الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختطاف مصر!

سعد هجرس

2010 / 9 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا مفر من الاعتراف بأن النعرات الطائفية قد اكتسبت قوة دافعة هائلة في الآونة الأخيرة، وبأن هناك من ينفخ في نيران هذه الروح الطائفية البغيضة التي تهدد وحدة الوطن والأمة، والتي تتنافي ــ في نفس الوقت ــ مع ألف باء الدولة المدنية الحديثة القائمة علي مبادئ المواطنة وسيادة القانون والعقلانية والتسامح واحترام الحريات العامة والخاصة بما في ذلك حرية الاعتقاد.
ومن جراء استفحال هذه الروح الطائفية تحولت أمور شخصية وفردية، لا تهم المجتمع من قريب أو بعيد، إلي »قضايا« ساخنة يحتشد لها الإعلام المطبوع والمسموع والمرئي والأرضي والفضائي والإلكتروني، وتحشد من أجلها المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وتقوم كل »طائفة« بـ»التعبئة« والتصعيد والتسخين والتهييج بصورة أصبحت تهدد السلم الأهلي وتسمم أجواء العيش المشترك.
وآخر نماذج سفاسف الأمور ــ التي تحولت في جو الاحتقان الطائفي من »حبة« إلي »قبة« ــ هي حكاية السيدة كاميليا زاخر، التي أصبحت أشهر من »غادة الكاميليا« رغم أنها سيدة مصرية بسيطة لم تكن تتوقع في يوم من الأيام أن تكون في بؤرة الأضواء، ناهيك عن أن تكون سبباً لانقسام ملايين المصريين إلي معسكرين متناحرين يتبادلان الكراهية والاتهامات والاتهامات المضادة.
وكما أصبح معلوماً للقاصي والداني فإن هذه السيدة المصرية التي كانت تعيش في الظل، وتسير »جنب الحيط«، شأنها شأن ملايين المصريات الصابرات والمغلوبات علي أمرهن، وجدت نفسها ــ فجأة ــ مادة للتناحر الطائفي، فخرجت المظاهرات الغاضبة التي نظمها عدد من المواطنين المصريين المسيحيين احتجاجاً علي »اختطافها« و»أسلمتها« بالإكراه، وأشياء أخري،.. وبعد أن اشتعلت النيران في ثياب الوطن بسبب ذلك، تبين أن الموضوع لا علاقة له بكل هذا الجنون وتلك الهستيريا وأن المسألة مجرد خلاف عائلي بين زوج وزوجته دفع الزوجة إلي هجر الزوج.
وبعد أن ألقت هذه الحقيقة البسيطة »دشاً بارداً« علي الرعونة الطائفية التي حركت مظاهرات الغضب في بعض الأوساط المسيحية، أصر الطائفيون علي عدم إسدال ستار النهاية علي هذه المسرحية الهابطة، فأشعلوا النيران في المعسكر المقابل بحجة أن »كاميليا« قد أسلمت واعتنقت الإسلام بمحض اختيارها لكن الحكومة أذعنت لضغط الكنيسة القبطية وسلمتها إليها حيث تم إيداعها في مكان غير معلوم تسام فيه العذاب النفسي والبدني لخروجها عن الملة.. ومن أجل ذلك بدأت حلقة جديدة من مسلسل التهييج والإثارة، حتي بعد أن تم تداول شريط فيديو تتحدث فيه كاميليا عن تمسكها بديانتها المسيحية وتنفي فيه حكاية اعتناقها الإسلام، واحتجاز الكنيسة لها رغماً عنها في أحد الأديرة.
المهم.. أن يستمر الاحتقان، وأن يستمر التوتر الطائفي بأي حجة وأي ذريعة.. وألا تصفو الأجواء أبداً، مع أنه من الواضح وضوح الشمس أن معظم هذه الذرائع وتملك الحجج أمور تافهة ومتهافتة أساساً.. فما هي قيمة دخول شخص ما إلي الإسلام أو إلي المسيحية أو البوذية، وما هي قيمة خروج هذا الشخص أو ذاك من الملة الفلانية أو العلانية.. وما هو شأن الدولة باعتناق مواطن من ملايين المواطنين هذه الديانة أو خروجه من تلك الديانة؟ ولماذا يتم شغل المجتمع بهذه الأمور التي لا تهم إلا الشخص نفسه؟ والأهم.. هو لمصلحة من النفخ المستمر في نيران الفتنة الطائفية؟
هذا الصب المستمر للمزيد من الزيت علي نيران الطائفية يهدد المجتمع والوطن.. ولا يجب السكوت عنه.. وهذا هو بيت القصيد.
ولنأخذ أحدث نماذج هذا التهييج الخطر الذي يهدد مصر كلها بمسلميها وأقباطها علي حد سواء.
هذا المثال هو بيان »جبهة علماء الأزهر« الصادر يوم 12 من الشهر الجاري، والذي يتبني لغة بالغة الخشونة ضد الكنيسة المصرية.
والأخطر أن هذا البيان يضع »جدول أعمال« لـ»المسلمين« المصريين في »معركة« كاميليا التي أشرنا إليها في السطور السابقة.
ويقول بهذا الصدد أنه »يتوجب شرعاً علي المسلمين جميعاً وهم الأغلبية وأصحاب الديار المستهدفون (لاحظ هذه الصفة المستفزة!):
أولاً: المسارعة نحو إعلان الرفض لسياسة التخريب التي تتبناها الكنيسة المصرية وموقف الدولة السلبي منها، وذلك بكل سبيل ووسيلة مشروعة.
ثانياً: التحرك القانوني برفع دعاوي قضائية علي الكنيسة المصرية، والمطالبة باخضاع تلك الكنيسة المتغطرسة لسلطان القانون، فإنها ليست فوقه ولا يقبل أن تجاهر بالخروج علي دستور الدولة، وكذلك رد الدوائر التي بها قضاة من النصاري.
ثالثاً: علي جميع المسلمين من الآن لزوم المقاطعة للمصالح المسيحية خاصة المصالح الاقتصادية التي تستقوي بها الكنيسة، حتي يثوب النصاري إلي رشدهم،.. ومن أهم تلك المصالح:
1ـ الصيدليات والمستشفيات والعيادات الخاصة التي يمتلكها النصاري أو يعملون بها فلا يشتري المسلمون دواءهم منها، ولا يدخلون تلك المشافي حتي لا يعينوا المجرم علي جريمته بما يدفعون من أموال تتسلط الكنيسة بعتوها علي بعضها.
2ـ محال بيع المصوغات والحلي من ذهب وغيره وهي كثيرة منتشرة للنصاري في مصر.
3ـ كذلك مقاطعة محال الأثاث والموبيليات التي يمتلكها هؤلاد النصاري أو يغلبون عليها.
4ـ ومكاتب المحاماة وأمثالها من المكاتب الهندسية والمحاسبية.
5ـ وكذلك مقاطعة المدارس الخاصة التي يمتلكها ويديرها هؤلاء النصاري الساكتون علي جرائم شيطانهم الأكبر في مصر.
ويطالب البيان شباب مصر »أن يبدأوا من الآن تدوين سجلات بأسماء تلك المؤسسات وإعلانها لتيسير أمر المسلمين نحوها«.
>>>
أما إلي أي وقت تستمر فيه هذه الحرب الاقتصادية الشاملة ضد »النصاري« فيحدده بيان جبهة علماء الأزهر بـ»رفع العذاب عن أسر المؤمنات المحبوسات في الكنيسة«.
ولا يكتفي البيان بإشهار سيف المقاطعة بل يتعدي الحرب الاقتصادية إلي التلويح بالحرب الاجتماعية قائلاً: »إن أصرت الكنيسة بعد ذلك علي لزوم موقفها من الدولة والملة، فإننا ننذرها بالخطوة الثانية.. وهي الدعوة إلي المقاطعة الاجتماعية للنصاري جميعاً في مصر، وإلجائهم إلي أضيق الطرق بمنع المساكنة، وتجريم المجاملة، وعدم بدئهم بالسلام«.
>>>
إلي هذا الحد وصل التعصب في مصر المحروسة.. وقد تعمدنا نشر فقرات طويلة من البيان ــ رغم ما تحمله من الكراهية وأخواتها من المعاني القبيحة والبشعة ــ لكي نفيق من الأوهام التي تتغني بالوحدة الوطنية وتصور العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علي أنها »سمن علي عسل«، ولكي ندرك أن جذور التعصب عميقة جداً، وأن الهوة شاسعة بين الخطاب الرسمي وبين الخطاب الطائفي، وأن التعصب ليست له حدود بل إن المتعصبين مستعدون للذهاب إلي أبعد مدي حتي لو أدي ذلك إلي ضياع البلاد وخراب مصر.
وبيان ما يسمي بجبهة علماء الأزهر خير دليل علي ذلك ليس فقط بالنظر إلي لغته المفعمة بالكراهية والتمييز وإنما أيضاً بتلك المطالب الاستفزازية التي تسعي اليوم إلي المقاطعة الاقتصادية لجزء أصيل من الأمة وتلوح بمقاطعتهم اجتماعياً غداً.
وغني عن البيان أن هذه دعوات حمقاء، إلا أنها تمثل خطورة شديدة علي البلاد ولعباً بالنار التي ستحرق الجميع.
صحيح أن التطرف والتعصب والتزمت ليس حكراً علي ما يسمي بجبهة علماء الأزهر وغيرها من هيئات تنتحل لنفسها صفة المتحدث باسم الإسلام والمسلمين.
وصحيح أن الأقباط يوجد بينهم أفراد وهيئات تتمتع بقدر مماثل من التطرف والتعصب والتزمت.
لكن ذلك لا ينفي أن هناك مسئولية مضاعفة علي الأغلبية دائماً، لأن تطرف الأقلية يكون في الأغلب الأعم بمثابة رد فعل، كما لا ينفي أن هناك مشاكل حقيقية يعاني منها الأقباط، وأن هذه المشاكل متوارثة عبر عصور عديدة، وأنه قد آن الأوان لوضع حد لهذه المعاناة، وبالذات فيما يتعلق بحرية بناء الكنائس والحق في شغل الوظائف العمومية دون تمييز بسبب الدين.
وفي هذا السياق تصبح مسئولية الدولة المدنية الحديثة ضمان حرية العقيدة ومتطلباتها من جانب، وإعلاء شأن المواطنة علي ما دونها من اعتبارات بما في ذلك الاعتبارات الطائفية.. فنحن جميعاً مصريون قبل أن نكون مسلمين أو أقباطاً.. ولا ينبغي أن يكون للديانة أي دخل في شئوننا الدنيوية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.
ومبدأ المواطنة يتناقض تناقضاً صريحاً ومطلقاً مع توجهات قبيحة مثل تلك التي تضمنها بيان ما يسمي بجبهة علماء الأزهر.
والملفت للنظر أن هذه الجبهة شاءت أن تنهي بيانها الاستفزازي بوضع »ختم« يحمل اسمها، لكن الأهم أنه يحمل أيضاً عبارة تقول إن هذه الجبهة »مشهرة برقم 565 عام 1967«، أي أنها جمعية معتمدة ومسجلة بدفاتر وزارة التضامن الاجتماعي منذ عام »النكسة« حتي الآن أي منذ 43 عاماً.
فهل هذا معقول؟ وهل تعطي الحكومة ترخيصاً بقيام مثل هذه الجمعيات المتخصصة في بث الكراهية وزعزعة السلم الأهلي وتسميم آبار العيش المشترك بينما ترفض الترخيص بقيام جمعيات تنشد منع التمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس، أو تسعي إلي غير ذلك من ضمانات حقوق الإنسان!!
>>>
إن مصر في خطر.. ولا تحتمل الأوضاع اللعب بالنار علي النحو الذي نراه في أشكال استفزازية صارخة مثل بيان ما يسمي بجبهة علماء الأزهر تارة وتصريحات بعض المتعصبين الطائفيين الأقباط تارة أخري.
ولا يمكن ترك مصير الوطن رهناً بنزق هؤلاء وأولئك.
والحل.. هو إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة بجدية وجسارة، ودفع استحقاقاتها اليوم قبل الغد، وأول هذه الاستحقاقات تغيير مناهج التعليم وتنقيتها من السموم الطائفية جنباً إلي جنب مع تنقية مناخ الإعلام من السحب السوداء وإعلاء شأن العلم والبحث العلمي والعقلانية عموماً في إدارة شئون المجتمع وحل مشاكلهم، ومعالجة التشوهات التشريعية والتناقضات الدستورية التي تخلق ثغرات تتسلل منها طيور الظلام والطائفية.
باختصار.. نريد استعادة مصر من الطائفيين الذين يحاولون اختطافها أمام عيوننا.. في عز الظهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الععده العمريه لعمر بن الخطاب
سيد كريم ( 2010 / 9 / 25 - 15:08 )
ما يسمى بجبهه علماء الازهر هم مجموعه إرهابيه يجب إعتقالهم فورا فى المعتقلات - أستاذ سعد إقرأ العهده العمريه لعمر بن الخطاب فهى عباره خطاب نارى نازى متغطرس إقرأ بحياديه لتعرف مدى عنصريه ما يسمى بالعهده العمريه تجاه غير المسلمين


2 - الرئيس هو المسؤل
على سالم ( 2010 / 9 / 25 - 21:20 )
الاستاذ العزيز يجب ان تعلم ان الكوارث التى تمر بها مصر من صنع رئيس مصر نفسه,ربما لاتعلم ياعزيزى انه تمت صفقه بين ملك السعوديه ومبارك من اجل التطهير العرقى تماما للاقباط وابادتهم من مصر والذى يحدث الان هو من تداعيات هذا الخطه الشيطانيه, لقد حصل الرئيس المصرى على عموله سخيه من الملك السعودى لبيع بلده الى طويل العمر,وطويل العمر من جهه اخرى اعتمد بلايين الدولارات من اجل القضاء تماما على اقباط مصر وهو يعمل خطته على مراحل,ولعلمك يااخى ان السعوديه الان تدفع مرتبات سخيه الى كل المسئولين فى مصر لكى يغضوا الطرف عن الانتهاكات التى تحدث للاقباط بل وتدفع ايضا عمولات سخيه الى كل ضباط الشرطه من اجل اختطاف الفتيات القبطيات واغتصابهم وبعد ذلك اسلمتهم تحت التهديد بفضحهم,وفى نفس الوقت يسعى رئيس مصر فى هذه الفوضى والاحتقان الى توريث البلد للسيد نجله


3 - مبروك كونداليزا
ابو اسلام ( 2010 / 9 / 26 - 19:44 )
ان ما يحدث ما هو الا امتداد لسياسة امريكا بوش الابن وقد اعلنتها كونداليزا بنشر الفوضى المخلقه وهى فائده لكراسى الحكم فسياسة فرق تسد هدف الحاكم حتى يظل قابعا على صدور الشعب والنظام هو الذى ينفخ فى النار00هذا من ناحيه ام الاخرى فقد سمعتها من صديق مسيحى منذ زمن ان مصر هى بلدهم وحدهم وهذا مما جعل المسيحيون يكثرون من بناء الكنائس بكثره غريبه وتحديها للدوله والقانون وبماركة النظام حتى ينال اى النظام مباركة امريكا والغرب وقد وصل الحال ان يهاجم الرجل الثانى القران فهل هذا يجوز انك تهاجم بيان الازهر وبديت تحفظا ناحية الكنيسه00ارجو ان تظل كما انت استاذ سعد000

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-