الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة في الأهوار العراقية

احمد ثامر جهاد

2004 / 9 / 6
مقابلات و حوارات


عبق التاريخ في عيون الصحفيين الغربيين

ضمن توافد العديد من المنظمات الإنسانية والشخصيات المختصة بشؤون البيئة والتنمية والآثار العراقية ، زار مدينة الناصرية وعلى فترات عدة ، منذ انتهاء الحرب وإلى يومنا هذا ، عدد كبير من الصحفيين من جنسيات مختلفة للاطلاع على واقع الحياة في أهوار العراق بعد الحرب ، ولمحاولة استطلاع المنطقة جغرافيا بشكل قد يخدم إعادة تأهيلها كمرفق سياحي متفرد بطبيعته وثرواته . وكان اغلب الزوار الصحفيين الوافدين قد جاءوا لتوثيق أشكال الحياة في هذه المنطقة تحديدا والتي تحظى باهتمام واسع من قبل الرأي العام العالمي ، ذلك لما تعرضت له من تشويه وتدمير طال وجود الإنسان والحيوان والبيئة في آن واحد ، وأيضا لكون الأهوار إحدى اكثر مناطق الجنوب العراقي معارضة للسلطة ، خصوصا بعد انتفاضة آذار عام 1991 ، حيث احتمى فيها عشرات الرافضين والخارجين عن نظام صدام ، ليتخذوا منها فيما بعد منطلقا لتخطيط وتنفيذ عمليات مقاومتهم للسلطة البعثية الفاسدة . الأمر الذي جعل من منطقة الأهوار رمزا للعصيان السياسي في الجنوب العراقي ، لا سيما مع عجز حكومة صدام عن تطويع المنطقة واحتوائها من الناحية الأمنية طوال سنوات حكمه ، رغم تعرضها هي وسكانها إلى ممارسات بشعة من القصف والحرق والتنكيل والتهجير .
هذه الممارسات الفاشية من قبل النظام السابق بحق منطقة الأهوار وأهاليها العزل ، ساهمت من جانب آخر في جعل هذه المنطقة مركزا حيويا استقطب اهتمام الرأي العام الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ، مثلما جرى الأمر في التعاطي مع مأساة الأكراد في بعض مناطق الشمال العراقي .
كان من بين هؤلاء الصحفيين الذين وصلوا إلى مدينة الناصرية خلال الفترة الحالية ، الصحفية الألمانية ( إنغا روج ) والصحفي الفيتنامي فرنسي الجنسية ( هان ليم دوك ) . السيدة ( إنغا ) كانت تسعى إلى توثيق المظاهر الحياتية في منطقة الأهوار من نواحي مختلفة . ويشتمل عملها هذا على تجميع المقالات والصور التي تهتم بالأهوار من سجل التاريخ والوقائع والحياة اليومية للناس للتعرف على طبيعة الأشياء وحقائقها كما هي .
تقول السيدة ( إنغا ) : " خلال زيارتي هذه حصلت على انطباعات هامة تبين كيف يعيش الناس حياتهم هنا ، وما هي الصعوبات التي يواجهونها والأشياء التي تجعل من حياتهم ممكنة ، إضافة إلى خصوصية المواقف التي يتخذونها إزاء الواقع من حولهم . وبسبب أنني سبق أن زرت منطقة الأهوار في شهر تموز من العام 2003 ، فقد أهلني ذلك لمعرفة أهمية الثروة المائية في العراق وتقدير هذا الجانب الحيوي بشكل جيد . وارى هنا إن للماء تأثير إيجابي في حياة العراقيين ، مع إن مسألة المياه كانت مشكلة كبيرة بالنسبة للناس ، وإنها في أوقات معينة مثلت أزمة خطيرة مع سياسة النظام السابق . والمفارقة إن تجفيف مياه الأهوار تسبب في خلق أزمة كبيرة ، مثلما تسببت زيادة مناسيبه في الأهوار بأزمة أخرى هددت وجود الناس واعمالهم . لذا اعتقد إن منطقة الأهوار تحتاج إلى عناية خاصة تتواءم مع خصوصية المكان ، بوصفها منطقة فريدة تعبق بالتاريخ . "
ولدى سؤالها عن رأيها في التصور الذي يذهب إلى إن تعامل الإعلام الغربي مع قضية الأهوار خلق نوعا من التنميط في توجيه رؤية الرأي العام العالمي للمشكلة العراقية ، أي أن التركيز على هذه القضية جذب المدافعين عن حقوق الإنسان والبيئة فيما حجم أو صرف النظر بعض الشيء عن أزمات أخرى تتعرض لها باقي المدن العراقية من دون اهتمام موازي ، فقط لأَنَ عيون الإعلام والصحافة بعيدة عنها . وان كان ذلك يعني ، في الحد الأدنى ، تأثر الإعلام بالمناخات السياسية أم انه يلبي رغبة المواطن الغربي في الدفاع عن قضايا إنسانية ذات تأثير عالمي ؟
أجابت السيدة ( إنغا )بالقول : " أتصور إن واحدة من أنبل مهام الإعلام في كل مكان هي العمل على تسليط الضوء على المشاكل التي يتعرض لها الناس في مجتمعات خاضعة لأنظمة دموية لا تعير وزنا لشعوبها . نعتقد أن مشكلة الأهوار في جنوب العراق واحدة من تلك الأزمات التي تستحق الكشف والإعلان عن تأثيراتها الخطيرة على الحياة الإنسانية في هذه البلاد . ولا اعتقد أن عملي حاليا يخضع للسياسة أو توجهاتها أيا كانت ، فسبب زيارتي هو لاكتشاف حقيقة تجفيف الأهوار كما تدعي الأطراف العراقية في الخارج والداخل ، وقد علمت بهذه الحقيقة الآن . وكنت قد كتبت مقالا قبل شهر من زيارتي للعراق ، سلطت الضوء فيه على المأساة الإنسانية في الأهوار . وبالتأكيد يعمل غيري من الصحفيين على تناول قضايا أخرى تهتم الشأن العراقي . وبكل الأحوال لا يمكنك كصحفي العمل من دون أن تعقد آمالا كبيرة على نتائج عملك وتأثيرها على مسار الأشياء ، لكن عليك – كصحفي ذي مبادئ – أن لا تنسى إن عملك في ناحية من نواحيه يشبه الشاحنة التي قد تحمل بضاعة جيدة أو فاسدة أحيانا . وعليك بكل الأحوال إيصال البضاعة إلى مستهلكيها . ربما للصحافة دورا اكبر وابلغ تأثيرا في البلدان الغربية منها في المجتمعات العربية ، لكنها في نهاية الأمر لا تخلق المعجزات . "
أما السيد ( ليم دوك ) فقد ذكر انه زار العراق اكثر من مرة في عام 1991 و 1997 ، وعمل خلال ذلك بالاشتراك مع القاصة العراقية ( ابتسام عبد الله ) على إنجاز كتاب يوثق مشهاداته عن العراق ، وقد طبع الكتاب في فرنسا تحت عنوان ( حديقة الهمس ) . وهو كتاب صغير وأنيق يجمع بين اللغتين العربية والفرنسية ويضم بين صفحاته صورا فريدة توثق حياة الأهوار ، التقطها الصحفي الفرنسي بعدسة فوتوغرافية متميزة ، مشيرا في ذلك إلى تأثره بتنفيذ كناب ( عرب الأهوار ) . وله أيضا كتاب آخر عنوانه ( ناس من العراق ) يتحدث فيه عن وضع الاقليات في العراق ويخلو من السياسة بحسب قوله . وفي عام 1997 زار العراق ولم يُسمح له بالعمل بسبب رغبة النظام بالتعتيم على الحقائق والأزمات في مناطق الجنوب . ولدى سؤاله عن آلية عمله الحالي في تتبع موضوعة الأهوار ، قال ( دوك ) باختصار شديد : " انه يعرف ماذا يعمل وما الذي يريده ، لذلك فهو من النوع الذي يعمل بالحدس لتشكيل تصوراته " .
وفي نهاية اللقاء أبدت السيدة ( إنغا ) سرورها الشديد بهذا اللقاء وتمنت أن يكون ما عملته لمساندة سكان الأهوار شيئا حسنا يمكنه أن يخدم البعض أو يساعد في تحسين حياتهم . وفي المحصلة ( تقول السيدة إنغا ) عن زيارتها لمدينة الناصرية : " كانت أربعة أيام جميلة قضيتها بين أناس بسطاء رائعين ، أتمنى أن تدوم " .
كتابة وحوار : احمد ثامر جهاد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -