الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء من التاريخ في رواية - بسمائيل -

ثامر الحاج امين

2010 / 9 / 19
الادب والفن



شهوة الموت التي لاتتوقف عن حصد الأرواح ، يقابلها استحالة الفناء للكائنات والأشياء ، واستمرار هذه الدورة الأزلية التي تستمد ديمومتها من أسباب مادية وروحية ، ربما ـ في الظاهر ـ واحد من المضامين الكثيرة التي انطوت عليها رواية " بسمائيل " للقاص والروائي ناظم مزهر والصادرة حديثاً عن دار الينابيع 2010 .
فما دونه سامي جواد ـ احد أبطال الرواية ـ في مذكراته ( النار كلما دثرناها ... تترك لنا شراشفاً من رماد .ص15) وذلك بعدما يشهد اختطاف روح صديقه يوسف عبد الرحيم ـ الشخصية المحورية في الرواية ـ ربما يؤيد جانبا مما ذهبنا إليه ، ولكن الكاتب ـ باعتقادي ـ لم يرد فقد تأكيد هذه الثوابت ، أنما النص يحتمل قراءات متعددة وهذا شيء يحسب له .
فمن خلال ثلاث شخصيات تقاسمت فصول الرواية السبعة التي قدمها الكاتب عبر بناء روائي متماسك تميز بالانسياب والتكثيف استدرجنا بذكاء إلى عالمه الذي امتزج فيه الواقع بالخيال وبث فينا ـ منذ استهلاله ـ شغف التلقي والرغبة الشديدة في اكتشاف اللاحق من الأحداث ،حيث جعلنا نعيش هاجس الخوف والترقب منذ أول خطوات شخصيته الأولى سامي جواد ـ الراوي ـ باتجاه محطة الطوارم الذي يتلقى منها برقية تطلب حضوره الفوري لأمر هام إلى المحطة المذكورة والتي عمل فيها مهندسا للسكك الحديد قبل أكثر من عشرين عاما وموقعة بالأحرف ( ي . ع ) والتي تشير إلى الأحرف الأولى من اسم صديقه يوسف عبد الرحيم الذي كان شاهدا على موته قبل أكثر من عشرين عاما.
ويوسف عبد الرحيم هذا شاب يتكفل عمه بتربيته بعد ان تيتم مبكراً ، ومنذ طفولته لم تكن ملامحه تشبه احد ، فعيناه لهما زرقة الفيروز ولون وجهه لون الورد في الربيع ، عاش حياة قاسية في كنف زوجة عمه المرأة الشيطانة "مراكب"، حيث عملت كثيرا على اذلاله ومسخ شخصيته ، يعترف بتفاصيل ذلك لحظة مواجهته الموت ( انني كنت طوال حياتي بائسا ، اشعر بأن الانظار تزاحمني وانني بحاجة الى من يسندني .ص 128 ). أذن البطل كان بانتظار حدثا مهما سيأتي وهذا مامنحه الصبر والقدرة على المواجهة ، لذا فعندما يهبط بسمائيل وكان يوسف في صومعته ـ الغرفة النائية في محطة الطوارم القديمة ـ حيث يعمل فيها مشغلا لمحطة التحويل والوقت هو ( ذات ليلة ماطرة ، ليلة السابع والعشرين من رمضان ، سمع دوياً هائلاً يصم الآذان وانتشر في الأرجاء وهج نور متقد كأنه نور مكلل بالأزهار.ص 36 )، فأن حركة الحياة قد شلت في المنطقة بفعل ذلك الحدث حيث توقفت حركة القطارات ، ضربت المكان عواصف ترابية ، نجوم عديدة خرت من السماء ، انتشر بين سكان القرى القريبة من المحطة شعور من الرعب الغامض حيث ( شاع بينهم وجود تصدع عميق في قشرة الأرض ، باستثناء يوسف ، مشغل محطة التحويل .ص 39 )حافظ على اتزانه وطمأن الناس أن لاشيء في المكان يستوجب الخوف بالرغم من انه وقتها ( تسارعت دقات قلبه ورشح العرق من وجهه رغم برودة الجو وبدت ساقاه وكأنهما مخدرتان وان وعيه قد غاب للحظات . ص44)

الشخصية الأخرى هي بسمائيل ( وجه منير نوراني كالذهب في يوم مشمس كما لو انه سراج يرسل نوره الذهبي الهادئ من العلياء إلى أهل الأرض.ص 76) و ( يتحدث بلسان عربي مبين.ص 77) حيث جاءت إلى الأرض ( لغرض سام وهدف عال موكلين به .ص 79) و التي احدث هبوطها على المنطقة تغيرات كونية غريبة ، ثم تبدأ صورة بسمائيل تتضح شيئا فشيئا حيث يقول ( آدم كان واحداً منا قبل ان تأخذه احابيل الشيطان لتغويه وتهبط به إلى الدرك الأسفل في وحل الأرض.ص 79 ). أذن هبوط بسمائيل لم يكن عبثاً او صدفة انما كان حاملاً رسالة إصلاح أهل الأرض بسبب إنهم ( منافقون ، انسانيون مع الحيوان حيوانيون مع الإنسان ، مرابون . سعاة وراء الشر وإشباع أهوائكم ، بخلاء ، حسدة ، مكرة ، قتلة ، مارأيتم خيرا يصيب أحدكم إلا وتمنيتم زواله أو أن يصار إليكم ، مظهريون ، ليس فيكم من يعمل خير الا لمصلحة شخصية يبتغيها له وحده ، انانيون ، مشركون ، زناة .ص 79) ولكن بسمائيل لم تعنيه كل مافي الأرض من هذه الأمراض ولم يسعى لتغيير نظامها الأخلاقي والاجتماعي ، إنما كان همه هو قبض روح يوسف عبد الرحيم لإنقاذه من هذه الدنيا ومكارها قبل أن يذله وهن الجسد ، وكذلك للقاء أمه وأخته اللتان كانتا قد رحلتا منذ صباه ، لذا نرى يوسف وبسبب ماعاناه في حياته من بؤس ومن هول مشهد هبوط بسمائيل فانه يصدق به كمنقذ من كل العذابات التي عاشها وارتضى ان يكون او الملتحقين بعربة الموت التي جهزها بسمائيل ، ولهذا فان سامي جواد الذي شهد انطلاق عربة الموت بيوسف كان مذهولا وغير مصدق انه بعد كل هذه السنين سيجد صديقه متخفيا في صومعته في محطة الطوارم . لكنه يكتشف عند وصوله غرفة يوسف أن بسمائيل استدرجه ليلاقي حتفه بنفس الطريقة التي تمت مع صديقه حيث يقول في لحظات مواجهة الموت ( ان الذي حدث ليوسف ويحدث الآن لي حقيقة واحدة . ص168) وذلك بعد حديث مع بسمائيل يصف فيه إمرار بسمائيل ليده على جسده أشبه مايكون بالتطهير لاستخراج مافيه من غرائز مستوطنة أو كالخراج حين ينكأ من جرح يريد ان يتماثل الى الشفاء .
بهذه الشخصيات التي تبدو بسيطة في ظاهرها أعادنا الكاتب إلى محطات مهمة في تاريخ البشرية حيث نجد في شخصية يوسف عبد الرحيم صدى لواحدة من أهم شخصيات التاريخ التي حملت رسالة التغيير في الأرض وكذلك شخصية بسمائيل وظروف هبوطها على الأرض ، حيث افرد لها الكاتب صفحات امتازت بالدقة وحسن تصوير جلالة المشهد جعلتنا نراقب ونتابع بوجل لحظات الهبوط ، ولايخفى على القاريء صدى هذه الشخصية في معتقداتنا وتاريخنا .
رواية " بسمائيل " تعد انجازاً روائياً مهماً ، وإضافة طيبة لرصيد الرواية العراقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع