الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنقسام الاجتماعي أمام الاحتلال

محمد سيد رصاص

2010 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بعد يومين من سقوط باريس بأيدي الألمان،في يوم14حزيران1940،اجتمعت الحكومة الفرنسية في مدينة بوردو:قدم رئيس الوزراء بول رينو اقتراحين يتضمنان مواصلة الحرب ضد هتلر،أولهما نقل الحكومة الفرنسية إلى شمال افريقية لإدارة المقاومة الفرنسية في الداخل من هناك ولتسيير المستعمرات الفرنسية في مناطق ماوراء البحار بالإعتماد على رصيد الذهب الفرنسي الموجود في البنوك الأميركية،أواعلان الإتحاد الفرنسي- البريطاني. رفضت غالبية الوزراء الفرنسيين مناقشة الإقتراحين،مفضلةً خيار الإستسلام العسكري أمام الألمان،وهو مادفع رينو للإستقالة ،ولتؤلف حكومة جديدة في اليوم التالي برئاسة الماريشال بيتان،عقدت اتفاقية الإستسلام يوم21حزيران،التي وافق هتلر من خلالها على وجود "حكومة فرنسية"في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي من فرنسة برئاسة بيتان.لم تكن الأسماء التي وقفت مع حكومة فيشي بأقل من أسماء الماريشال ويغان والأميرال دارلان ورئيس الوزراء الفرنسي السابق بيارلافال ،كماأن أغلب إدارات المستعمرات الفرنسية(ماعدا الكونغو الفرنسي في برازافيل) قد وقفت مع الماريشال بيتان،وكان الكثير من الفرنسيين آنذاك لايؤمنون بعبارة تشرشل المذكورة في مذكراته بأن الجنرال ديغول قد "حمل معه في تلك الطائرة الصغيرة شرف فرنسا"لماتسلل خلسة في صباح يوم17حزيران1940إلى طائرة الجنرال سبيرز بمطار بوردو متوجهاً إلى لندن.
لم ينجح بيتان في الحفاظ على قوته،وإنما تداعت سلطته أولاً في ماوراء البحار لصالح الديغوليين،ثم في الداخل لماتصاعدت المقاومة الفرنسية للألمان وضد "المتعاونين" في عامي1942و1943بالتوازي مع انتصارات الحلفاء في العلمين وستالينغراد وايطاليا.وقد كان أكبر تعبير عن انتهاء دورالماريشال لمااقتادته القوات الألمانية في يوم20آب1944،قبيل أيام من استسلام جنود هتلر في باريس،إلى ماوراء نهر الراين.
استعيد شبح بيتان مع عودة الاحتلالات إلى مسار العلاقات الدولية منذ احتلال أفغانستان من قبل الأميركان في عام2001:استُبِق وقوبل سقوط كابول في13تشرين الثاني2001بإنقسام اجتماعي أفغاني عميق تجاه المحتل الأميركي،كانت فيه قوى(تحالف الشمال)،المؤلفة من أحزاب تمثل قوميات الطاجيك والأوزبك وطائفة الهازارا الشيعة،رديفاً عسكرياً رئيسياً للغازي الأميركي ضد حركة الطالبان المستندة إلى الأكثرية القومية الباشتونية.تكرر هذا الإنقسام الأفغاني عند العراقيين في غزو واحتلال الأميركان عام2003لبلاد الرافدين لماوقفت واصطفَت قوى عراقية رئيسية تحت عباءة الحاكم الأميركي بول بريمر عندما دخلت"مجلس الحكم"الذي شكَله بعد ثلاثة أشهر من سقوط بغداد،وهو ماظهر مشهد أشدُ من المثالين المذكورين لماكان الغزو والاحتلال الإثيوبي للصومال في الشهر الأخير من عام2006بناء على دعوة "الحكومة الإنتقالية"والبرلمان الصوماليين المقيمان في مدينة بيداوا ضد سلطة(المحاكم الاسلامية)المسيطرة على مقديشو وقسم كبير من الأراضي الصومالية منذ حزيران2006.
في الأمثلة الثلاث المذكورة، لم تلجأ القوى المحتلة إلى الحكم المباشر،وإنما وجدت أفضل لمصالحها،استناداً إلى وقائع انقسام مجتمعات البلدان المذكورة أمام الغازي ثم المحتل،أن تقيم سلطات وحكومات محلية في ظل الاحتلال من القوى التي ساندت مسبقاً الغزو ثم أثنائه("تحالف الشمال"الأفغاني- الحزبان الكرديان العراقيان و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق"بزعامة آل الحكيم- الحكومة الإنتقالية الصومالية) ثم قوى قبلت بعد حصول الاحتلال بالتعامل معه كأمر واقع يتم التعاطي مع معطياته(حزب الدعوة في العراق- التنظيم الإخواني العراقي أي"الحزب الاسلامي"- الحزب الشيوعي العراقي): لم تنجح التجربة الأفغانية لحكومة حميد كرزاي خلال ثماني سنوات بسبب عدم القدرة على تأمين غطاء باشتوني لتلك الحكومة وبسبب انقسام قوى"تحالف الشمال"،وهو ماحصل عكسه في بلاد الرافدين لمااستطاع الرباعي(حزب الدعوة- آل الحكيم- الحزبان الكرديان)تأمين ظهير عراقي قوي للإحتلال ،وهو ماتعزز،منذ عام2007،مع اتجاه الجسم الاجتماعي السني العربي العراقي للمشاركة القوية في"العملية السياسية"،كماظهر هذا بقوة عبر انتخابات2009لمجالس المحافظات وانتخابات برلمان2010. في الصومال،لم تستطع الحكومة والبرلمان الصوماليان تأمين سلطة محلية ذات وزن حتى في ظل القوات الإثيوبية و(قوات حفظ السلام الافريقية)التي استصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بشأنها في يوم20شباط2007.لهذا تمَ الإتجاه،عند القوى الدولية والاقليمية ذات الشأن ، ل"سلطة جديدة"أتت نتيجة اتفاق جيبوتي في يوم9حزيران2008بين الحكومة الإنتقالية الصومالية و(جناح جيبوتي)بزعامة الرئيس التنفيذي للمحاكم الاسلامية شيخ شريف أحمد، بعد انشقاقه عن(جناح أسمرا) بقيادة رئيس مجلس شورى(المحاكم)الشيخ حسن طاهر عويس ، ليتولى شريف أحمد هذه"السلطة"منذ31كانون ثاني2009 مع انسحاب القوات الإثيوبية وتحوًل(قوات حفظ السلام الافريقية)إلى وضعية قوات(إيساف)في أفغانستان. أيضاً بدوره، لم يستطع شريف أحمد،حتى مع دعم جناحه من (المحاكم)و(تحالف إعادة تحرير الصومال)وتنظيم(أهل السُنة والجماعة)،أن تتجاوز سلطته بضعة أحياء قليلة من مقديشو قريبة من القصر الرئاسي،وبانت هذه السلطة مستمدة الحماية والبقاء من القوات الافريقية ضد"حركة الشباب المجاهدين"و"الحزب الاسلامي"،وخاصة في ظل صراع شريف أحمد ضد تحالف رئيس الوزراء و رئيس البرلمان.
يلاحظ،الآن،اتجاه أميركي قوي لإحداث انشقاق في (طالبان أفغانستان)،التي قادت مقاومة قوية للأميركان و(إيساف)،بين"معتدلين"و"متشددين"،على طراز ماحصل في(المحاكم الاسلامية الصومالية)بعام2008،لـتأمين رديف أوسلطة بديلة،تكون ذات قاعدة باشتونية،عن كرزاي،رغم تأكيد عامي2009و2010 على فشل تجربة شيخ شريف أحمد ووصولها للحائط المسدود،وهنا ربما كانت التجربة العراقية هي الملهم الأكبر للأميركان في هذا الإتجاه،لماكان اتجاه قوى سياسية واجتماعية ،في الجسم الاجتماعي الحاضن للمقاومة العراقية بين عامي 2003و2006،نحو"العملية السياسية العراقية" مؤدياً إلى تجفيف ينابيع المقاومة العراقية خلال فترة 2007-2010.
في المحصلة،يمكن القول إن نموذج"السلطة المحلية" في تجارب الاحتلالات يستند إلى واقعة وجود انقسام في بنية المجتمع المحتل يتيح للإحتلال الاستناد إلى ظهير داخلي ،وعلى مدى قوة الأخير تكون أوضاع الاحتلال ضعيفة(كرزاي وبرلمان وحكومة الصومال بفترة2006-2008)أومهتزة(سلطة شيخ شريف أحمد)أومستقرة نسبياً(سلطة حكومة المالكي بين عامي2006و2010)،أوتتجه سلطة الاحتلال (ومابعد خروجه الانسحابي العسكري مع بقاءه اقتصادياً وأمنياً)نحو المجهول بفعل انقسام أوتضارب مصالح القوى المشكِلة للظهير الداخلي كمايحصل في العراق منذ انتخابات برلمان7آذار2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من البداية كانت إستبدادية
Pythagoras plato ( 2010 / 9 / 27 - 18:40 )
هكذا الجبروت جبرائيل قال عندما ترك المنطقة هارباً منها بعد هروب كل الأله فتركوهُ لوحده مع أدم السومري البابلي قال جبرائيل التالي من البداية كانت إستبداد أي الإله المنتخب بعد نفخهِ بتراب أدم قال له كن فيكون فكان الإستبداد والإستبداديون كل ظل حرف من حروف كن فيكون يحل شعاع الإستبداد لذلك الكل فشلَ بتربية وتدجين هذه القبائل والطوائف البدوية على الصحاري القبطية الفرعونية السورية العراقية والأمازيغية والصحاري العربية والسماء والأرض فشلت وسوف تفشل لذلك العراق اليوم لا يملك حكومة والسبب هو إستبداد كن فيكون


2 - من البداية كانت إستبدادية
Pythagoras plato ( 2010 / 9 / 27 - 19:23 )
هكذا الجبروت جبرائيل قال عندما ترك المنطقة هارباً منها لفقدانهِ للأمل وبعد هروب كل الأله السبعة فتركوا جبرائيل لوحده مع أدم السومري البابلي قال جبرائيل التالي من البداية كانت إستبداد أي الإله المنتخب وبعد نفخهِ بتراب أدم قال له كن فيكون فكان الإستبداد والإستبداديون كل ظل حرف من حروف كن فيكون يشع منها شعاع الإستبداد لذلك الكل فشلَ بتربية وتدجين هذه القبائل والطوائف البدوية على أطراف او داخل الصحاري القبطية الفرعونية السورية العراقية والأمازيغية والصحاري العربية السماء والأرض فشلت وسوف تفشل لتدجين هؤلاء الأستبداديون ومن لحظة كن فيكون لذلك العراق اليوم لا يملك حكومة والسبب هو إستبداد كن فيكون

اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن