهم لعدم وجود إقامة أو عمل لديهم، فيعودون إلى بلدهم وتعود حليمة إلى عادتها القديمة. لقد أصدرت الدولة قرارات مختلفة من أجل تصليح الوضع مثل عدم دفع المعونات إلآ إلى العائلات التي ترسل أولادها إلى المدرسة وتقوم على تربية أطفالها بشكل حضاري، ولكن هذه القرارات سببت بخروج الغجر إلى الشوارع وتحطيم المحلات التجارية وسرقة محتوياتها أمام أعين الشرطة التي تخاف التدخل أمام كمرات التلفزيون التي ستظهر شاشاتها في اليوم التالي العنف والعنصرية ضد الغجر.
عندما زار مفوض الإتحاد الأوروبي التجمعات الغجرية العشوائية في سلوفاكيا ورأى بأم عينيه الأطفال الذين يشربون ماء المجاري والأمهات الثملات اللواتي لا يعرفن أبنائهن ولا أزواجهن، أعلن أن الحل الوحيد هو أخذ أطفالهم منذ الصغر وتربيتهم في مدارس داخلية بعيدا عن التجمعات الغجرية. أصاب السياسيين الأوروبيين الهستيريا عندما سمعوا تصريحات ممثلهم التي وصفوها بالا إنسانية وبالعنصرية وأقالوا ممثلهم من منصبه. إن أي حل عقلاني بعيد المدى يواجه من قبل بعض السياسيين الساعين إلى مكاسب سياسية، بالحمى الهستيرية ورفع شعارات العنصرية ضد الغجر.

لقد حدث قبل أسبوع أن قام رجل سلوفاكي بقتل عائلة كاملة من الغجر بما فيها النساء وطفل، ولقد أحث الحدث في الأوساط السلوفاكية دهشة ورعبا. ولكن بعد البحث عن خلفيات هذا الحدث ظهر أن العائلة الغجرية "الضحية" قد أرعبت، طوال عامين، سكان العمارة المكونة من ثلاثين بيتا ولقد قدم سكان العمارة عريضة ضد هذه العائلة التي حولت طرقات العمارة إلى مزبلة وكانت تتاجر بالمخدرات وتبيعها إلى طلاب المدارس، ولكن الدولة لم تعمل شيئا واكتفت بإنذار العائلة الغجرية. ولقد ألغى صاحب العمارة عقد الإيجار مع هذه العائلة ولكنه لم يستطع إخراجها من البيت وبقيت فيه عامان كاملان من دون دفع الإيجار أو دفع مقابل الخدمات من كهرباء وماء وغيره. ويظهر أن القاتل، وهو جندي سابق، لم يعد يتحمل فقام بقتل العائلة بكاملها. ولقد كانت هذه الحادثة وشبيهتها في دول أخرى علامة إنذار لعلها تدفع السياسيين الأوروبيين لحل القضية الغجرية حلا جذريا. يجب أن يكون الحل أوروبيا فلن تستطيع دولة منعزلة أن تقوم بحل هذه المشكلة منفردة. الجميع في أوروبا يؤمنون بالحريات والحقوق الفردية ويرفضون العنصرية ولكن القضية الغجرية تحتاج إلى قرار موحد مدروس من جميع الدول الأوروبية وإلا فإن الحادثة التي ذهب ضحيتها عائلة غجرية كاملة يمكن أن تتكرر في أماكن مختلفة من أوروبا وسيقوم كل بالدفاع عن حريته ونفسه وأملاكه بيده وعندها ستكون العاقبة وخيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -