الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيئة الثقافة

سلمان بارودو

2010 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الثقافة نتاج مجتمعي يبدعه الأفراد فهي تتطور باستمرار، وهي ممارسة فاعلة وسلوك معرفي وحضاري نابع من منظومة القيم والأفكار المتوارثة، وهي مزيج من أمجاد الماضي وإرهاصات الحاضر أي أنها متجذرة في الواقع والتاريخ.
تخطى الإنسان صيرورته التاريخية من وضع "طبيعي" شيئاً فشيئاً إلى أن توصل إلى هذا الوضع الاجتماعي المعقد والمتقدم، وبينما كانت قوى الطبيعية العمياء والموضوعية تمارس ضرورتها مباشرة وبصورة مادية على الإنسان فان الشروط الاجتماعية التي يخضع لها الإنسان في بيئته هي من نوع معنوي وسيكولوجي مباشر، أو غير مباشر، وتنتج له انعكاسات متنوعة لتتصرف، وخيارات تكاد تكون حرة بالنسبة له.
من هذا الموقف بالذات تنشأ الحاجة إلى الثقافة وهو في الوقت نفسه شرط الحقيقي للثقافة، علماً أن الثقافة الإنسانية تزداد تعقيداً ورقياً كلما ازدادت شروط بيئته الاجتماعية رقياً وتقدماً.
إن الحرية والثقافة هي من بين الحقوق الإنسانية الحقوق التي يبدو الارتباط فيما بينها أكثر بروزاً، فكل منهما يفترض اختياراً وبالتالي إمكانية للرفض، فهما لا يقبلان التقيد بالشكليات, سواء أكان الاختيار سياسياً أو دينياً أو إيديولوجياً أو اقتصادياً بعض الشيء.
وإن الشيء الذي لا مراء فيه هو أن الثقافة يجب أن تمثل مستوى معيناً من المعارف لتستحق تسميتها " ثقافة "، كما أنه لا شك في أن هذا المستوى يجب أن يقود إلى التميز عن الآخرين.
على أنه من المؤكد أن في هذه الدرجة العليا من الثقافة توجد بعض أجزاء من ظلال وبعض أجزاء من نور: فالرجل المثقف، باعتباره قد بلغ مستوى أعلى من المستوى المتوسط لا يسطع الإشعاع في جميع مجالات الفكر.
وان المثقف هو الذي يشعر بالارتياح في جميع الموضوعات التي تعترضه، ويتجنب أن يؤخذ على حين غرة إذا كان أحد هذه الموضوعات غريباً عنه بعض الشيء، ومن الطبيعي بلا ريب أن تكون لدى الإنسان المثقف نقاط قوة ونقاط ضعف، كون العلم والمعرفة والتعليم, وبدرجة أدنى التربية والتأهيل, هي شروط ضرورية للثقافة، لكنها شروط غير كافية إطلاقا.
كما يجب عليه أن يحتفظ بهامش من التواضع المناسب، هذا التواضع الذي يقع تحت تجربة قاسية في العالم الحديث المتعطش " للشهرة " أو " نصف الشهرة ".
فالمقولة القديمة تحتفظ مع هذا بقوتها وهي أن الإنسان يجب أن تكون له أفكار واضحة حول كل شيء، أو كما قال ( باسكال ) في كتابه " الأفكار " : " إنه لمن الأجمل والأفضل أن نعرف بعض الشيء عن كل شيء من أن تعرف كل شيء عن شيء واحد ".
فالإنسان وحده يمتلك الصفات الأولى التي تجعل منه كائناً قادراً على أن يتجاوز ذاته، وبالتالي أن يثقف نفسه، وهذه هي مفاتيح الأشكال العليا لتطوره، وعلى هذا، فهو لن يبق سلبياً وإنما فاعلاً إيجابياً ومصمماً على الارتقاء بالثقافة أكثر من ارتقائه من أجلها، فسيستعمل في سبيل ذلك مواهبه الشخصية، مساهماً بهذه الصورة وبشكل حاسم في استخلاص أفضل النتائج مما اكتسبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل