الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الردع في بغداد!

زيرفان سليمان البرواري
(Dr. Zeravan Barwari)

2010 / 9 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


إن السياسة الدولية قائمه على اساس المصالح القومية والامن القومي للاعبين الدوليين، وأن المناورات والمرونه السياسية لكل دولة تعطيها الحركة الايجابية في المناخ الدولي المضطرب، فالتوازن والحفاظ على الوضع القائم تعد من اولويات صناع السياسة الخارجية، وتعد تطوير العلاقات ونوافذ الوصول الى المصلحة القومية من أهداف السياسة الخارجية، ولكن هناك مسألة تظل عالقة ألا وهي من هو الطرف الخاسر وهل هناك صراع وسياسات قائمه على المصالح المشتركة بحيث لا تكون هناك اي طرف تخسر اللعبة الدولية؟
والرد على هذا التساؤل قد لا يأخذ وقتا طويلا ولا تتطلب ذكاء غارق حتى نعلم الرد الواقعي. أن السياسة الدولية قائمه على اساس الصراع والتصادم من اجل تحقيق اكبر قدر متوقع من المصالح وعادة هناك طرف خاسر، وان اتفاق دولتين تكون الضريبة على حساب الدولة الثالثة وتحدث ذلك بصورة طبيعية في المحيط الدولي، فالاتفاقيات الدولية التي تبرم بين دولتين في المحيط الاقليمي قد تضر بأكثر من دولة ولكن تبقى الامر لعبة دولية والرابح هو الذي يتمسك بخيوط الازمة وتديرها حسب مصالحه الاستراتيجية.
نعود ونحلل الحالة العراقية من خلال دراسة صراع المصالح فيها، والى متى ستظل العراق رهينة صراعات دولية تُصفي حساباتها على اراضي الرافدين وعلى حساب دم الاطفال ورفاهية الشعب والاستقرار التي طالما افتقرنها. ان اول المشاهد في اوراق الصراع هي المشهد الايراني- الامريكي وصراعهما في إدارة العراق وفق المصالح الاستراتيجية بينهما .
ان الاحتلال الامريكي للعراق قد وفرت فرصة أستراتيجية للنظام الايراني في الحصول على حليف قوي في العراق بعد عقود من اللاستقرار والصراع بين البلدين فقد ادى الانتخابات العامة في العراق2005 الى وصول التحالف الشيعي الى دفة الحكم والتحالف تكونت بصورة رئيسية من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وحزب الدعوة حيث تمارس طهران تاثيرها المباشر عليهما، وقد ساهم القيادة الايرانية في التقرب بين وجهات النظر للاطراف الشيعة والقضاء على النزاع بين الصدر والمالكي في سبيبل ضمان إدارة العراق من قبل الاطراف المتحالفة مع طهران.
وقد حاولت ايران تحقيق ثلاثة اهداف رئيسية في العراق من خلال ادارة صراعها مع الولايات المتحدة: اولهما، جعل مهمة احتلال العراق صعبا من خلال ضرب المصالح الامريكية وتغذية المقاومة المنظمة ضد الوجود الامريكي.ثانيهما، العمل على تقوية الطرف الشيعي لإدارة العراق.ثالثهما، العمل على تقوية القدرات الانتقامية ضد الامريكان داخل الأراضي العراقية.
حدثت عدة تجليات من وراء التواجد الامريكي في الاراضي العراقية،وأحس طهران انها المستهدفة بعد ان وجد القوات الامريكية في حدودها الشرقي مع افغانستان وحدودها الغربي مع العراق. ولكن سرعان ما احس القادة الايرانيين أن مثل تلك التواجد توفر لهم مزايا في الاستراتيجية الدولية،حيث تخضع الولايات المتحدة لحقائق جيوبوليتكية بحيث تفكر مائة مره قبل تمرير سياسات مناهضة ضد طهران فالوجود الامريكي في العراق جعل القواعد الامريكية على مرمى من الصواريخ الايرانية القادرة على إحداث اضرار في العمق العراقي.
مارست ايران سياسه براغماتية في تعاملها مع الولايات المتحدة ففي افغانستان قدم الايرانيين دعم غير مباشر للقوات الامريكية في القضاء على نظام طالبان وفي العراق عرض طهران خدماتها اكثر من مرة ولكن خدمات قامت على اساس المصالح المتبادلة ومبدأ الأخذ والعطاء مما صعُب على البيت الابيض الانصياع لتلك المطالب.
تعد الساحة العراقية المنطلق الرئيسي في سياسات الكر والفر بين الامريكان والايرانين، وإنهم يستخدمون العراق في تحقيق مصالحهم الاستراتيجية،ففي الوقت الراهن تمارس طهران تأثيرا مباشرا على الوضع الامني والسياسي في العراق وتحاول ان تجري العملية السياسية بالشكل التي تخدم مصالحها الاقتصادية الانية ومصالحها السياسية في المدى البعيد،إن طهران تعي جيدا بأن الولايات المتحدة لم تحتل العراق لأسباب وهمية كأسلحة الدمار الشامل والربط بين النظام البعثي وتنظيم القاعدة وإنما احتلت العراق لدوافع جيواستراتيجية بعيدة المدى بحيث تضمن المصالح الامريكية ليست في العراق وحده وإنما في المنطقة العربية والشرق الاوسط من خلال الضغط على القوى الثانوية في تلك المنطقة وفرض الهيمنة الامريكية على اسواق النفط ومصادر النفط وحتى الايدولوجيات التي تحكم الرقعة الجغرافية في الشرق الاوسط.
قبل فترة ناقشت مع واحد أمريكي حول الدوافع وراء احتلال العراق وخطة الانسحاب وملف الحرب الاهلي في حالة الانسحاب. وكان رد ذلك الامريكي أن الولايات المتحدة تريد استمرار تدفق النفط بالشكل التي نريده نحن وليس بالشكل التي يريده اصحاب النفط!، إذن ان الصراع بين المصالح والاصطدام في السياسات بين اكثر من قوى دولية تجد في العراق البقعة الاكثر استراتيجية والمنطقة الاكثر سخونة في تحديد معالم العقود القادمة في مسألة توازن القوى.
لان القرن الحالي هو قرن التعددية القطبية وأن إدارة الازمات الدولية قد فاقت قدرة قطب واحد مهما كانت إرادة تلك القطب، وقد صرح هنري كيسنجر بأن القرن الحادي والعشرون ستكون قرن التعددية القطبية " الولايات المتحدة،الاتحاد الاوربي،ألصين، روسيا، اليابان" والهند قد تكون قطبا ايضا. ومن خلال دراسة الحرب على العراق تظهر لنا بأن النقاشات والاختلافات بين القوى العظمى كانت قائمه على المصالح الاستراتيجية وكيفية حصول كل قوة على حصتها من العراق المستقبلي وليست حبا للسلام واحتراما للحقوق والحريات.
إن كل من طهران وواشنطن تحاول من صناعة الردع مقابل بعضهما البعض ولكن على حساب طرف ثالث الا وهو العراق. ان بغداد اصبحت المنطقة الملائمة لصناعة الردع والردع المضاد بين القوى الاقليمية والمؤسف ان القيادة العراقية لا تفكر في معادلة الردع ولا تحاول التحرر من موقع الطرف الثالث في صراعات القوى الاجنبية.
إن العراق تمر بأخطر المراحل التاريخية التي سوف تفرز تجليات خطيره قد تؤثر على طبيعة العراق على كافة الاصعدة. وتظل الامر مرهونا بظهور من ينقذ العراق من الخطر البركاني القائم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل