الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملوك اقصاد السوق يزحفون نحو السلطة

بدر الدين شنن

2010 / 9 / 23
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يقدم الوضع الراهن في سوريا ، من الوهلة الأولى ، معطى يستحق التعاطي معه بعيداً عن العقول الحامية والجمل النارية ، بل بعقلانية وجدية ومبدئية . وقبل أن ننفي أو نؤكد صحة هذا المعطى ، فلابد من أن نأخذ بعين الاعتبار ، أن المنعكس " الفوتوغرافي " لهذا الوضع مخادع إلى حد كبير داخلياً وخارجياً ، فبكل بساطة يمكن أن يستدل منه ، على أن النظام ، نتيجة متغيرات دولية عسكرية وسياسية واقتصادية ، هو بحالة أفضل مما كان عليها قبل سنوات ..

فقد "كسب " النظام معركته مع الخارج ، وا ستعاد حيزاً لابأس به من علاقاته الإقليمية والدولية ، وتحول من موضوع للسياسات الدولية في مخططاتها الشرق أوسطية ، إلى جزء هام من مفاعيل شرق أوسطية ، بدأت تمارس دورها في الصراع العربي الاسرائيلي وفي السياسة الدولية ..

و" كسب " معركته مع الداخل . فقد ا ستطاع تفكيك وتهميش المعارضة . وحتى أكثر المعارضين تشدداً علق معارضته للنظام ، أو انطوى على ذاته لمراجعة أ سباب العجز عن التغيير ، أو قالها بصراحة أن النظام انتصر . وما تبقى من أنشطة معارضة ، فهو لايتجاوز الاحتجاج " الكومبيوتري " على بعض الاعتقالات والمحاكمات . وباتت قليلة جداً عددياً ونوعياً الكتابات الهجومية الحامية ضد النظام ..

و" كسب " معركته الاقتصادية ، المتمثلة بالسير قدماً في تطبيق إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي ، التي حسمت مسألة تصفية أو تهميش القطاع العام الانتاجي والخدمي ، وتمكن من كسب موالاة البرجوازية التقليدية ، ومن جذب ا ستثمارات عربية وأجنبية ، والتي عملت ( إجراءات اقتصاد السوق ) على تشكيل تموضع اجتماعي هام ساند مسارات النظام المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

على أن دلالات هذا المعطى تختلف إذا تجاوزنا السطح " الفوتوغرافي " إلى العمق .. إلى الأبعاد المختلفة لحقائق الوضع الراهن . وإذا كان لايمكن تجاوز " الصورة " المعبرة عن انتقال النظام بعامة إلى مرحلة جديدة تتسم " بالكسب " المحقق على صعد متعددة ، فإنه يحفز على القول أن النظام قد تجاوز ذاته ، التي حاول تكريسها معبرة عن أهدافه " في الوحدة والحرية والاشتراكية " . وانتقل إلى مرحلة نوعية أخرى ، هي قطعاً غير تلك الصورة التي يقدمها المعطى المصطنع .

فالنظام بالرغم من كل ما وشى به سير الأحداث من صفقات ا شترك فيها لم " يكسب " تماماً معركته مع الخارج إلاّ بالقدر الذي سمحت به عوامل أزمات القوى الدولية العسكرية والسياسية والاقتصادية ، التي أفرزتها سياسات بوش العدوانية الخرقاء ، والتي هي أكبر من أن يستطيع نظام بحجم وقدرات النظام السوري أن يؤثر فيها ، أو يفعل تداعياتها لمصلحته ، بدلالة أنه ما أن بدأت تتبدل مؤثرات تلك العوامل ، حتى عادت قوى الخارج إلى تذكير النظام بحجمه الفعلي الإقليمي والدولي ، وذلك بتسخين نفس المسارح التي أوحى هو في وقت ما أنه فاعل فيها ، وبتلوين آفاقه السياسية بلون داكن ينذر بانفجارات دموية ..

ولم " يكسب " النظام معركته مع الداخل . فما حصل لنمط معارض برز في حقبة تاريخية ، هو نتيجة منطقية لعدم تجانس بنية هذا النمط ، وعدم تجانس وتكامل الأهداف مع المتطلبات الشعبية الحقيقية الواسعة ، وعدم بناء آليات شعبية اجتماعية لتحقيق برنامج التغيير الوطني الديمقراطي ، والتباس مفهوم الجبهة العرضة وتعارضه مع طبيعة معارضة نوعية شعبية معاصرة تطمح في العمق أن تكون ذات توجه ا شتراكي . وهذا لايعني تفكيك أو انتهاء المعارضة ، وإنما يعني انتقالها من معارضة تقليدية إلى معارضة أكثر جدية وأكثر جذرية وأكثر شعبية . فالواقع الموضوعي الذي أفرز التعارض مع النظام وا ستلزم وجود المعارضة ما زال قائماً ، بل وتتزايد ضرورتها ياضطراد ..

ولم " يكسب " النظام معركته الاقتصادية في السير قدماً في إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي ، وفي الإمعان بالتعاطي السلبي مع تداعياتها الاجتماعية المؤلمة والمهدمة للقطاع العام الانتاجي والخدمي ، بل وهنا بالذات يكمن انقلاب النظام على ذاته ، ومن هنا بالذات تأتي مفاعيل المتغيرات الخطيرة القادمة ، التي ستبني السياسة الداخلية والخارجية على خلفية عقلياتها ومصالحها ، وتبني مرجعياتها الد ستورية والقانونية ، وتدفع إلى الخلف وتهمش حتى الصفر مؤسسات الماضي الحزبية والنقابية والسلطوية المعوقة ، موضوعياً ، لحركة منظومتها الخاصة ، المعبرة عن سلطة ومصالح الملكية الخاصة الشاملة في الدولة والمجتمع ..

ورغم كل الضباب الإعلامي ، فإن البعد الأساس في عمق المعطى الراهن ، يشير إلى أن ما تحقق ، هو تغيير نسبي في عقيدة النظام السياسية الاقتصادية ، التي سادت خلال العقود الماضية ، والتي عبرت عنها معادلة ( سياسة - اقتصاد ) أي أن من يملك القرار السياسي يملك القرار الاقتصادي ، بحيث بات طرفا هذه المعادلة في حالة اندماج ووحدة ، وذلك بعد أن اصبح مالك القرار السياسي هو مالك الملايين والمليارات في آن . وبعد أن خطط وعمل مسؤولون في النظام على تهديم القطاع العام ، وبعد أن أصبح القطاع الخاص يتحكم بأكثر من ثلثي الناتج الاجمالي ، وبعد تغلغل الرساميل الأجنبية في أهم القطاعات الاقتصادية الحيوية والرابحة ، أصبح المطلوب الآن ، وبعد الآن ، حسب منطق وقوانين المتغيرات الجديدة ، قلب العقيدة السياسية الاقتصادية الاجتماعية ، التي تمثلت فيما جرى تداوله من صيغ للمعادلة ، والتحول إلى معادلة جديدة تقوم على ( اقتصاد - سياسة ) . أي " أن مالك القرارالاقتصادي هو مالك القرار السياسي " حسب النقابي الراحل محمود سلامة .

وإذا أخذنا خلفية المعطى المشار إليه جدياً ومبدئياً ، فإننا نجد أن مطالبة السيد " نجيب عساف " ملك السكر ، وصاحب أكبر معمل لصناعة السكر في سوريا " الذي تبلغ كلفة إنشائه خمسة مليارات ليرة سورية " بتشكيل مجالس وطنية اقتصادية تمثل رجال الأعمال وخبراء في الاقتصاد ، مهمتها الجلوس مع إدارات الدولة المعنية ومناقشة مختلف جوانب الحياة الاقتصادية ومشاكلها وأخطائها ، بحيث تركن الحكومة في قراراتها وسياستها إلى المشورة والنصائح التي ستخرج بها هذه المجالس من خلال اطلاعها على مختلف القطاعات الاقتصادية .. أما فيما يخص المشاريع الكبرى ، التي يزيد رأ سمالها عن 500 مليون دولار ، فيجب على الحكومة أن تجلس مع المستثمر تفاوضه وتعد له قانوناً يناسب حجم مشروعه ومتطلباته " ، نجد أن هذه المطالبة لم تأت من فراغ . لاسيما إذا عرفنا أن السيد " عساف " ينتج الآن ألف طن من السكر في اليوم أي مايعادل أكثر من نصف ا ستهلاك سوريا سنوياً . ولديه مخططات لزيادة الانتاج إلى ثلاثة أضعاف . وإذا عرفنا أن خلفية السيد " عساف " الاقتصادية ترتكز على الشراكة مع مؤسسة " كارجيل الأميركية للمواد الغذائية " ، بل جاءت تعبيراً عن خطوة مطابقة لواقع اقتصادي محقق في مجال الملكية الخاصة والقطاع الخاص ، الذي يتجه بدعم من خطط الدولة الخمسية للتحكم بوسائل الانتاج وبالخدمات الأساسية . فالسيد " عساف المصنف ضمن قائمة أبرز مئة رجل أعمال في البلاد يرى " أن الحكومة وفريقها الاقتصادي لم تكن مواكبة لما جرى عملياً " وا شتكى من " الخلل في العلاقة بين الحكومة وفريها الاقتصادي وبين رجال الأعمال " . الأمر الذي يتطلب تدخل رجال الأعمال ومشاركتهم في صنع القرار الاقتصادي ، عبر تشكيل مجالس وطنية اقتصادية " ا ستشارية " ، وهذا ما يتيح لهم لاحقاً مشاركتهم في صنع القرار السياسي ، أي إزالة الميز بينم وبين برجوازية السلطة ..

وفي حال اندماج ملوك الاقتصاد داخل السلطة وخارجها ضمن إطر المجالس الوطنية الاقتصادية ، التي ستصبح المرجعية الأساس للسلطة الاقتصادية في البلاد ، تصبح السياسة تعبيراً عن المصالح الرأ سمالية الاقتصادية وخادمة لحركتها وأهدافها ، وترتهن الحياة في البلاد لقوانين اقتصاد السوق الليبرالي الداخلية والخارجية ، وتسحق التداعيات الاجتماعية المؤلمة المتأتية عن ذلك الطبقات الشعبية .. من عمال وفلاحين وفقراء مدن وعاطلين عن العمل وكافة الذين لايعيشون إلاّ على الرواتب والأجور .. بكلمة .. توضع جدران عزل صلبة أمام الخيار الثالث الاقتصادي الاجتماعي الشعبي البديل المغاير لنظام برجوازية الدولة ولنظام اقتصاد السوق الليبرالي .

ومن طرف مقابل ، فإن معطى آخر لايقل أهمية ينهض ويدعو للأسف الشديد ، وهو أنه في الوقت الذي نرى فيه ، أن البرجوازية بجناحيها السلطوي والتقليدي ، تواصل العمل لتأصيل وحدتها الطبقية ، وتوسيع سيطرتها المطلقة على الاقتصاد ، وخاصة في قطاعاته الأساسية ، متحولة بذلك إلى سلطة اقتصادية فاعلة في المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية الجارية حثيثاً عبر إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي ، وزاحفة دون كلل لامتلاك السلطة السياسية كاملة ، وتكريس نمط رأ سمالي ليبرالي ، يعمق ويوسع التمايزات الطبقية باضطراد نحو الأسوأ ، ويربط البلاد بآليات الرأ سمال الأجنبي والتجارة العالمية الحرة ، التي لم تجلب لأي بلد نام ارتبط بها سوى الإفقار والبؤس ، نرى أن القوى الوطنية الديمقراطية والشعبية ، المستهدفة في هذه السيطرة بطيئة الحركة في تشكيل قطب مكافء .. معارض .. مقاوم .. للدفاع عن حقوقها ومصالحها ..

ولتلافي هذا البطء ، الذي تأتى ولاشك عن تجربة المعارضات في المرحلة الماضية ، فإن تجارب ومبادرات جديدة يمكن ، وينبغي ، أن تنطلق في كل المدن والصعد .. فليس منالصعب البدء بتشكيل لجان شعبية محدودة العدد .. في الأحياء والمعامل والقرى والمهن ، لأخذ زمام المبادرة ، وخوض نضالات حقوقية .. ديمقراطية .. مطلبية .. جزئية .. عامة .. مهنية .. إنسانية . ومن ثم تقرر حركة هذه اللجان الأشكال الجديدة ، التي يمكن الانتقال إليها .. وصولاً إلى معارضة ثورية شعبية تواجه بصلابة المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية المعاكسة للعدالة ولحركة التاريخ .. وللمصالح الوطنيية الأساسية .. ولحقوق الطبقات الشعبية الديمقراطية والاجتماعية .. التي تمثل الأكثرية الساحقة في المجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط