الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - ينابيع السخط ورايات الاحتجاج

رضا الظاهر

2010 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تتواصل لعبة الكراسي بين المتنفذين في مسرح ينفردون بخشبته ليؤدوا أدواراً باتت مفضوحة أمام أنظار ملايين المحرومين، وبينها دور المهرج البهلوان.
وبينما تستعر حمى الصراع على المغانم يبدو أكثر جلاء أن لا أفق لحل سريع ناجع لأزمة البلاد، إذ تدلل تصريحات السياسيين المتنفذين على استخفافهم بارادة الملايين ولاأباليتهم بمعاناة الناس المريرة وتحول آمالهم الى أوهام، وبمصائر العملية السياسية، مقابل ضمان امتيازات "الكبار".
أما الفراغ السياسي الذي دخل النصف الثاني من عامه فتبدأ عواقبه الوخيمة بالمزيد من تدهور الأمن واتساع جرائم الارهاب، وتمر بالمشاكل الاقتصادية والخدمية، والفساد المالي والاداري، والمظالم الاجتماعية، ولا تنتهي عند التدخل الخارجي. وفي هذا السياق تأتي تصريحات خطيرة لمسؤولين في قوائم متنفذة تنذر بتجدد "حرب طائفية" أو "انتفاضة شعبية"، أو فرض حالة طواريء ... وما الى ذلك من تهديدات مفضوحة ومستورة تكشف عن استعداد مقيت لممارسة العنف والعودة الى السلوك الانقلابي وإعادة انتاج استبداد من طراز جديد.
وفي ظل هذه الأجواء المحتقنة الملتبسة لا يندر أن نجد قائمة أو كتلة تصعد من وتيرة التحدي تارة وتتراجع تارة أخرى، وتهدد وتتوعد مرة وتدعو الى "توافق" مرة أخرى، وتقول الشيء ونقيضه في الوقت ذاته وفقاً لما يمكن تسميته توازن الاستحواذ، وتتبع أسلوب بث الشقاق بين أطراف كتلة أخرى بينما تزعم، في الوقت ذاته، أنها حريصة على هذه الكتلة وساعية الى التنسيق والتحالف معها لتشكيل حكومة "الشراكة الوطنية". وكل هذه التصريحات وسواها من تسلكات مغرضة، هادفة الى التسقيط أو تشويه السمعة أو السعي الى تفكيك كتلة معينة، تفضح، من بين أمور أخرى، مأساة غياب المصداقية لدى غير قليل من السياسيين المتنفذين، وعدم وجود حدود وقواعد أخلاقية في التعامل السياسي. ولا ريب أن هذا مرتبط بسيادة ثقافة التخلف من ناحية، ونمط تفكير وسلوك الممارسين من ناحية ثانية، مما يكشف بليّة أخرى من بلايا هذه البلاد التي تبدو بلا نهاية.
ولابد أن أمر الصراع على الثروة والنفوذ سينتهي، بعد استعصاء، الى مساومة مخزية أخرى بين متنفذين على تقاسم المغانم في إطار المحاصصات الطائفية والاثنية، وهو ما يعني، بجلاء، أنه لا يمكن لحكومة "الشراكة الوطنية" المنتظرة إلا أن تكون ضعيفة ومشلولة، لتستمر الأزمات وتتفاقم. أما من يظن شيئاً آخر فليس سوى مغرض منتفع أو واهم أو ساذج.
ومن المؤكد أن تغيير المشهد السياسي الراهن وإعادة تركيب اللوحة المعقدة لا يمكن أن يكون مرهوناً بالعفوية، إنما يرتبط من ناحية باستعداد القوى السياسية المتنفذة للتخلي عن نمط تفكيرها وسلوكها الراهن وتمسكها بنهج المحاصصة والاستحواذ، ومن ناحية أخرى بتحويل القوى السياسية الحية في المجتمع السخط المتعاظم الى احتجاج شعبي واعٍ ومنظم، قادر على هزّ أركان قوى تأبيد ثقافة وواقع التخلف، وانتزاع حقوق الناس المشروعة، وممارسة الضغط على المتنفذين ووضعهم أمام مسؤولياتهم في احترام إرادة الملايين ومصائر العملية السياسية ومستقبل البلاد.
ومن نافل القول إن ثقافة التخلف والخنوع هي السائدة في مجتمعنا لأسباب مفهومة، غير أن هذه السيادة لم تمنع الناس من رفع أصواتهم محتجين على استمرار معاناتهم المريرة وخداع السياسيين المتخلين عن وعودهم وتجاهلهم لإرادة من منحوهم أصواتهم وثقتهم في غفلة من زمن أو مفارقة نادرة المثال.
ويتعين أن يتحول هذا الاحتجاج من تحركات نخبوية محدودة في إطار بعض القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الى حركة تعم المجتمع والبلاد بأسرها، وعلى نحو يرغم "الحكام" على أن يحسبوا لها ألف حساب.
وفي هذا السياق ينبغي للتيار الديمقراطي، ذي البعد الاجتماعي والجذور العميقة في الواقع العراقي، أن يخلق مستلزمات تفعيل دوره المنشود، إذ بدون هذا الدور لا يمكن تصور آفاق رحبة للتطور الاجتماعي الحقيقي للبلاد.
* * *
"ممثلو الشعب" خاضعون لسلطة أحزابهم المتنفذة .. والمحكمة الاتحادية خانعة للتسييس .. و"الكبار" يتصارعون على الحلبة .. ينتقلون من مسرح الى آخر عارضين بضاعتهم وكأن الشعب مخدَّر .. لا يلتفتون الى حقيقة أن هذه السفينة التي تتقاذفها أمواج عاتية يمكن أن تواجه مخاطر ليست في الحسبان .. ولا يتورعون عن فعل أي شيء وصولاً الى ضمان الامتيازات .. ما الذي يمكن أن يردعهم ماداموا لا يبالون بحياء !
كيف يمكن لامريء، والصورة على هذا الحال المأساوي المحبط، أن يثق بمثل هؤلاء السياسيين ويأتمنهم على حياته ومستقبله ؟ وكيف يمكن لبلاد أن تخرج من أزمتها مادام من يُفترَض أن يخرجوها من أزمتها هم من يدخلونها الى دهاليز الأزمات ؟ أيتخيل أحد فجيعة أعظم !؟
لكن يتوهم من يظن أن التوازن الاجتماعي، على اختلاله العميق، يشكل عائقاً محبطاً يدعو الى الاستسلام.
نحوض غمار التحدي، وسط صعاب كبرى، وأمامنا جدران ومتاريس تنتظر من يجتازها .. وما من سبيل سوى الأمل والعمل، مع الناس ووسطهم، في هذا التحدي الاجتماعي الأعظم، ونحن نمضي، بينابيع السخط ورايات الاحتجاج، الى غاياتنا الساميات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح