الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيرة الدكتور كاظم حبيب وأشجانه العراقية

عبد الرحمن دارا سليمان

2010 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



يتسائل الدكتور الفاضل كاظم حبيب في مقاله المعنّون " ليس هناك أرخص من الإنسان وحياته في العراق" بمرارة واضحة أشاركه فيها، عن الوضع الإجتماعي العراقي عموما وما يبدو على المجتمع، من إستكانة وسلبية وصبر وتحمّل وقبول للقهر والعذاب والموت اليومي" راضيا مرضيا " ، تساؤلا في منتهى العمق والمشروعية ويترك لنا الجواب مفتوحا، عسى أن يساهم المهتمون والدارسون للعلوم الإجتماعية بدورهم في الولوج الى هذه المنطقة المحرّمة والمؤجلة أبدا والمهملة من قبل السياسة والفكر السياسي المألوف والموروث منذ عقود طويلة .

وإذ يكتسب هذا التساؤل أهميته الراهنة من واقع المحنة والخيبة والإحباط العام الذي يلّف حياتنا السياسية في العراق ومن قلّة الحيلة ومحدودية الخيارات المتاحة أمام القوى الديمقراطية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق السياسي ، فهو يتطلّب التوقّف مليا وبشجاعة وموضوعية أمام الأسئلة المهمّة التي تطرحها المرحلة الحالية والسعيّ والبحث الجماعي في محاولة الإجابة عنها دون السقوط في جلد الذات وتعليق الأسباب والإجابات على تخلف الوعي الإجتماعي المحلي من ناحية ، ودون المبالغة والتمجيد الرومانسي للجماهير والمجتمع من ناحية أخرى .

وإن سمح لي الدكتور حبيب في توسيع الموضوع من خلال طرح ثلاثة أسئلة يمكن إعتبارها مدخلا مهما للمناقشة والحوار وهي :

لماذا أصبح لدينا اليوم مجتمعا مستقيلا ؟ .

ومن وماهي القوى التي دفعت هذه الجماهير التي كانت تموج بالثورات والإنتفاضات الكبرى في الخمسينات والستينات للدفاع عن حقوقها المشروعة كي تصبح اليوم مهمّشة ومقصية وبعيدة وخارجة عن الإهتمام الحقيقي والعميق بالشأن العام للبلاد ؟ .

والسؤال الثالث هو بالضرورة ناتج عن السؤالين السابقين وهو :

كيف يمكن أن يستعيد المجتمع ثقته بالسياسة هذا اليوم ؟

قد يشاركني أستاذنا الفاضل الرأي ، في أن موضوعة " السلطة " وإستلام السلطة إحتلت دائما الأهمية القصوى والأولى إن لم تكن الوحيدة، في الصراع السياسي وفي العمل السياسي نظريا وعمليا لدى الأحزاب السياسية العراقية قاطبة ، الدينية منها والعلمانية بشقيها القومي والماركسي على حدّ سواء . وكان هذا الولع الحزبي بالسلطة السياسية كمصدر أوحد وكسلطة وحيدة قادرة على إدارة الصراعات والتحكّم بعملية التغيير والتحوّل الإجتماعي، خلال عقود طويلة، يجري على حساب الإهتمام بالإنسان وتربيته وثقافته ووعيه وبالمجتمع المدني وهيئاته ومؤسساته المستقلة عن الهيمنة السياسية، ويقوم على قواعد التعبئة والتجييش والإلحاق والضمّ والتبعية للأفراد والجماعات، وتحت يافطات وشعارات سياسية عريضة وفضفاضة ومهلهلة تتحدث عن الحرية والتحرر والخلاص والإنعتاق وتفترق في اللغة النظرية عن بعضها البعض لتعود وتلتقي في أبجديات الواقع العملي بطريقة تبعث على الحيرة والشك والغموض والإلتباس .

لقد ساهمت السياسة العراقية عمليا وبالمعنى الواسع لها، في خلق المواطن ـ القرقوز ، وصناعة الفرد التابع والمطيع والمستسلم والفاقد للإرادة والقدرة على التفكير الحرّ والنقدي، وعلمّته على الخوف والإتكال والإذعان وقتلت فيه حسّ المسؤولية والمشاركة والتضامن، فأصبح اليوم كما أرادت له أن يكون، كائنا سلبيا هو قتيلها وضحيتها الأولى، فلا غرابة إطلاقا في أنه يستكين اليوم لحكامه ولا يثور عليهم ولاينتفض على شروط حياته البائسة ولايطالب بأكثر من إستمراره على قيد الحياة ولايخرج في تظاهرات حرّة تعبّر عن حقوقه وتحفظ كرامته وتدافع عن إنسانيته المهدورة بعد أن نسى أو تناسى أو دفع الى أن ينسى، معنى أن يكون حرّا بفعل عقود الإذلال والإخصاء السياسي المنظّم .


كان يحلو للكثيرين من ساسّة اليوم الذين كانوا "ثوارا" وفرسانا في النضال ضدّ الدكتاتورية، أن يعلقوا جميع الأخطاء والخطايا على شماعة الدكتاتور وهو لم يكن بريئا منها بأي حال من الأحوال ، فقد كانت حروبه ومقابره الجماعية، تطغي وقتها على أي نقاش آخر وتؤجل حوارالفكر والثقافة والتربية وبناءالإنسان الذي كان يبدو في سنوات الجحيم الديكتاتوري، نوعا من الترف الثقافي لينسحب هذا الحوار الى الخلف ويؤجل عملياونهائيا كما ظهر فيما بعد، في إنتظار إستلام السلطة السياسية حيث كان الإعتقاد السائد والمروّج له بأن نعيم الديمقراطية الموعودة، قاب قوسين وأدنى بمجرد سقوط الدكتاتور الشرير وحلول الأخيار وأصحاب الحق المشروع محله. كان هذا قبل أن يفاجأنا الثوار باللغة الحقيقية الوحيدة التي يتقنوها جيدا، لغة الحصص والنسب وتقاسم المغانم مع أول إجتماع لمجلس الحكم ينعقد برعاية العزيز "بريمر" .

وكان مجرد القاء الضوء على هذه الجوانب المخفية والمعتمة عمدا من عالم السياسة العراقي، يواجه بالإرتياب والتشكيك من قبل هؤلاء الساسّة الكرام ،أمّا وقد تكشّف المستور هذا اليوم ، فنستطيع أن نذكّر ونعيد على الأذهان ما قلناه بالامس القريب، وهو أن ثقافة الطاعة والخضوع والإمتثال التي تحدثنا عنها طويلا هي التي فرشت الطريق للدكتاتور ويمكن لها إن إستمرت كما هي عليه الحال، أن تخلق عشرات الدكتاتوريين .

ولا أظنّ بأن هذه الإستهانة بقيمة الحياة والإنسان وإختصار البشر الى كومة من الوقود التي ينبغي لها أن تحترق على درب الشهادة أو النضال، لا فرق، يقتصر فقط على أحزاب الإسلام السياسي "متطرفين ومعتدلين" كما تفضل الدكتور حبيب في المقال المشار اليه، وإنّما يتعدّى الأمر الى بنية الفكر السياسي السائد عموما والذي يتطلب الكثير، الكثير من الجرأة والوضوح والصراحة ومواجهة الذات، لكي ننتقل للجواب على السؤال الثالث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تراكم كمي1
سمير فريد ( 2010 / 9 / 23 - 04:13 )
الاستاذ عبد الرحمن دارا سليمان ان ما يحدث في العراق اليوم هو تراكم كمي لثقافة امتدة لقرون طويلة من الظلم الاْقتصادي ومن ثم الاْجتماعي والثقافي ان هذا الموروث المتحكم في جميع مفاصل الحياة لا في العراق فحسب بل في غالبية دول المنطقة يدفع الانسان ان يقبل بالتهميش وان ينتظر منقذ ان كان من السماء او من الاْرض وان هذا المنقذ هو من سيمنح لهولاْالمسحوقين حقوقهم وبذلك لا يكون هناك حاجة لهبة لاْنتزاع هذه الحقوق المستلبة كما وان الاْحزاب السياسية ساهمة هي الاْخرى في تعميق هذا المفهوم من خلال المركزية الحديدية ولم تترك لمنتسبيها اي فسحة للمطالبة بحقوقها لذلك ستجد ان لا حقوق بل واجبات فقط وان الدكتور العزيز كاظم حبيب لديه خبرة في هذا المجل كافية للخروج بنتيجة افضل ان ما يعيشه شعبنا ماْساة ستستمر لاْجيال ان استمرة الاحزاب ذات التوجه الديمقراطي في الاْمتناع عن تبني مطالب الشعب مهما كانت صغيرة ان الروافد الصغيرة تكون ذلك النهر الكبير اما عن الذين في السلطة اليوم فاْنهم لم يكونوا ثوار بالمعنى الذي معروف عن الثوار لقد اثبتت الايام انهم مجموعة من اللصوص وقطاعي الطرق وعصابات الجريمة المنظمة


2 - تراكم كمي2
سمير فريد ( 2010 / 9 / 23 - 04:35 )
الاستاذ عبد الرحمن سليمان المحترم ان ارهاب الدولة والذي قتل كافة تطلعات الشعب العراقي لمدة تزيد عن 40 عام ولد نوع من الخوف وحجم التطلعات المشروعة لبتات واْبناء الشعب واختزلها لمطالب لا تتعدى لاْمور كانت قبل 60 سنة بديهية ان تحجيم ومحاولة منظمة لسحق طبقات من الشعب مستمرة وتسير بطريقة مبرمجة لذلك لن تجد هناك صناعة ولن تجد زراعة بالمفهوم العلمي يواكب دول العالم الثالث ولن نقول المتقدم وبالمقابل ستجد هناك محاولة لتشكيل طبقة هامشية تسرق وتهرب كل شيءون وازع من ضمير او شعور بالخوف ان فضح هولاْو وبكل الطرق واجب وطني ويجب شن هجوم لتعريتهم وبالمقابل يجب ويجب العمل اليومي لتجميع كل القوى الوطنية لفضح هولاء ان الدعوة لمثل هذا التجمع وتبني مطالب الشعب دون اللجؤ لتنظيرات فوقية وباْساليب بسيطة هي احدى المفاتيح للنهوض بشعبنا ودفعهم للمطالبة بحقوقهم التي سرقها ممثلي التخلف والظلام


3 - ضرورة المقارنة والتمييز
مثنى حميد مجيد ( 2010 / 9 / 23 - 10:52 )
حيرة الدكتور كاظم حبيب ناتجة عن عدم معايشته اليومية لمعاناة الشعب في الثمانيات والتسعينات.المعلومات التي يعتمدها أي كاتب يعيش خارج العراق مهما كانت تفصيلية لا تمكنه من تلمس النبض الحقيقي للشارع.ورغم كل سلبيات وماسي سنوات ما بعد الإحتلال فإنهاأفضل من مجاعة فترة التسعينات وإنحطاط الإقتصاد العراقي وإنقطاع سبل العيش.الناس تثور حين يكون هناك إستمرار في تدهور حالتها المعيشية وما حدث بعد الإحتلال هو تحسن عام نسبي وزيادة في فرص العمل وإرتفاع في مستوى الإقتصاد.هذا ليس مدحا للوضع الحالي بل إشارة إلى ضرورة المقارنة والتمييز بين المراحل من أجل فهم أفضل.


4 - الدولة والثورة
فرات علي ( 2010 / 9 / 23 - 14:23 )
كانت كتابات الاستاذ كاظم حبيب على الدوام تثير اهتماما ونقاشا كبيرين، وهو أمر ايجابي في جميع الاحوال. أعتقد ان مراجعة بسيطة لتراث الماركسية اللينينية (وخصوصا الدولة والثورة)، والاستاذ حبيب احد معلميها، ستتيح لنا امكانية العثور على اغلب، ان لم نقل جميع، الاجابات على اسئلة الاستاذ حبيب. مع احترامي الكبير للاستاذ كاظم حبيب.


5 - العودة إلى الماضي
شوكت خزندار ( 2010 / 9 / 24 - 12:55 )

الأستاذ الكريم عبد الرحمن المحترم .. لابد ليّ العودة إلى الماضي ، أي منذ أن أستلم البعث السلطة السياسية في 17/7/1968 .. ففي عام 1969 وبقرار حزبي بعث بهاء الدين نوري الدكتور مكرم الطالباني كمبعوث إلى أحمد حسن البكر وحمله الرسالة التالية نصاً ( وفق معلوماتنا المؤكدة ، سيقوم عبد الغني الراوي بمحاولة الانقلابية ضدكم ..؟ مسك البكر شواربه قائلاً ، لن أنسى هذا الجميل أبداً .) ؟؟


6 - تكملة العودة
شوكت خزندار ( 2010 / 9 / 24 - 12:57 )
ووفق محاضر اللجنة العليا للجبهة ورئيسها صدام ، عام 1975 خاطب الأخ عزيز محمد صدام حسين قائلاً له ( لقد كثر المحاولات الانقلابية للإطاحة بكم عليكم الحذر ثم الحذر) كان جواب صدام كالتالي : ( أن من يستلم بعدنا يستلم الأرض بلا شعب بل والأرض محروقة ) ؟؟ أن ما يجري اليوم في العراق خير الدليل على قول صدام .. فهل يا ترى من يتحمل الجزء من المسؤولية ..؟
فطالما الإسلام السياسي يتمسك بالسلطة السياسية بعد السقوط فلا خير للوطن. ولنعود إلى مجلس الحكم بعد السقوط .. حميد كفائي الناطق الرسمي باسم مجلس الحكم وأمام التلفزة ، سئل ، هل الأستاذ حميد مجيد موسى عضو المجلس كشيوعي أم كشيعي .. أجاب حميد ، لا انه كشيعي ..! والسيد حميد موسى كان بجواره مباشرة فلم يستنكر قول حميد كفائي .. بل أبتسم ابتسامة عريضة .. هذا جزء من الجواب على أسئلتكم وشكراً لكم .

اخر الافلام

.. أي حلول أمام إيمانويل ماكرون في حال هزيمة حزبه أمام التجمع ا


.. الخارجية الأمريكية: واثقون تماما من موافقة إسرائيل على مقترح




.. حرائق ضخمة تنتشر بمناطق من الشمال الإسرائيلي.. ووزراء يطالبو


.. شهداء وجرحى في قصف على باب مركز إيواء شمال دير البلح




.. الاحتلال يسيطر بشكل كامل على محور فيلادلفيا