الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مديح العالية

السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)

2010 / 9 / 24
الادب والفن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مديح العالية للسمّاح عبد الله :
بين صفة الحضور بالاسم إالى الحضور بالصفة
د . محمد السيد إسماعيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تذكرني صفة " العالية " الواردة في عنوان ديوان " السمّاح عبد الله " " مديح العالية " بقول " ابن عربي " ( المكان الذي لا يصير مكانة لا يعول عليه )، لقد كان " ابن عربي " يختصر – من خلال هذه المقولة – رحلة المجاهدات الصعبة في الصعود من حيز " المكان " إلى رحابة " المكانة "، من المحدود إلى العام، من المتعين إلى ما يتصف بالانطلاقية .

ولا يبعد هذا المعنى كثيرا عن المعنى الذي توحي به رحلة " السمّاح عبد الله " في علاقته بالأنثى، هذه الرحلة التي بدأت بالمتعين، أو من الحاضر بـ " الاسم " في ديوانه الأول " خديجة بنت الضحى الوسيع "، وانتهت به إلى الحاضر بالصفة في ديوانه " مديح العالية " .

ولا يغيب معنى " الرحلة " بوصفها مجاهدة للوصول إلى هذه الصفة الجامعة عن أغلب قصائد الديوان، سواء أكانت ارتحالا داخل المكان أم داخل الزمان، يبدأ هذا المعنى – واضحا – مع تلك " الإهداءة " التي تتصدر الديوان :

إلى العالية ذات الأسفار التي لم يكذبها أحد
ولم تصدقني
وكل المواعيد دالة عليّ :
الخُطا والغبار والطريق .

ولا يلغي هذا المعنى أن تكون " الأسفار " – وهو المعنى القريب – له دالة على ما هو " معرفي "، أليست " المعرفة " ارتحالا مضنيا صوب اكتشاف المجهول ؟، إننا أمام " لبس " – ربما يكون مقصودا – بين المعنيين ، ففي حين يؤكد " عدم التكذيب " المعنى " المعرفي " لدالة " الأسفار " تظل دوال " الخُطا، الغبار، الطريق " الواردة في نهاية " الإهداءة " مؤكدة لمعنى " السفر " الحقيقي .

وتستدعي " الأنثى " – بطبيعة الحال – قيمة – الحال – بوصفه الفضاء الذي تتحرك داخله تجارب الديوان جميعا، أو بوصفه الحالة التي يبدأ الشاعر منها لكي يصل إليها مرة أخرى في دورة لا تنتهي، هكذا يبدأ الشاعر ديوانه بـ " بدء القول " مقتبسا بيتين لـ العباس بن الأحنف، وينهي الديوان بـ " خاتمة القول " مقبسا مقطعا لـ أحمد عبد المعطي حجازي، يؤكد ظمأ المدينة كلها إلى " الحب " بعد أن أصبح " الحُسن " مهجورا، وملقى في الطريق العام، يستبيحه الشرطي والزاني .

يبدو " الحب " إذن من خلال هذا " التضمين " ومن خلال تجارب الديوان ذاتها وكأنه قيمة مطاردة من قبل الآخرين، الأمر الذي يجعله لصيق " الذات " المبدعة أو الراغبة في التحقق على نحو ما يبدو في قصيدة " ضريح " في تصويرها لـ ( امرأة الفرح العصبي ) التي :

انزوت مرة في زوايا المقاهي
، لكي تستحم من السلطة العائلة
، جربت الشارع المتوتر
، والفندق الأعجمي
، ورتبت البحر
، كي يتسنى لها أن تعد أصابعها
، شبهت شعرها بالينابيع
، وانتظرت عاشقا صاديا
، شبهته بطفل
، يحاول أن يتسلق حتى حدود الينابيع .
( ص 17 – 18 )

إن فعل " التمرد " هو – في الأساس – فعل الانحياز إلى " الذات " واكتشافها، إنه الفعل الذي جعل من هذه " المرأة " في النهاية – وبعد أن مارسته – قادرة على " عد أصابعها "، بعد أن " انزوت " – في سبيل اكتشاف ذاتها – في " زوايا المقاهي " بعيدا عن سلطة العائلة التلقينية، وبعد أن عاشت " خطر " الشارع الذي يتسم بالتوتر، وجربت " الفندق الأعجمي " بوصفه مكانا مقالا مقابلا لبيت " العائلة "، فيما يقترب من الانفتاح على ما يشبه المعرفة " المحرمة "، ولنلاحظ - معا – ذلك التدرج اللافت في الأفعال الواردة في هذا المقطع، والتي تبدأ بـ " الانزواء " الذي يماثل فعل استبطان " الذات " واكتشافها، مرورا بمحاولات " التخلص " من آثار السلطة " العائلية "، وانتهاء بـ " الدخول في التجربة " مما يعني أن فعل " التمرد " – في حقيقته – ليس مجرد فعل من أفعال " الخروج " بقدر ما هو فعل " خلق " يحقق " الذات " في مقابل ما يستلب خصوصيتها، ويؤطر اختياراتها الفاعلة .

وفي هذا السياق يصبح " الحب " إحدى القوى الفاعلة التي تعيد إلى " الذات " توازنها المفتقد، ففي قصيدة ( صورة لحامل الهوى ) وهو عنوان لا يخلو من الدلالة على اصطناع " تناص " بعيد مع قول " أبي نواس " :

حامل الهوى تعب بستخفه الطرب
إن بكى يحق له ليس ما به لعب .

في هذه القصيدة ( صورة لحامل الهوى ) يبدو تهالك " الذات " واضحا من خلال مجموعة من الدوال التي تتكرر على مسافات متساوية ( دائخ، شائخ، مقتولة خطوتي ) ومن خلال تداخل التصوير " الاستعاري " و " التشبيه التمثيلي " في :

وتشيرُ له في اتجاهِ عذابٍ يبعثرُ أيامَه
، بامتدادِ الفدادينِ
، مثل وريقةِ شجْرٍ
، تَخَطَّفُها هبّةُ الريحِ
أو خرَّمتها المناقيرُ
ما له شائخُ
قبل ميعاده وهو لمَّا يزلْ يتعلّمُ خطوَ العشيقِينَ
، في دَرَجٍ صاعدٍ كعمودٍ من النار
،ِ لا يتحرّقُ أو يتيبّسُ
، لكنه صاعدُ .
( ص 74 – 75 )

ولا تجد هذه " الذات " التي تتخطفها هبة الريح وتخترمها مناقير الطير في استدعاء ضمني لما حلم به رفيق " يوسف " عليه السلام في السجن حين رأى الطير تأكل من رأسه، لا تجد هذه " الذات " - سبيلا للخلاص – سوى الانحياز إلى فاعلية " الحب " الذي يبدو مثل " دَرَجٍ صاعدٍ كعمودٍ من النار لا يتحرّقُ أو يتيبّسُ لكنه صاعدُ "، حيث ترتبط آلية " الصعود " بآلية " الرحلة " التي أشرنا إليها في بداية المقالة، بوصفها انتقالا من حال " العجز " الذي تقدمه الصورة السابقة إلى حال " التحقق " من خلال مطهر " النار " دائمة الاشتعال أو التوهج أو التي " لا تتحرق أو تتيبس " بتعبيرات الشاعر، والحق أن دالة " الصعود " هذه بما تحمله من معاني " الارتقاء " ومحاولات تجاوز قدرات " الذات "، تعد إحدى الدوال شديدة الشيوع داخل الديوان وهي – غالبا – ما تتلازم مع أفعال المجاهدة العنيفة، فإذا كانت الخطوة قد وصفت في الصورة السابقة بأنها " مقتولة " فإن فعل " الصعود " نفسه سرعان ما يتراجع في قصيدة ( في اتجاه كل هذا الموت ) :

هيا فاصعدي بي
، هذه المرأةُ مُذْ صَعَّدها الرجلُ الذي في هيأةِ الأحياءِ والموتى
، ومُذْ لمّتْ طباشيرَ التلاميذِ من الفصلِ
، وضمّته إلى فستانها الأزرقِ
، والأعمى الذي يبصرُ
، يأتي كلّ يومٍ دَرَجَ الشمسِ
، فلا يقدرُ أن يصعدَ إلا قدرَ ما يبصره باللمسِ
، أو يحياهُ بالذكرى
، فيهبط مرّةً أخرى ويلتقطُ الحصى
، ويصوّبُ الأجرامَ في زرقتها
، حتى تدوخَ الأرضُ أو تُفْتَتَنَ الأمطارْ
أيها الأعمى إذا عدتَ إلى الدارِ
، فبَطِّيءْ خطوكَ العاري قليلا
، إن هذا المطر النازل قد جاءكَ حتى بلّلكْ
أيها الأعمى
، نهارٌ مثل هذا ليس لَكْ .
( ص 91 – 92 )

يلفتنا هذا المقطع إلى عدد لافت من خصائص المعنى الذي نذهب إليه، ومن أولى هذه الخصائص تلك الحالة البرزخية التي بدا عليها الشاعر حيث كان في " هيأة الأحياء والموتى " وهي حالة تؤهل لـ " الصعود " و " الهبوط " معا حيث تظل احتمالات غلبة أحد طرفي الحالة واردا ( الحياة / الموت )، تبدو إذن هذه الجملة " المحورية " أشبه ما تكون بـ " الأيقونة " التي تشير إلى المعنى الكلي الذي يطرحه بناء المقطع، حيث يبدأ مصورا لتدافع أفعال الحركة و " الصعود " التي تنتهي – في نهاية المقطع – بفعل الهبوط الذي يناقضها .

وما بين هذه البداية ونقيضها نكتشف مجموعة أخرى من الدلالات المتداخلة، فدالة " الأعمى " - على سبيل المثال – خاصة بعد إسناد فعل الإبصار إليه " والأعمى الذي يبصر " تظل مرشحة لطرح أحد احتمالين كبيرين، الأول هو الانفتاح على عوالم تلك المعرفة " الروحية " " الحدسية "، " البصرية " والثاني هو الانفتاح أو ممارسة طرائق المعرفة " الحسية " معرفة " المعاينة " و " المباشرة "؟ وهو الخيار الذي يؤكده الشاعر حيث تظل مسافة " الصعود " مساوية تماما لـ " ما يبصره " ذلك الأعمى بـ " اللمس " .

ولا يبعد معجم الديوان عموما عن تصوير ما يشبه هذه الحالة " البرزخية " التي تؤكد حضور " النقائض " جميعها، حيث يتوزع هذا " المعجم " بين ما يؤكد معاني " الحياة " ( الينابيع / الطيور / الشجر / الخضرة / العطر / الفرح القزحي ) وما يؤكد نقيضها ( الظمأ / الموت / الرمال / البيد الجثة / الأفول / الغبار ) .

إن هذا الانشطار غير الحاد في الحقيقة يدفعنا إلى إزاحة معنى " الرحلة " التي أشرت إليها قليلا بحيث يمكن تأويلها بأنها محاولة " ارتحال " من العالم الثاني إلى العالم الأول، أو من " الحاضر " إلى " الماضي " أو إلى " ما يحياه بالذكرى " بتعبيرات الشاعر المتكررة بصياغات عديدة .

" الرحلة إذن ليست انتقالا في " المكان " بقدر ما هي انتقال في " الزمان " بما يعني الانتقال من حال إلى أخرى، وبهذه الدلالة الأخيرة يصبح انتظار " البليلة " – على سبيل المثال – فعلًا على الرغم من كونه وقوفا في المكان، كما في قصيدة " سيرة البليلة " :

ألشجرُ الواقفُ فوق الشطّ مرّ مخضرَّا
، إلى طريقه
، وامرأتان مرّتا بجانبي تقزقزانِ اللبّ
وكل بلدةٍ قد بعثتْ سفينةً لبلدةٍ أخرى
والليلُ والنهارُ قُدّامي تعاقبا عشرين مرّة
والطيرُ والعشاق والبيوت
وأنا وحيدٌ واقفٌ
، أقول :
بعد برهةٍ ستطلع البليلة
من مياه البحر .
( ص 40 – 41 )

ولا ينصرف " الانتظار " إلى تلك " البليلة " الطالعة من مياه البحر الذي قد يكون معادلا موضوعيا لـ " الحياة " ذاته، بل إنه ينصرف - بدرجة أعلى – إلى حالة حضور " الذات " وتوقدها مرة أخرى، يقول السمّاح عبد الله في قصيدة " شجر الحواف " :

جاءتك على مجاري الماءِ
، عيناها حديقتا قرنفلٍ
ونهداها كجرسين غير صامتين يوقظان حفنة الطيور
، في حديقةٍ وريفةٍ وفي حديقةٍ خربانةٍ
سُرّتُها كأسٌ من الخمرِ
، وساقاها عمودان من المرمرِ
، جاءتك على مجاري الماء
، نقّرتْ في قطعة الوقتِ وفسحة المكان
استرقتْ من أغنياتك الجميلة
صوتَ أسلافك في حروبهم
وقصص الجدّاتِ في الأماسي
وطباشير التلاميذ
وعبّأت جيوبها بقصصٍ ذبيحة الخواتيمِ
، وسافرت
ولم تترك سوى حَسَكٍ وطيرٍ أسودٍ
، ها أنت ذا تخطو
، كأن رجلا سواك غير خائب القلبِ يمرّ
مصوّبًا عينيك في اتجاه شجر الحواف
وتمني قلبك الشفيفَ أن يظل في انتظاره
، عاما فعاما .
( ص 120 – 122 )

يقوم الديوان كذلك – وكأنه مستوى آخر من مستويات الارتحال إلى الماضي – على استحضار صورة " الشاعر النبي " من خلال الإشارة إلى بعض العلامات الدالة ( كأن نفرا من الصحاب والعدو يحوطون خطوك العاري الخفيف )، الذي يستدعي بوضوح صورة " المسيح "، أو قوله في قصيدة " يمشي فتتبعه البرايا " :

يمشي
، فتتبعه البرايا
، تتمنّى وده
كرسولٍ
، قال أخبارًا
، ستأتي بعده .
( ص 105 )

التي تستدعي إحدى معجزات الرسول ( الإخبار بالمستقبل )، أو قوله قصيدة " أول أكتوبر " في مستدعيا قصة " يوسف " بما يناقضها :

مع سبق الإصرارِ ستترصَّدُ وجها
، يشبه من غلَّقتِ الأبوابَ
، وقالت :
، هُيِّئتُ الليلةَ لروائحكَ المُرَّةِ
، واسْتَبْعَدَتِ الحرسَ الساري حول البيت
، سوف تحوم كثيرا
، حول الصيدةِ
، وتجرّبُ بعضا من قدرات الصيّادِ الماهرِ
( ص 31 - 32 )

ولا يبعد الدعاء الوارد في قصيدة " سيرة البليلة "، عن دعاء " إبراهيم " الشهير :

أنظر لله وأدعوه :
يا ربيَ الجميلَ هذي المانحة
وحيدةٌ في كل هذا البحر
أرسلْ طيورَكَ التي تعشق هذه المياه المالحة
لكي تضربَ فوق شعرها بالأجنحة
وتظل تنقلُ الأعشابَ من طريقها
وتغني طيلةَ البحر
، لكي تؤنسَ رحلةَ البليلة .
( ص 38 – 39 )

حيث تقول الصورة على استبدال " البحر " بـ " الصحراء "، وأفئدة الطير العاشقة بأفئدة الناس في الدعاء القديم .

وكأن الشاعر يسعى – من خلال هذه التقنيات وغيرها – إلى تغليب علامات حضوره، الذي يقاوم عوامل السلب جميعها والتي يستوي فيها ملوحة " البحر " ورمال " الصحراء " الكثيرة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د . محمد السيد إسماعيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة