الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقابات المغربية ووهم إصلاح أنظمة التقاعد.

كريم اعا

2010 / 9 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في الوقت الذي استطاعت فيه النقابات الفرنسية تعبئة الشارع والخروج في مظاهرات مليونية يوم الخميس 23 شتنبر 2010، للاحتجاج حول قانون إصلاح أنظمة التقاعد، تأبى النقابات بالمغرب إلا أن تنهج سياسة الهروب إلى الأمام والاستمرار في أساليبها الديماغوجية، بعيدا عن التقاليد النضالية التي راكمتها الطبقة العاملة بالبلاد.
فعقب اجتماع المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، أحد الصناديق الأربع التي يتألف منها قطاع التقاعد بالمغرب، وهو الصندوق المكون من نظامين، أحدهما للمعاشات المدنية وآخر للمعاشات العسكرية، طلعت علينا المركزيات النقابية: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد العام للشغالين، الاتحاد الوطني للشغل، المنخرطة في ما يسمى "اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب" ببيان "النقابات تنتفض ضد قرارات الصندوق المغربي للتقاعد". ولعل أول ما يستوقف المرء هو الاختلاف الكبير بين الرد الفرنسي ونظيره المغربي الغارق في الفوقية والبعيد عن العمل القاعدي الواسع الذي يمكن لوحده أن يوفر شروط مجابهة هذا الهجوم الطبقي الجديد.
الانتفاضة الورقية التي قامت بها النقابات انتهت بإصدارها البيان اليتيم ، والموجه إلى السلطات الحاكمة، في حين قواعد النقابات من منخرطين ومأجورين ظلت بعيدة عن هذا الموضوع، باستثناء مريدي البيروقراطية وبعض المناضلين الفعليين المحاصرين من البيروقراطية النقابية وحلفائها.
البيان الشهير أعلاه يجعلنا نثير مجموعة من الأسئلة التي ستبين ولاشك، الموقف الرجعي للنقابات الصفراء والبيروقراطية من حقوق اجتماعية، بدل أن تتعمق وتمضي قدما إلى الأمام يتم التراجع عنها وضرب ما تمثله من رموز للعيش الكريم بعيدا عن الاستغلال والقهر الرأسماليين.
نبدأ من حيث انتهى أصحاب البيان والذين يؤكدون على أن "إصلاح أنظمة التقاعد ليس مسألة اتخاذ قرارات تقنية مالية بحثة بل هو إصلاح اجتماعي عميق يرتبط بحقول وقضايا حيوية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا". وفي نفس الوقت نجدهم أعضاء في "اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب". فما دام التقاعد بالمغرب يندرج ضمن قضايا اجتماعية أخرى تجد مدخلها الأساسي في مقاربة سياسية تختلف باختلاف الموقع الاجتماعي لأصحابها، فهل المغرب بحاجة للجنة تقنية فقط أم هذا تعبير عن عجز بعض النقابات، وموالاة أخرى لتعبيراتها السياسية؟ وما السياسي المشترك الذي يمكن أن يوحد مناضلي الاتحاد المغربي للشغل مثلا، مع نقابات لا تخفي طابعها المدافع بحمية عن الرأسمال وأصحابه، وتعتبر العمل المأجور شيئا طبيعيا ومتأصلا في البشر؟
يتحدث البيان عن "إعلان المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد المنعقد بتاريخ 31 ماي 2010 عن جملة من الإجراءات التقنية، دفعة واحدة، بدعوى الحفاظ على التوازن المالي للصندوق، والمزمع أنه مهدد بالاختلال ابتداء من سنة 2011". وهي الإجراءات التقنية التي لم يشر إليها البيان لا من قريب ولا من بعيد، مما يعزز فرضية البيان الموجه إلى أصحاب القرار وليس إلى عموم المأجورين.
ولعل الإشكال عند أصحاب البيان لا يكمن في طبيعة الإجراءات المتخذة بل في طريقة اتخاذها والإعلان عنها (الإعلان عن الإجراءات دفعة واحدة ومن طرف واحد). والأحرى لو انتظر المسؤولون عن الصندوق المغربي للتقاعد، العمليين والواضحين في مراميهم، حتى تستكمل النقابات استعداداتها خوفا من سقوط آخر أوراق التوت التي تخفي بها عجزها وتحولها لأدوات في يد السلطة القائمة لتمرير مخططاتها المجافية لحقوق الطبقة العاملة وعموم المأجورين.
النقابات المغربية أتخمت عقولنا بالحديث عن عجز الصندوق، في حين المطلوب توضيح الطابع الاستغلالي لأنظمة التقاعد القائمة التي تحمل المأجورين لوحدهم تبعات النهب الذي تتعرض له صناديق المعاشات، والتمييز الذي تتعامل به الدولة مع مطالب الفئات الواسعة من المواطنين المنتجين، مقابل السخاء الذي تقابل به متطلبات المتنفذين وأصحاب المال.ولا عجب في ذلك، لأن الدولة جهاز طبقي لخدمة الحاكمين وخدامهم.
إن ترويج الأكاذيب حول أزمة أنظمة التقاعد، بالشكل الذي يسوقها الإعلام الرسمي، تشويه لحقيقة المشكل ومداراة للأسئلة الحقيقية التي تجد جذورها في نظام اجتماعي يكرس الفوارق الطبقية ويقوم على عصر قوة العمل إلى أقصى الحدود، استجابة لحفنة من الشرهين والمضاربين.
"خبر يفتقد لأي حس بالمسؤولية ويضرب عرض الحائط كل تقاليد وأخلاقيات الحوار الثلاثي الأطراف كما تقرها مواثيق منظمة العمل الدولية". فبينما اتخذت قرارات مصيرية، في مقدمتها الرفع من سن التقاعد، نجد أصحابنا يتحدثون بنبرة أخلاقية معاتبة تنم عن عجز عن الرد أو موالاة مداراة. فجلسات ما يسمى بالحوار الاجتماعي للسنة الماضية أبانت عن معطى رئيسي يتمثل في تجاوز الحكومة المغلوبة على أمرها لأخلاقيات الحوار التي لاتزال النقابات تتوهمها وتحاول إقناعنا بها. أين نحن من مفهوم ميزان القوى؟ ومن هجوم الرأسمال على حقوق العمال؟ من دعم أجهزة الدولة للأبناك مقابل التخلي عن دعم وتقوية الميدان الاجتماعي؟
يعتبر البيان الإجراءات المقترحة "تشويشا مقصودا على أشغال اللجنة لا يقيم وزنا لتداعياته على الساحة الاجتماعية". ألم يكن الأجدى التوجه إلى هذه الأخيرة ما دامت هي الميدان الذي سيشهد البؤس والحرمان وتزايد أعداد المحرومين والمهمشين؟ أم أن المعركة تتجاوز أصحاب البيان، وليس في مقدورهم مجاراة القواعد الطامحة لنضال كفاحي حتى إقرار حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كاملة؟ وما هي التداعيات الاجتماعية التي تهابها جميع الأنظمة الاستغلالية؟ لا عليكم، فللنظام قوى قمع تحميه كلما انفضحت ديماغوجيتكم ودوركم المحبط لجذوة النضال الفعلي في صفوف المأجورين.
"نعلن أن الإجراءات الصادرة عن المجلس لا تلزمنا في شيء وهي مرفوضة شكلا ومضمونا". وكأننا إزاء نقابات تستطيع أن تفرض مواقفها. نقابة محسوبة على وزير أول في حكومة قائمة، وهو بمثابة رئيس للمجلس الإداري صاحب هذه القرارات، وأخرى في خندق حزب حكومي ساهم في تمرير مخططات تراجعية سابقة، وثالثة لا يربطها بالنضال العمالي وألف بائه إلا الميكيافلية وضرورات السعي إلى السلطة.
ويختتم البيان بدعوة "الحكومة إلى الخروج عن صمتها". فالصمت قد يكون علامة الرضا أو الانصياع. ونتساءل متى كانت للحكومة مواقف مستقلة؟ وهل يعقل أن يتخذ مجلس إداري قرارات مصيرية دون الرجوع إلى رئيسه؟
في الختام وجب التذكير بأن مسؤولية المناضلين الفعليين داخل النقابات التقدمية بالمغرب، تفرض عليهم فضح الخط البيروقراطي المهادن والسعي لتعبئة المأجورين والأعداد المتزايدة من المتقاعدين لمواجهة هذا الهجوم الجديد الذي لا يستهدف الأجيال الحالية فقط بل سيرهن مستقبل القادم من شبابنا، للانخراط في مسلسل نضالي طويل يروم الرفع من الأجور وبالتالي من قيمة المعاشات.
الوضع التنظيمي الحالي للنقابات، والتراجع الكبير الذي يعيشه النضالي الجماهيري، إضافة إلى شراسة الهجوم الذي يشنه الرأسمال ودوائره العالمية على مكتسبات المأجورين، عوامل ضمن أخرى تزيد من الأعباء التي تنتظر أنصار حياة إنسانية ترفض الاستغلال والنهب، وتزايد الفقر والبؤس، مقابل النمو المطرد للثروات التي تنتجها الإنسانية جمعاء. فإذا لم يكن بالإمكان إنجاح المجابهة والمواجهة، فلنستنكف على الأقل على نشر الأوهام والتصورات المحبطة للهمم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي