الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توصيف دقيق لما يجري

عبدالمنعم الاعسم

2010 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



احسب اننا زودنا علم السياسة بفصل مثير عن القدرة الفذة على تبرئة النفس من خطيئة نرتكبها في وضح النهار، فنلفّ وندور حول انفسنا وحول الضحايا الذين يتساقطون يوميا بسلاحنا، فنحمل جنائزهم على اكتافنا الى المقابر، ثم من هناك، نعلن براءتنا مما يجري، ومن هذا الدم المراق، على الرغم من ان بصمات الجريمة بائنة على ثيابنا، بل ونحمـّل بعضنا البعض المسؤولية عن هذا الاستعصاء الذي يجر البلاد الى الهاوية، في لعبة سمجة، يتتبع العالم فصولها في القليل من الشفقة وفي الكثير من الاستغراب.
انظروا الى حرب الوثائق المزعومة التي نخوضها ضد بعضنا. لم يعد العالم يعرف ايا منها الصحيحة واي منها المزورة، وبين كل وثيقتين نعلنهما للرأي العام وعلى واجهات الشاشات الملونة تسقط قطرة حياء من جباهنا الى مجرى الصرف الصحي. نكتب التعهدات لبعضنا باليمين، ثم نمحوها باليسار، وكان السياسي منا انشطر الى عدد غير متناه من الوحدات السياسية الغامضة، ثم انظروا الى كومة بيانات النفي وعبارات "لا صحة له" او "فُهم خطأ" او "جرى تحريف الكلام" ضمن توترات كان فرويد على حق حين اعاد مثيلاتها الى علل جنسية.
ثم تعالوا الى فذلكة غريبة ومضحكة انتجناها باقل مهارة، وقد بقيت من دون براء اختراع إذ نطالع على مدار الساعة هذه العبارة : "صرح مصدر مقرب من الزعيم الفلاني لم يرغب ان يذكر اسمه" وقبل ان نسأل: ليش؟ وممن يخاف صاحبنا؟ وما العبرة من ذلك؟ تكاثر المعقبون على الاحداث ممن لا يرغبون الاعلان عن اسمائهم، وتوزعوا على جميع الزعماء والمنابر، ثم نكتشف ان السبب بسيط ، بل وابسط مما يُعتقد، وهو ان صاحب التعقيب يلفق معلومة او تهمة او رسالة تتضمن حشوة مغشوشة تستهدف التشويش على المتسابق الاخر الى منصب رئاسة الوزراء، والاخير، بدوره، سرعان ما يرد على غريمه بتصريح رنان لـ"مصدر لم يذكر هويته" وحين نتملاه نرتعب مما يحمله من الالغام والتهديدات ولغة التجييش، وهكذا يمتلئ الميدان بالجثث والضجيج واعمدة الدخان والاكاذيب.
الكل يريد منا، نحن الضحايا، شهادة ببراءته مما يحدث، ونحن لا نملك، في الواقع، حق التبرئة، لاننا انفسنا لسنا ابرياء تماما مما يجري، والكل يريد منا ان نأمن جانبه، ونحن فقدنا الكفاءة في هذا الامتحان، لاننا لم نعد نأتمن على حياتنا ولقمة عيشنا.
اننا في الحال التي يَختبر فيها المتصارعون ذرائعهم، وهم في الحال التي نختبر فيها مصداقيتهم، وبين الذرائع والمصداقية استطعنا، نحن وهم، ان نكذب على العالم باننا اخترعنا يوما علم الحساب وسبقنا البشرية الى الابجدية..
تصفيق.
ــــــــــــــــــــــ
كلام مفيد:
"لا تقولوا لي متى ينفذ النفط، خبروني متى ينفذ الصبر؟".
الماغوط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة