الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى .. الانتخابات في السعودية بين وعي المؤسسة والوعي الاجتماعي

يحيى الأمير

2004 / 9 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


هدأت حدة الدهشة والسؤال حول الانتخابات وتحول الجميع من مرتهنين لدهشة لذيذة إلى باحثين ومتسائلين عن حقوقهم وأدوارهم والمناط بهم في العملية الانتخابية القادمة
هذه الانتخابات التي جاءت كمشروع وكتفعيل حقيقي لتوجهات القيادة التي أعلنت عنها وتمثل في نفس الوقت عملاً حقيقياً على الأرض يخرج من وازع وطني ومدني حقيقي باتجاه المشاركة الشعبية والسير بالمجتمع والناس نحو ايجاد حياة مدنية حقيقية، وفي هذا التفصيل ما فيه من كسر لذهنية الوعود والشعارات التي لا تثمر غير ألفاظها حيث إن القرارات التي تتوالى والخطوات الجادة والحقيقية تعطي دلالة على أن ثمة توجه حقيقي يعي بشروط المرحلة التي لا تحتمل الوعود المجانية أو التسويفات المتواصلة وإنما تنفتح على رؤية عملية خاصة وأن القيادة تعلم أنها ليست في حاجة إلى وعود منكوثة أو شعارات طويلة صاخبة لا طائل من ورائها ذلك أنها تسعى إلى ما تسعى إليه وفق تواشج نظري وتطبيقي، إضافة إلى أن استكمال الحياة الحديثة والمدنية يتطلب أول ما يتطلب التخلص من سلوكيات رأينا آثارها في العديد من دول العالم العربي حين يكون الحراك والإصلاح مجرد أصوات وشعارات ذات رنين صاخب فقط.

إقرار المشروع.. السلوك الجديد
إقرار مشروع الانتخابات يأتي - أو كهذا ينظر له - وفق رؤية عولمية منفتحة على تجارب العالم وآخذة من كل تجربة بما هو مفيد ومثمر ويظهر ذلك جلياً في طواقم الخبرات العالمية التي استضافتها وزارة الشؤون البلدية والقروية والتي ضمت خبراء من ألمانيا وجنسيات مختلفة بغرض استثمار رؤاهم وتجاربهم والتعاقد معهم لتولي كثيراً من الجوانب النظرية للعملية الانتخابية وهذا التوجه تطور حقيقي لما كنا نقع فيه قديماً من حصر الاستعانة بخبرات عربية أو خبرات مؤدلجة جاهزة تجيد المزايدة والبحث عن الكسب بعيداً عن أي مسؤولية، هذا بالإضافة إلى أن الخبرات غير العالمية في هذا المجال ستفتقر إلى الخبرة الفعلية لأن الكثير من التجارب الانتخابية في الوطن العربي لا تتجاوز كونها فعاليات جاهزة ومظاهر إعلامية فقط.
كذلك فإن ما شهدناه مؤخراً من وصول فريق من خبراء هيئة الأمم المتحدة بناء على طلب المملكة للاطلاع على الاجراءات التي انهتها وزارة الشؤون البلدية والقروية فيما يتعلق بعملية الانتخابات واجراءات قيد الناخبين وتسجيل المرشحين واللجان الانتخابية والجوانب الفنية والبرنامج الزمني بالإضافة إلى الاشراف المباشر على عملية الانتخابات في حينها يعني توجهاً حقيقياً لايصال العملية الانتخابية إلى أعلى مستويات الدقة والتنظيم والسعة وعدم الاقتصار على الرؤية الداخلية بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من اعتراف بأهمية التجربة الأولى والحاجة إلى استنادها إلى تجارب أخرى وحشد الأفكار والرؤى المختلفة لانجاحها.
مما يمكن أن يلحظ أيضاً في هذا السياق الإصلاحي أن القيادة بكل مؤسساتها تخوض نضالاً ثنائياً مزدوجاً فهي تعيش - كما يعيش الشعب - في مواجهة فعلية وقوية مع فلول الإرهاب والظلامية والخارجين عن نواميس الكون وقوانين الحياة الطبيعية وهي مواجهة على أصعدة مختلفة من أبرزها الصعيد الأمني الذي شهد من النجاحات ما لا يمكن إغفاله.
أما الجانب الثاني من حراك القيادة فهو أنها ورغم تلك الظروف إلا أنها تواصل كل خطواتها وفعالياتها الإصلاحية والتطويرية في العديد من الميادين والنشاطات الوطنية وليس هناك من لائم يمكن أن يلوم فيما لو توقفت كل تلك الإصلاحات بحجة الإرهاب، مثلما هو حادث في العديد من دول العالم التي تتحجج بظروفها وأزماتها الداخلية لتعطيل ما لديها من مشاريع، إلا أن الحالة هنا في المملكة سادت بشكل متوازن وبحركة دائبة بين يد تواجه الإرهاب وخرابه ويد أخرى تفتح تلك العمليات الإصلاحية والتطويرية في مختلف الميادين.

الوعي المؤسساتي.. الوعي الاجتماعي..
من لمن؟
لعل الناظر في تركيبة وطن كالمملكة العربية السعودية ستجد أنه أمام حالتين من الوعي والرؤية حالة القيادة وحالة الوعي المجتمعي العام على أن بين هاتين الحالتين من التداخل الشيء الكثير فالقيادة هي في النهاية منظومة مؤسسات وأعمال وبُنى وطنية متعددة، وهذه المؤسسات مهما تعددت أوعلت فإنها لن تشغل إلا بكوادر يقوم وعيها ابتداء علي الوعي الاجتماعي السائد.. ثم حين يتماشى مع سلوكيات المؤسسة ومتطلبات العمل المؤسساتي يبدأ في النزوع إلى التفريق بين آلية التعاطي الاجتماعي وآلية التعاطي المؤسساتي لتكون الثانية هي الأهم بأدائه داخل المؤسسة لما تضطلع به المؤسسات من دور إحيائي وتصحيحي وإنمائي للمجتع وفتح رؤى جديدة في أفق الوعي الاجتماعي الضيق، ومن هنا يمكن أن نلحظ تقارباً بين ما يمثل وضعاً اجتماعياً وبين ما تقدمه بعض المؤسسات، لنصل من كل هذا إلى أن التركيبة العامة لدينا في الوقت الذي هي فيه صانعة للمؤسسات هي أيضاً موكلة بكل ما من شأنه تصحيح وترتيب وتعديل تلك التركيبة، أي أن المؤسسات ومع أن أفرادها يخضعون للوعي الاجتماعي السائد غالباً إلا أنهم ومؤسساتهم هم الموكل بهم تطوير وتنوير ذلك الوعي.. وإذا كان ظاهر هذه الحالة يؤدي إلى شكل نظري فإنه بالمقابل يمثل اختباراً حقيقياً لمدى جدية الفصل والتفريق بين ما هو وعي اجتماعي وبين ما تمثله الرؤية المؤسساتية وضرورة التدرب ملياً على ذلك الفصل بل والسعي مع مرور الوقت إلى احلال الرؤية المؤسساتية المدنية في جميع مفاصل وزوايا كل المؤسسات والقيام بكل ما من شأنه أن يدعم ذلك.
والسؤال الذي يبرز هنا وبإلحاح شديد هو: هل تُدار تلك المشاريع والخطوات التطويرية التي تقرها المؤسسات الحكومية هل تدار برؤية مؤسساتية أم برؤية اجتماعية؟
وقبل التعرض إلى إجابة هذا السؤال فإن مما يجب النظر إليه باعتباره يقيناً هو أن مشروع الانتخابات ناتج أصيل لذلك التفريق الواعي بين ما هو سائد اجتماعي وبين ما هو مؤسساتي نهضوي ذلك أن السائد الاجتماعي يميل إلى السكون والركون إلى الحالات الوطنية الموروثة سائراً على نمطية الحياة دون تواصل أو حتى بحث فعلي عن التواصل مع المتغيرات الحياتية وأنظمة الحياة المدنية الجديدة، فالانتخابات لم تكن - غالباً - بادرة اجتماعية وإنما جاءت بادرة مؤسساتية منطلقة من دور المؤسسة وسعيها لترسيخ ثقافة المؤسسة وما تمليه من إحداثات وتحولات وخروج عن الأنماط القديمة في الإدارة والحكم والمشاركة، لأن دور مؤسسات القيادة يحتم عليها ألا تكون راعية ومرسخة للنمط الاجتماعي قدر كونها محركة ومحفزة له على التوجه إلى مراجعة مظاهر حياته التقليدية وسلوك سبل التطور والاندماج في حياة جديدة، وإن كان في الماضي قد تعمق ذلك التماس بين المؤسساتي والاجتماعي حين حمل الأول كثيراً من رؤى الثاني وتواطأ معه على عناصر وسمات كالسكون والركود وشرعنة من خلال تأخير وطمس بعض الحركات والدعوات الاصلاحية إلا أن ذلك قد انقضى لأنه يجب أن ينقضي ولأن المؤسسات القيادية هي لبّ الحراك المدني في وسط لا يزال يجنح في الكثير من رؤاه إلى الساكن والنمطي.
وحين العودة الى السؤال السابق وهو ما إذا كانت تلك المشاريع التي انتجتها المؤسسات تدار برؤية اجتماعية أم مؤسساتية فإن الحقيقة تفرض علينا أن نواجه واقعاً يؤكد بأن كثيراً من تلك المشاريع وقعت تحت وطأة الاجتماعي وأصبحت تدار بقيم ورؤى اجتماعية اسهمت في النزوع بها إلى أحوال ومخرجات غير المنتظر منها وغير متسقة مع روح المؤسسة ولو ضربنا مثلاً بقوانين العمل والاقتصاد التي كانت مطروحة ومطبقة وفق رؤية اجتماعية تقوم على تفرقة بدائية بين عمل الرجل والمرأة مثلاِ منطلقة في ذلك من رؤية اجتماعية تركن إلى الإبقاء على مثل هذه القيم وصقلها وديمومتها، لنجد مؤخراً كيف أن المؤسسات المعنية بهذا الشأن قد انتفضت أخيراً على ذلك التواطؤ بين الاجتماعي والمؤسساتي لنشهد ما أقرته القيادة مؤخراً من قوانين جديدة لعمل المرأة تقضي بإبطال الكثير من التفرقة والتمييز الذي كان يحاصر ذلك النشاط دون أدنى صدام بالرؤى الشرعية وباتساق مع الرؤى الحضارية والمدنية في هذا الجانب وبتطبيق حقيقي للدور المنوط بالمؤسسة.
ويحضر السؤال بشكل أكثر كثافة عن مشروع الانتخابات البلدية القادم في شهر شوال.. وما إذا كان هذا المشروع ستتم إدارته وتناوله برؤية اجتماعية أم برؤية مؤسساتية مع التأكيد على ما سبق ذكره من أن خروج هذا المشروع هو أولاً حضور حقيقي لدور المؤسسة وموقعها من بث أنماط الحياة الجديدة وفتح آفاق الحراك المدني.
ولعل المشكل الأبرز في قضية الانتخابات أنها تقوم وسط معضل اجتماعي، فإذا كانت الانتخابات في أبسط صورها مشاركة واختياراً على أساس المصلحة المدنية فإن الشكل الاجتماعي يبرز في رؤى المشاركة والاختيار اجتماعياً لا تحتكم إلى المصلحة المدنية وإنما تحتكم غالباً إلى مظاهر عائلية وقبلية تغيب معها المصلحة المدنية لأنها لا تشكل حيزاً كبيراً في الذهنية الاجتماعية كالذي تشغله تلك المرتهنة إلى حالة الركون الاجتماعي والقائمة على تركيبته التي ظلت لقرون طويلة قبل ظهور دولة المؤسسات هي المناط والمرجعية وما من شك أن هذه الحالة ليست تعطيلاً للعملية الانتخابية بقدر ما هي خروج بها عما تريده القيادة وما تقدمه مؤسساتها في سبيل ذلك من وفد جديد لتلك الحالات وحثها
على التخلي والابتعاد عن تلك المرجعيات التي لا تحقق مصلحة ولا تقدم نفعاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج