الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيارات حزب الله

مسعود محمد

2010 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


حول نشأة حزب الله واديولوجيته الدينية والسياسية، يقول الشيخ نعيم قاسم في كتابه حزب الله، على أثر الاجتياح الاسرائيلي والمشاركة بقتال اسرائيل بالمشاركة مع الجيش السوري، والقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية لم يكن هناك تنظيم اسلامي فقوي الاهتمام بضرورة تشكيل جسم اسلامي موحد يتمحور حول ثلاث أهداف :
1- الاسلام هو المنهج الكامل الشامل الصالح لحياة أفضل، وهو القاعدة الفكرية والعقائدية والايمانية والعملية التي يبنى عليها هذا التشكيل.
2- مقاومة العدو الاسرائيلي كخطر على الحاضر والمستقبل، وله أولويات المواجهة، لما له من أثر على لبنان والمنطقة، وهذا يستلزم ايجاد بنية جهادية تسخر لها كل الامكانات للقيام بهذا الواجب.
3- القيادة الشرعية لولي الفقيه كخليفة للنبي محمد والأئمة، وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة، وأمره ونهيه نافذان.
لطالما نجح حزب الله بزرع وهم ابتعاده عن الساحة الداخلية عبر اعلان شعار ابعاد سلاح المقاومة عن الداخل، وأعلن في ادبياته أن بندقية المقاومة لن توجه إلا في وجه الاحتلال. الا أن ذلك الكلام كان حبرا على ورق فتلك البندقية وجهت عملياً إلى الداخل اللبناني أكثر من مرة، فقد تم تصفية عدد من المثقفين اللبنانيين من الشيعة المتنورين القادرين على خلق حالة رافضة بوجه حزب الله، وتعميم حالة وطنية جامعة، أمثال حسين مروّة ومهدي عامل.. وفرض الحزب الحرم على أي منشق، وقاتل حركة أمل في اقليم التفاح والضاحية الجنوبية لتثبيت مرجعيته للشيعة في لبنان، وعمل حزب الله بدعم من سوريا وايران على أخضاع المقاومة الوطنية للانصياع له كقائد للمقاومة تحت شعار وحدة البندقية من أجل تحرير الجنوب اللبناني فوجد العديد من المقاومين أنفسهم بمواجهة الطوق الأمني لحزب الله وحركة أمل أثناء توجههم لتنفيذ العمليات العسكرية ضد اسرائيل فاعتقل واستشهد العديد من المقاومين على يد من يفترض بهم أن يكونوا حلفاء المواجهة مع اسرائيل. أجبرت القوى الوطنية المقاومة التابعة لسوريا كالحزب القومي السوري على الانصاياع لهذه الرغبة، ومن أبى منهم قتل بدم بارد كقائد جهاز المقومة في الحزب القومي محمد سليم، ومن لم يلتحق فرض عليه الخروج قسريا من العمل المقاوم عبر اقفال طرق الامداد والدعم عنه كالحزب الشيوعي اللبناني، وتم العمل على افراغه من داخله وزرع بيئة أقرب للتشيع منها للعلمنة ونجحت بخلق قيادة تابعة لحزب الله كحال القيادة الحالية للحزب الشيوعي. بنفس السياق يمكن وضع ما قام به حزب الله من استعراضات عسكرية في الضاحية الجنوبية فهي لم تكن لتخيف أميركا وإسرائيل بمقدار ما كانت لترهيب المواطن اللبناني، وما التمسك والإصرار على مسك أمن الجنوب من قبل حزب الله الا حالة شبيهة بالحالة الفلسطينية السابقة التي خلقت ما يسمى دولة داخل الدولة. هناك مسألة هامة أخرى تفسر الرغبة بامساك الشارع المقاوم ولا بد من الإشارة إليها وهي وهم لدى بعض الشيعة المتطرفين قائم على إيديولوجية دينية مذهبية ضيقة (ولاية الفقيه)، تعمل على إقامة هلال شيعي إيراني عراقي سوري لبناني.هذا المحور الذي حذر منه وزير الخارجية السعودي، لأنه يهدد أمن دول الخليج والارهاصات الأمنية الأخيرة في البحرين بروفه لما يمكن أن يكون المشهد عليه بسبب تدخلات ذلك الهلال بدول الخليج، ويشكل ذلك الهلال مخاوف لدى أطراف لبنانية من استبداد شيعي في النظام اللبناني بدعم سوري إيراني، واللغة السياسية الفوقية المتبعة الآن مع معارضي هذا الخط أكبر دليل على ذلك، ويشكل هذا الهلال مخاوف لدى أطراف سورية من عرقلة التغيير الديمقراطي في سورية بدعم إيران للنظام السوري في مواجهة الضغط الخارجي والداخلي الداعية للإصلاح السياسي.
وجد حزب الله نفسه أمام معضلة الالتحاق بالواقع اللبناني، مع نهاية الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف. وكان أمام ضرورة تكييف نفسه مع التحولات الحاصلة على الساحة اللبنانية والمحيط الاقليمي، فاتجه الى لبننة خطابه السياسي، وشارك في الانتخابات النيابية لأول مرة منذ نشأته العام 1996 فدخل المجلس النيابي بكتلة نيابية وازنة، فتحت له باب الحوار مع كافة المكونات الوطنية اللبنانية، على قاعدة الوفاق الوطني والاجماع حول المقاومة. تخلى عن شعار الجمهورية الاسلامية ببراغماتية ذكية، انسجاما مع الواقع اللبناني المتنوع دينيا وعقائديا مخالفا بذلك الأساس العقائدي الذي بني عليه الحزب.
بالتخلي عن شعار الجمهورية الاسلامية، شكل حزب الله حالة تصالح مع البيئات اللبنانية السياسية والطائفية والمذهبية وأبعد عنها وهم الغائها مما أمن له بيئة حاضنة على المستوى الوطني. اتبع الحزب استراتيجية الابتعاد عن الصراع الداخلي، وتفرغ لقتال اسرائيل مما شكل حالة اجماع حوله وأمن الغطاء لقتاله اسرائيل حتى العام 2000، وسهل له الانتصار عليها.
لا شك ان القرار الدولي 1559 الصادر بتاريخ 02/09/2004 كان بداية مرحلة تشكل جديدة للساحة اللبنانية فانقسمت الساحة الى ساحتين.
الساحة الأولى كانت ترنو الى اعادة موضعة النظام في لبنان ضمن لقاء دولي واقليمي معتدل، تجلت بدايات معالمه برفض الهيمنة السورية عبر رفض التمديد للرئيس اميل لحود، وترجمت تلك القوى تطلعاتها الاستقلالية بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري بثورة الأرز التي ضعضعت النظام الأمني السوري اللبناني وأدت الى انسحاب سوريا من لبنان على وقع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال وتحويل العلاقات اللبنانية السورية الى ندية بين دولتان مستقلتان، نتيجة انتفاضة مدنية فريدة من نوعها غيرت مجرى الأمور لأول مرة بتاريخ لبنان فحولت الصراع المسيحي اللبناني السوري الى صراع وطني لبناني ضد الهيمنة السورية، جمع العديد من الطوائف الاسلامية والمسيحية تحت سقف سياسي واحد.
الساحة الثانية كانت ساحة التمسك بالنظام الأمني، وديمومة سيطرة ذلك النظام على مقدرات البلاد والعباد وتجلت بتحالف عريض ضم حلفاء سوريا بقيادة القوة العسكرية الوحيدة خارج مؤسسات الدولة حزب الله، وذلك لابقاء لبنان ضمن خط ما يسمى خط الممانعة وابقاء لبنان ساحة مواجهة مفتوحة للصراع مع أميركا واسرائيل لصالح سوريا وايران.
هذا الواقع أبعد حزب الله عن ساحته الأساسية (قتال اسرائيل) وأعاد توجيه سلاحه للداخل، وجعله بالوكالة عن سوريا غارقا باللعبة الداخلية، فدخل بمرحلة متقدمه لترجمة مشروع الهلال الشيعي عبر بوابة المقاومة في لبنان وخلق التباسا حول هوية المقاومة، خاصة وانها ذات غالبية وطابع مذهبيين، فخرج الحزب من الاطار الوطني الجامع وفقد الاجماع، ودخل بحالة صراع طابعها وطني عام تحت عنوان حماية سلاح المقاومة، وجوهرها طائفي الهدف منه ترجمة موازين القوى الجديدة لفرض تعديل على الصيغة اللبنانية، استنادا الى قوى اقليمية (ايران وسوريا) لتكون الصيغة في المرحلة الأولى مثالثة، وفي مرحلة متقدمة استلام الحكم عبر القوة العسكرية التي يملكها والخلل الديمغرافي الذي تعاني منه الطوائف اللبنانية الأخرى مما ينهي صيغة لبنان التعايش ويدخلنا بسياق الأنظمة الشمولية ويؤمن قاعدة جديده للهلال الشيعي على غرار العراق.
خلق التموضع الجديد لحزب الله حالة خوف لدى الطوائف اللبنانية الأخرى الغير مسلحة على وجودها ومستقبلها، فوضعها بحالة دفاعية عن مواقعها ووجودها، فوصلت الأمور الى حالة من التأزيم الطائفي، مما ينزر بتفجر حرب أهلية جديدة بدأت بوادرها بمواجهات تحت عناوين شتى، العلاقة مع سوريا، والاعتذار منها على خلفية شهادات الزور، المحكمة الدولية، سلاح المقاومة، صلاحيات رئيس الجمهورية، ثنائية، مثالثة الى ما هنالك من عناوين. جرت محاكاتان لتلك الحرب الأولى في 7 أيار، والثانية في برج أبي حيدر.
حزب الله أمام خياران لا ثالث لهما، اما دفع الأمور الى نحو حرب أهلية مجهولة النتائج، تقضي على ما تبقى من مقومات الدولة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام قوى اقليمية بما فيها اسرائيل للتدخل في لبنان مستفيدة من الانقسام الطائفي، وذلك تماما كما فعل في مرحلة نشأته الأولى عبر توجيه بندقية المقاومة الى رأس معارضي الالتحاق بجبهتهم الممانعة، فيخرجهم أو يلغيهم، أو مواجهة تحديات السلام الأهلي بخطاب مرن يوطد صلات الوصل مع القوى السياسية والطوائف والمذاهب المختلفة، والأهم من ذلك عليه أن يقتنع أن المرجعية التي ينبغي أن يؤول اليها كل خلاف واختلاف هي مؤسسات الدولة الدستورية، لنقل الصراع من الشارع الى المؤسسات دون نقل ذهنية المليشيا وفرض الأمور بقوة السلاح والعضلات. على حزب الله التحلي بالجرأة والاعتراف بضرورة فتح حوار جدي حول سلاحه، لجدولة التخلي عنه لصالح المؤسسة العسكرية الشرعية الجيش اللبناني الذي قدم نموذجان جيدان يؤسسان لدوره في الدفاع عن الوطن (نهر البارد والعديسة) خاصة وأن هذا الكلام كان في صلب الخطاب العلني لحزب الله العام 2000 فعلى أثر انسحاب العدو الاسرائيلي من الجنوب أعلن السيد حسن نصرالله حينها في خطابه " اننا في حزب الله لسنا بوارد أن نكون بديلا عن الدولة.... لسنا سلطة أمنية ولن نكون سلطة أمنية .... لسنا مرجعية أمنية ولن نكون مرجعية أمنية .... الدولة هي المسؤولة"، وقدم حينها كترجمة لهذا الكلام نموذجا راقيا بالتعامل مع عملاء العدو الاسرائيلي.
الانقسام الحاصل بين فئات المجتمع اللبناني عميق، ويضرب بالجذور نتيجة التصرفات والهيمنة المليشيوية والفئوية، التي من تجلياتها العراضة العسكرية لاستقبال اللواء جميل السيد في مطار بيروت، والتهجم الشخصي على رئيس الوزراء الشيخ سعد الحريري، وتشريع لغة الغاب عبر فتح الباب لأخذ الحق باليد، التمادي بهذا الخطاب المذهبي، الطائفي، المليشيوي، ومحاولات الانقلاب على مفهوم الدولة ووحدة الشعب، سيكرس الانقسام أكثر وأكثر. هناك ضرورة لنبذ العنف واحلال الحوار الهادىء العقلاني عوضا عن العنف الكلامي والاستعلاء، والعمل بالتعاون مع كافة مكونات الوطن على بناء وطن قوي قادر على حكم نفسه بلا وصاية. أما المحكمة الدولية فلا بد من التطلع اليها بايجابية مع جميع اللبنانيين لتوفير قواعد العدالة والحقيقة، الكفيلة بترسيخ الاستقرار عند اللبنانيين. تجاهل الحقيقة وتناسي دم الشهداء يؤسسان لأحقاد مستقبلية وفتيل لحرب جديدة، لقد تعب الشعب اللبناني من الحرب، ويتطلع الى انصاف شهدائه، ويتأمل بمستقبل مشرق، لا خيار أمام الجميع الا الحوار، ولا حرية الا بالعدالة، ولا عدالة الا بالشفافية، الوحدة الوطنية تحتاج الى الجرأة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس المطلوب من حزب الله فقط
خالد عبد القادر احمد ( 2010 / 9 / 24 - 22:59 )
اخي مسعود محمد
تحية بعد
من الواضح ان لمقالك موقفا سلبيا من حزب الله هذا امر يعود اليك امره غير ولست بوارد انتقاده غير انني انتقد بنية المقال ومنطوقه الذي يكاد يقول ان مصير لبنان بيد حزب الله منفردا كما انتقد سكوت مقالك عن حالة التقاسم الطائفي للسلطة والتي يبدو انك تسميها تعايش
حل المسالة العقائدية في الصراع الديموقراطي الداخلي اللبناني لا يجب ان يكن على حساب طائفة ومذهب بل يجب ان يكون بتضحيات من جميع الطوائف المذاهب لحساب بناء المؤسسة الوطنية فهذا هو الحد الادنى الذي لن تقبل باقل منه موضوعية الحل المطلوب وغير ذلك يكون في الحقيقة انحيازا طائفيا مذهبيا
احترامي

اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت