الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقفون.. ومثقفون !

بشير زعبيه

2010 / 9 / 21
الادب والفن


تلقيت هذه الرسالة عبر البريد الالكتروني من شخص تمنيت أن يذيّلها باسمه كاملا , فقد يكون على معرفة بي وقد لا يكون، ولأنني وجدت نفسي متفقا مع كاتبها في بعض ما عبر عنه، رأيت أن أنشرها في هذه الزاوية كما وردت، مع تحفظي على ما جاء فيها من تعميم لأنني لا أحبذ التعميم ولا الاطلاقيات ..

يقول كاتب الرسالة : "منذ فترة الصبا كانت تستهويني مسألة أن تكون لي علاقة بشريحة المثقفين كان لي ميل بعض الشيء للقراءة وكنت أجتهد خلال فترة المراهقة في الاقتراب من الوسط الثقافي وكنت أنجذب لطريقة حديث المثقفين رغم إنني كنت أجد صعوبة في فهم بعض المفردات التي كانوا يرددونها في خطابهم معتبرا ذلك ما يميز المثقف عن غيره . استمرت علاقة الإعجاب هذه معي إلى مرحلة ما بعد المراهقة، حتى جرتني الصدفة وحدها إلى الاقتراب نوعا ما من هذا الوسط عبر أحد أقارب صديق لي كان أول نموذج ألتقيه من شريحة المثقفين وكان له الفضل في اصطحابي فيما بعد إلى مناسبات عديدة يلتقي ويتكلم فيها المثقفون . وقد أشفقت في فترة ما على بعضهم لمظهره الأقل من المتواضع والذي يوحي إليك أحيانا بالبؤس وأنا الذي كنت أعتقد أن هذه الشريحة لاشك تمثل الصفوة في المجتمع، مقارنا ذلك بما يصادفني من صور لمثقفين غربيين أنيقين يدخنون الغليون ويرتدون ربطة العنق، سألت هذا القريب الذي أصبح صديقا وقد دعاني إلى مقهى يرتاده مثقفون لماذا يبدو بعض مثقفينا هكذا ؟ فأجابني مهمومون . سألت أيضا : بماذا ؟ قال لي : بما يشغل الناس ؟ انظر مثلا ذلك الشخص الجالس وحده قرب الرصيف . توجهت بنظري إلى حيث أشار...فرأيت شابا نحيفا غير حليق، يبدو بشعره غير المسرح وكأنه صحا الآن من النوم ويرتسم العبوس على وجهه حين يسحب نفسا من بقايا سيجارة أوشك عقبها أن يختفي في فمه، قلت : من هذا الشخص ؟ قال لي إنه كاتب، قلت : ولماذا هو هكذا ؟ قال : إنه يعاني . سألت : ولماذا لا يذهب إلى المستشفى ؟ و هل يعاني من مرض محدد مثلا؟ وكم أصابني الحرج لسذاجتي حين أجابني الصديق ضاحكا : يا راجل يعاني لكي يكتب، لن أنصحك بأن تجرب المعانات ولا الكتابة، ولم أستوعب بفهمي البسيط الربط بين تلك الحالة البائسة وبين الكتابة ..مرت سنوات عملت فيها مجبرا بنصيحة الصديق لأني لم أكن أملك موهبة الكتابة ولا الرغبة في تجريبها وحافظت خلال تلك السنوات على مسافة بيني وبين شريحة المثقفين عدا علاقتي بهذا الصديق والتي زادت توثقا وزادني هو اطلاعا على تفاصيل أكثر عن تلك الشريحة ، وفي أحد اللقاءات رأيت هذا الصديق حانقا على الجميع، سألته ما بك ؟ قال لي باندفاع : ياراجل نفاق وانفصام في الشخصية . علقت : أنت أيضا بدأت تقول كلاما كبيرا ماذا تقصد ؟ أجاب بنفس الاندفاع : وسط غريب يا أخي، كنت في جلسة كلام كالعادة مع عدد من هؤلاء ، احدهم أعطى محاضرة عن الزهد والعفة وعزة النفس ويعلم الجميع مدى طمعه واستعداده ليس للتخلي عن عزة نفسه بل التخلي عن هذه النفس من أجل مصلحة تخصه،, وآخر يزايد في الوطنية وهو أول من يعرف أنه بانتهازيته مستعد لبيع الوطن نفسه من اجل مصلحته هو فقط , وثالث ينضح الهم الإنساني من كتاباته , لكنك ما تكاد تسمعه حتى تفوح رائحة التعصب والقبلية من حديثه , و ذاك الذي يخدم السلطة في الصباح ثم يقدم نفسه معارضا في المساء , وكاتب لم يعرف في حياته قط علاقة نسائية واحدة فترى كتاباته تفيض بطولات ذكورية وفحولة أين منها بطولات كازانوفا ودون جوان وو....,استوقفت الصديق وقلت مهلا لابد أنك تتكلم عن جيل بعينه . ردّ صديقي كلهم سواء وكل له عقده، أما سمعت عن ذاك الشيخ الذي ينام على تكريم ويصحو على آخر , وكيف يحسده آخر ويستغيبه معلقا "ما شاء الله تكريم قبل الأكل وآخر بعد الأكل" ، وهذا الآخر نفسه الذي يدّعي في الظاهر الزهد والعفة وفي الخفاء يقف أمام مكاتب المسؤولين يتسول الحسنة والجوائز , يشتم المسؤول ثم ينسى فيمدحه وقد لا ينسى لكنها المصلحة, ودعك من ذلك الذي لم يكلّ رغم تقدم سنه من الركض نحو منصب ما وكأنه يعلن : أموت وفي نفسي شيء من منصب !..عقد ومزايدات و حسد و نميمة , لماذا كل هذا ؟ قلت : لابد انك تدين الجميع لأنك في ساعة انفعال فلا يعقل ألا يكون هناك أسوياء في هذا الوسط يحترمون أنفسهم وكلماتهم وأقلامهم وأناسهم .. رد الصديق : هؤلاء لن تراهم كثيرا,هؤلاء يدركون قيمة أن يكون المرء مثقفا , أوفياء لتاريخهم , لايعرضون أنفسهم ولا يبتذلونها ,مكرمون بحب الناس , تبحث عنهم الجوائز ولا يبحثون , أما الآخرين فأنصحك أن تكتفي بمعرفتهم عن بعد , والاطلاع على ما قد يحمل قيمة مما يكتبون دون الاقتراب منهم كما أنصحك أن تبقي على هذه المسافة بينك وبينهم بل يمكن أن تزيدها ".

(انتهت الرسالة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟