الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشــرق الأوســط القراقــوشي

احمد مصارع

2004 / 9 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


القراقوشية مفردة باقية من العصر العصملي تستعمل باللغة التركية على أنها وصف للأعمال الاستبدادية والخيلاء والزهو بالنفس من وحي غرور القوة والظلم المسلط بدون رحمة على الضعفاء الخاضعين لسلطان الطاغية والغشوم ولذلك فلا يمكن تمييز الحق العام ولا الرأي العام وهو كنظام حكم جوهرة ما يتفضل به الحاكم المزهو بنفسه والمعتد بقوته العضلية.
إذا كان قراقوش هو الحاكم الأوحد فكيف يكون حال حكومته وهي تدور حول مركز دائرته الضيقة فالمراسم غامضة والعمل بالإكراه والخوف، وإرضائه غاية لا تدرك أبداً لأنها ببساطة: لا تعرف ولا تدرك
سألت جدي عن خصائص الحكومة القراقوشية فقال:
-: ( تلويصْ وتخبيصْ في حالة حيصْ بيصْ )
يحكمون ولا يحكمون وحين ينفذون الأحكام فإنهم يضرون أكثر بكثير مما ينفعون، فمن السهل عليهم الأضرار بالمواطن ومن الصعب عليهم إفادته وحيث لا فرق بين المدني والعسكري، الرسمي والشعبي وبين الصغير والكبير الباحث عن خصائص الحكم القراقوشي بصراحة سيكون متورطاً في( الحيص بيص ) وسيجد نفسه ومن وحي الخيال ( البهلوان ) كمن يبحث عن فردة حذاء معينة وسط ركام بلدة حطمها الزلزال ولازلت غير واثق من قدرتي حتى الآن على توضيح طبيعة هذا النظام القراقوشي لأنه لم يتحول بعد إلى المنهج التاريخي، وهو أقرب إلى المنهج البوليسي حين أحاول استرداده، ويصيبني الدوار والغثيان والتقزز من لعنة الطغيان وكثافة الغشم.
افترض نفسك مواطناً قراقوشياً وهو يخطب ويقول:
(( حسن... حسين هم بنات سلطان المعاوية ))
صفق ولا تضحك فالعبارة معقولة والجملة ليست إخبارية بسيطة وأخطاؤها قليلة جداً من حيث النمو والمعنى والمنطق، أما إذا ضحكت وأنت بعيد جداً عن بلاد قراقوش فلتحمد الله لأنك لست أحد مواطنيه.
وقد لا تصلح الفرضية السابقة من الناحية التحليلية على بيان طبيعة نظام الحكم القراقوشي وما يهمنا هو معرفة اللبنة الأساسية التي بني عليها والخلية الحيوية في جسمه ومطلبنا متواضع، فنحن نريد تقليل حجم الحيرة التي تجتاحنا لدى دراسته.
إذا كان لابد من المزيد، من الأمثلة فإليك العبارة الكبيرة ( المواطنون الأكراد العرب السوريين ) فهكذا تكون البلاغة، ويكون الوضوح وتقل الحيرة.
أيام كنت أحد رجال التربية والتعليم بالجزائر، دعيت لحضور حفل ثقافي في يوم العلم، فقدم المعلمون تمثيلية ذات مشهد واحد عن حكم قراقوش ويقولون أحياناً للسخرية: دولة ميكي.
كان قراقوش يحتل الجزء الأكبر من المشهد، وكل شيء باسمه الكرسي، العرش والجدران والأرضية، وكل صغيرة وكبيرة نقش عليها اسمه، حتى الطرابيش والقلنسوات والصدور والظهور.
على يمينه يجلس لص محترف، يقدم شكواه للقراقوش العظيم:
نحن اللصوص تعودنا على سرقة المنازل ليلاً ونهاراً، ولم يحدث
أبداً أن أصيب أحدنا بأذى، في كل المرات السابقة. أيها القراقوش تخيل حين تسلقت سور أحد المنازل، انجرحت يداي لقد وضع صاحب المنزل الزجاج المهشم على حواف سور منزله وهتف اللص بحماس
- من يحمي المنازل ؟
أجاب الحرس والوزراء – قراقوش
ثم هتف – من يحمي البلاد ؟
أجابوا – قراقوش
كان اللص متحزباً بشكل حماسي لمهنته المشروعة وفقاً للقانون العرفي إذ أن اللصوصية مهنة عادية يستطيع من خلالها جماعة من المواطنين العيش برفاهية تامة.
حماية المنازل بهذه الطريقة تؤذي اللصوص وتتحدى، وهذا هو الأهم السيادة المطلقة للحكم القراقوشي.
غلت الدماء في عروق وعضلات قراقوش وصرخ:
- احضروا صاحب المنزل المجرم.
الوزراء والحجاب والحرس والقضاة يتدافعون يميناً ويساراً من هول الجريمة، وفي بيان عسكري مخطط بدقة وبسرعة، تم إحضار المجرم، حمل صغير بين قطيع من الذئاب الكاسرة، وهو الآن يركع ذليلاً أما التنين القراقوشي فقد لفظ النيران.
- لماذا وضعت الزجاج على سور منزلك ؟ ها ... ؟ حتى يجرح السور هذا المواطن اللصْ ؟ ها ؟ ... خذوه فاشنقوه.
صاحب المنزل يهتف مستنجداً من مرارة طلوع الروح القسرية
- والله ليس أنا أيها القراقوش الخالد.
- من هو أذن ؟ أيها المواطن .
ويجيب بلا وعي – أنه البناء...آءْ .... آءْ ... ( من الخوف )
أحضروا البناء :
وقبل شنقه هتف:
- إنه ليس أنا
أيها القراقوشي الأبدي...
- من هو إذن ؟ أيها المواطن .
س. المهندس س.....س ......س (من الرعب)
ولكن آخرهم اعترف بأنه كان قد أشار على صاحب المنزل بوضع الزجاج المهشم على حواف السور، والاعتراف سيد الأدلة، فاستحق وغيره.. صدر الحكم، وظهرت مشنقة كاريكارتوية هزلية من مستوى قراقوش وكان حبلها طويلاً والمهندس ( المجرم ) طويلاً.
اشتكى الجلادون والحرس من صعوبة تنفيذ الحكم القراقوشي.
عند ذاك يصرخ الحاكم الأوحد:
- ألا يوجد في بلادي ملماذا تسببونصلح للشنق بدلاً عنه لماذا تسببون لعدالتنا المشاكل ؟ !
وخلال لحظات يحضر الحرس المتدافع مهندساً قصيراً ويتم شنقه وهذا غيض من فيض من حالة الحيص بيص .
يقول العوام من الناس في أحاديثهم:
- هذا منطق تعجيزي.
أخيراً.مصدره اللامعقول تجاوزاً، ففي المنطق واللا منطق يوجد قواعد وكذلك المعقول واللامعقول، أما في الحالة التعجيزية فإنه يحرم على المفكر والمثقف أيّ إمكانية للفهم السليم وربما لأن القراقوشية ليست مرجعية إيديولوجية ولا مذهباً دينياً أو إنسانيا، ولا حتى نظرية في الحكم بل فقط أسلوب غاشم وعشوائي.

أخيراً .... الحكم القراقوشي من التراث البديع للشرق الأوسط الصغير وسيظل هذا التراث سائداً، ينتقل من جيل لآخر، إلى أن يشاء الله فيخرج شعوبه مسالمة من حيص بيص الحاكم القراقوشي.

الرقة – 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة المصرية الجديدة تؤدي اليمين الدستورية | #عاجل


.. إسرائيل تعرض خطة لإدارة قطاع غزة بالتعاون مع عشائرَ محلية |




.. أصوات ديمقراطية تطالب الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق الانت


.. انتهاء مهلة تسجيل أسماء المرشحين للجولة الثانية من الانتخابا




.. إيلي كوهين: الوقت قد حان لتدفيع لبنان الثمن كي تتمكن إسرائيل