الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفوا عمرو موسى.. الموقف الرصين لا يقتضي شراء الوهم

محمود عبد الرحيم

2010 / 9 / 20
القضية الفلسطينية


لا أستوعب منطق الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، حين يتحدث عن الشكوك في الجانب الإسرائيلي وتجارب مريرة سابقة مع التفاوض الفاشل، بفضل الموقف الإسرائيلي وانحياز السياسات الدولية، فضلا عن عدم تغيير جوهر السياسات الإسرائيلية، ثم ينتهي إلى القول بإن الموقف الرصين يقتضي إعطاء المفاوضات فرصة، فهذه المقدمات لا تقود بأي حال من الأحوال إلى هذه النتيجة مطلقا، وأنما إلى العكس تماما، خاصة، وأنه يعترف بأن تغييرات على الأرض تجرى على مدار الساعة، تستهدف تغيير جغرافية وديمغرافية الأراضي المحتلة.
بالإضافة إلى أن التفاوض تحت سياط الضغط الأمريكي وإختلال ميزان القوى بهذا الشكل المؤسف، حتى لو افترضنا جدلا أن ثمة جدية، فأنه لن ينتج سوى تنازلات قاسية وضياع للحقوق الفلسطينية.
فمن باب أولى تجميد ملف التفاوض، في ظل هذه الوضعية والمناخ غير الموات، إن لم يكن التخلى تماما عن هذا الخيار الذي ثبت فشله بالتجربة غير ذات مرة، وليس الحديث عن أنها الفرصة الأخيرة، لأننا أعطينا ألف "فرصة أخيرة" بدءا من مدريد، وليس إنتهاءا بجولات واشنطن وشرم الشيخ والقدس الأخيرة، وذلك على مدى عشرين عاما.
وكلنا يعلم وأولنا عمرو موسى، بحكم خبرته الديبلوماسية الطويلة والعميقة، أنه لا جدوى من هذا النهج "السلامي" وأننا إزاء حلقة جديدة من مسلسل ممل وسخيف، هدفه ليس إرجاع حقوق، أو سعي وراء استقرار وسلام حقيقي، وأنما استهلاك مزيد من الوقت، لإكمال المخططات الصهيونية، خاصة ما يتعلق بتهويد كامل للقدس العربية، إستعدادا لإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني، بالترافق مع تكثيف للإستيطان بالضفة الغربية، لإنتزاع أجزاء استراتيجية منها، والتفاوض على الجزء الآخر مستقبلا، وإظهار التخلى عنه، كما لو كان تنازلا قاسيا، ينبغي في المقابل الحصول على تعويض عنه، وتنازل كبير من الجانب الآخر.
وكلنا يعلم أيضا أن هذه الجولة من المفاوضات ضرورة أمريكية بالأساس، لأهداف إنتخابية داخلية، وأنه مقابل إستجابة الجانب الإسرائيلي لهذه الحركة الوهمية التى يجيدها اوباما ورجاله منذ قدومه، فأنه لا مجال لأية ضغوط أمريكية بإتجاه تل أبيب، وأنما تفاهمات خبيثة، ومكاسب متبادلة، وضغط مزدوج على السلطة الفلسطينية يعرفان أنه سينتج اثرا، وسيجبرها على المشاركة في هذا الحلقة الجديدة من مسلسل العبث، ومن ورائها العرب، مشاركين بإعطاء عباس مشروعية يفتقدها، لتقديم ما تيسر من تنازلات فلسطينية جديدة، تصب في خانة المصلحة الصهيونية.
ولذا يبدو حديث وزراء الخارجية العرب بشأن حث واشنطن على الضغط على حكومة نتانياهو لوقف الإستيطان، أو الحديث عن فتح ملف إسرائيل النووي، حلقة أخرى من حلقات العبث، وخطابات الوهم، لأن الإدارة الأمريكية لن تمارس ضغوطا حقيقية على حكومة نتانياهو بشأن الإستيطان، وأي تحرك إن تم ، سيكون في شكل مناورة أو خديعة متفق عليها وإجراء شكلي، في ظل أجواء التجديد النصفي للكونجرس، ونشاط اللوبي الصهيوني الضاغط، والمخطط الاستراتيجي بعيد المدى كذلك، وأنها لن تسمح أيضا بفتح الملف النووي الإسرائيلي، وستسخدم الفيتو في الوقت المناسب، بحجة أن إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت يضر ب"عملية السلام"، وهو ما تم إعلانه في تصريحات أخيرة بصيغ مختلفة صريحة أو ضمنية.
وبخصوص رفض العرب "يهودية الدولة"، فأن التصريحات الأمريكية نسفت مقدما هذا الموقف، وبات يتصدرها في غير مناسبة هذا "الاختراع الصهيوني" الخبيث، وأخرها ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية عقب إنتهاء محادثات القدس، وقبلها المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، وإذا وضعناه إلى جانب "خطاب ضمانات بوش" قبل سنوات الذي يرقى الى صيغة "وعد بلفور جديد" بشأن عدم الإعتراف بحدود العام 1967 ، وبقاء القدس الموحدة عاصمة للدولة اليهودية، ومنع عودة اللاجئين، فأنه يبدو كملحق جديد لهذا الخطاب الشرير، أو تكملة للمشروع الأمريكي الصهيوني بشأن المنطقة، وتسوية للصراع الممتد برؤية تعتمد على فرض الأمر الواقع ومنطق القوة على نحو مجحف.
ف"يهودية الدولة"" يبدو أنه الحل السحري" الذي وجد فيه الإسرائيليون والأمريكيون فرصة سانحة للهروب من إستحقاقات صعبة ومربكة، وإسقاط حق العودة، بل وإعطائهم المبرر لتحجيم النمو العربي الطبيعي داخل الأراضي المحتلة، بل وترحيل السكان الأصليين مستقبلا إلى الضفة و غزة، وهو ما بدأت مؤشراته في الظهور مؤخرا.
فهل ثمة معنى إذا لمناشدة واشنطن، وهي لم ولن تكون وسيطا ولا نزيها، وأنما شريكا في مخطط إهدار الحقوق الفلسطينية والعربية؟!
وواقع الحال يقول بإن علينا أن نكف عن هذا الرهان الخاسر، ووضع البيض مرة أخرى في السلة الأمريكية، وأننا مطالبون بأقصى سرعة بمراجعة إستراتيجية الأمن القومي العربي، و أن نحذف من قاموسنا العربي هذه العبارة سيئة السمعة" السلام خيار إستراتيجي للعرب"، وأنه"لايجب أن تُترك فلسطين لمصيرها" كما قال عمرو موسي بنفسه، وعلينا فعلا أن نبحث عن بدائل حقيقة لحماية هذه القضية من الضياع، لأن التفاوض إلى مزيد من الفشل، ولسنا بحاجة لمزيد من الانتظار والتحايل، أو البحث عن تخريجات لأمريكا وإسرائيل كما فعل الرئيس المصري حسني مبارك بإقتراح مهلة التجميد الجزئي المؤقت لثلاثة أشهر، و إستضافة جولة للتفاوض الوهمي، ثم الحديث بكل ثقة عن أن ثمة فرصة سانحة للسلام وأنه في متناول اليد، بالخلاف للوقائع والواقع والتقديرات السياسية الصائبة.
وبدلا من أن يترك العرب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعبث بالقضية وبمصيرها، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، أو يمارس بعضهم الضغط عليه لمزيد من التجاوب مع الإملاءات الأمريكية والصهيونية، لإجندات داخلية خاصة، عليهم أن يمسكوا القضية في يديهم من جديد، لأنها قضية كل العرب، وليس الفلسطينيين وحدهم، فمصيرها يحدد مصير كل المنطقة، ونكباتها ينال منها الجميع قسطهم على كافة الأصعدة، وهذه هي الرؤية التى يجب الإجماع عليها، وإدراكها قبل فوات الأوان، فهذه هي الفرصة الأخيرة الحقيقية التى يجب ألا نضيعها.
ونود أن نذكر بأن الذي يؤمن بمنطق القوة فحسب، والمصاب بجنونها مثل الكيان الصهيوني وحكومتها اليمينية المتطرفة، ومن ورائها واشنطن بتوجهاتهما الإستعمارية المقيتة، المناهضة للمصلحة العربية، لا يصلح معهما منطق التساهل والتهاون والضعف بهذا الشكل المستفز الذي لا يتعامل به سوى العرب مع أعدائهم، ف"ما آخذ بالقوة لن يسترد بغيرها".
ولعل العملية الفدائية التى قامت بها حركة حماس في مستهل تدشين هذه المفاوضات العبثية الجديدة، رسالة بليغة ينبغي أن تتبعها سلسلة من العمليات تقوم بها كل الفصائل المقاومة، لإعادة بعث روح النضال ووحدة الصف وسط جموع الشعب الفلسطيني، ومن ورائه الأمة العربية والإسلامية، وتذكيرهم بأن هذا هو الخيار الذي يجب أن نلتف حوله جميعا، وهذا هو الطريق الصحيح لإسترداد الحقوق، وتلقين العدو درسا صحيحا، مفاده أن صاحب الحق ليس جبانا، ولا يقبل بالتنازل أو الإستسلام، مهما كان الثمن فادحا، والظرف غير موات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-