الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية بين النقاش والتطبيق

حسين علي الحمداني

2010 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


حين تسأل في عالمنا العربي عن معنى العلمانية يأتيك الجواب سريعا إنها تعني فصل الدين عن الدولة، وحين تسأل كيف نفصل الدين عن الدولة؟ لا تجد الجواب المقنع والشافي وبالتالي نظل ندور في حلقة مفرغة من الأسئلة وأنصاف الأجوبة التي تتفرع منها أسئلة أكثر وأكثر .ولكن هنالك سؤال لم يطرحه أحد من قبل يتمثل بـ”من يسعى للسيطرة على الآخر الدين على الدولة أم الدولة على الدين”؟
منذ بداية نشوء الدولة الإسلامية وفي عهد الرسول الكريم محمد (ص) كانت القيادة واضحة جدا وهي مركزية بيد الرسول (ص) سواء السلطة الدينية أو السياسية وهو أمر طبيعي لا يمكن الجدال فيه، ولكن هل الدولة بعد وفاة الرسول محمد (ص) كانت دينية؟ الحقائق التاريخية تؤكد عكس هذا تماما فالدولة كانت مدنية و قائمة على مرتكزات حضارية وأسس أقرب ما تكون لمبادئ العصر الحديث من حيث المواطنة والتعايش مع الأديان الأخرى وعدم الإكراه في الدين والعقيدة الفكرية، وهذا يؤكد حقيقة مهمة بأن الدولة الإسلامية في عصرها الأول لم تكن دولة قومية تختص بقوم دون غيرهم لأن القرآن الكريم لم يكن موجها لقريش والعرب بل هو رسالة للعالمين.
إلا إن هذه الدولة في العصر الأموي أخذت الطابع القومي بشكله المعروف حاليا واتجهت لتأسيس نمط جديد من الحكم هو الوراثة الذي سارت عليه الدولة الإسلامية في عصريها الأموي والعباسي رغم إن العصر العباسي لم يكن قوميا بمعناه المتداول بقدر ما كان أممي من حيث الوزراء والقادة والولاة عكس الدولة الأموية التي لم تسمح لغير العرب المقربين من تولي المناصب على سعتها.
ولكن في كلا العصرين كانت الدولة هي من تصادر الدين وتسعى لجعله مؤسسة من مؤسسات الدولة بدليل الاستغناء عن مبدأ الشورى واستبداله بالوراثة من جهة ومن جهة ثانية محاولة إنشاء مدارس دينية مهتمها الأساسية خلق صراع فكري داخل الدين الواحد.
وهذا النهج استمرت عليه حتى الدولة العثمانية التي يعتبرها البعض استمرارا للخلافة والكثير من المفكرين بما فيهم القوميين لا يعتبرون حكم الدولة العثمانية للولايات العربية احتلالا بالرغم من وجود فواصل تاريخية كثيرة بين سقوط الدولة العباسية وقيام دولة بني عثمان.
بعد انهيار الدولة العثمانية ودخول المستعمرين الجدد للبلاد العربية وما تبع ذلك من بعثات علمية مهدت الطريق لتلاقح الأفكار العربية مع الأوربية برزت ظاهرة المفكرين العرب والمسلمين الذين بدؤا ينادون بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، متأثرين بالغرب حيث كانت الكنيسة تمثل لاعبا رئيسا في السياسات العامة والخارجية وحتى الحروب ومنها الحروب الصليبية التي جرت بدعم الكنيسة ومباركتها.
هذا التأثر لم يكن في محله إطلاقا ولا يمكن المقارنة بين دور الكنيسة في أوربا التي كانت تلتهم الدولة وتتحكم بها وتسيرها وفق إرادتها، وهذا النهج حفز ألأوربيين على الثورة على الكنيسة وتحجيم دورها في إطاره الاجتماعي الديني البحت بعيدا عن السياسة وشؤون الدولة.
أما دور رجال الدين في عالمنا العربي والإسلامي يختلف تماما عن دور الكنيسة حيث يتمثل دورهم آنذاك في شرح العقائد والعبادات وتنظيم الحياة الاجتماعية وفض بعض النزاعات وهم بالتالي لا يتعدى تأثيرهم مناطق تواجدهم المحلية بحكم صعوبة الاتصال والتوجيه والتأثير على مناطق أبعد من مدياتهم.
ومن هنا نجد بأن الكنيسة في أوربا كانت تمسك بالدولة فيما الدين الإسلامي كان يوجه المجتمع ويهذبه وهو دور اجتماعي وفلسفة ظلت قائمة لدى الكثير من الأحزاب الدينية التي مارست دورها الاجتماعي أكثر من دورها السياسي.
لذا علينا أن نجيب على السؤال من يصادر حق من؟ هل الدين التهم الدولة أم الدولة مأسسة الدين؟
في واقعنا العربي نجد إن الدولة أممت المؤسسة الدينية وجعلتها جزء من الدولة وواجهة من واجهاتها التي تحاول من خلالها السيطرة على الحراك الشعبي عبر مجموعة من الفتاوي التي تصدر لتلبية متطلبات الدولة أو الحكومة أو الحزب الحاكم وهذه الفتاوي تخضع لحسابات السياسة أكثر من خضوعها لحسابات الفقه ، وهذا تاريخيا تجلى في مواقف عديدة في العقود الماضية أبرزها فتوى الأزهر للرئيس المصري السابق السادات حين زار القدس عام 1978. وغيرها من الشواهد الكثيرة في عالمنا العربي.
لهذا حين تطرح فكرة العلمانية او علمانية الدولة في العالم العربي فإنها تطرح لمجرد النقاش وليس التطبيق لأن تطبيقها يحتاج لمقومات عديدة في مقدمتها وجود أحزاب علمانية قادرة على خوض الانتخابات في بلدانها من جهة ووجود قبول شعبي لهذه الأحزاب يمنحها فرصة التغيير والتجديد، لهذا نجد إن العالم العربي لا فرصة فيه للعلمانية بل يظل محكوما بما هو سائد الآن.
والعراق بلد مهيأ فكريا ودستوريا وشعبيا لأن تأخذ الأحزاب العلمانية دورها في السنوات القادمة خاصة وهنالك عملية تلاقح ايجابية بين قوى سياسية أقرب للعلمانية والحداثة مع قوى إسلامية معتدلة هي الأخرى تؤمن بالحداثة وتحديث المجتمع والنظام السياسي بما يؤمن بروز تيارات وقوى سياسية ستحظى بتأييد شعبي كبير في المستقبل المنظور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله